جريدة عنب بلدي – العدد 48 – الاثنين- 21-1-2012
صدر التقرير الاقتصادي السنوي للأمم المتحدة «الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم لعام 2013» ليركز على الترابط بين اقتصادات دول العالم، مما يشدد على أهمية التكامل الاقتصادي إقليميًا كحل للأزمات التي تواجهها دول العالم. وحول سوريا ركز التقرير على جانبين أساسيين، أولهما الأثر الاقتصادي للأزمة في سوريا، وثانيهما آثار الأزمة السورية على دول الجوار والتجارة البينية.
سنتوقف في هذا العدد عند ما ورد في التقرير حول الأثر الاقتصادي للأزمة في سوريا، التي واجه اقتصادها أضرارًا جسيمة تمثلت بدمار واسع ببنى الإنتاج وازدياد معدلات البطالة، وحرمان الخزينة العامة من عائدات الصادرات النفطية، إضافة إلى ضغوط على الليرة السورية أدت إلى تراجع قيمتها. كما تراجع التبادل التجاري والاستثمار الخليجي في القطاع السياح إضافة لتراجع عدد السياح. ورغم ذلك كله لايزال الاقتصاد السوري يبدي قدرًا من المرونة والثبات والقدرة على الاستمرار.
«تسبب العنف المسلح المستمر في سوريا بأزمة إنسانية، كما خلّف أضرارًا اقتصادية كبيرة من ضمنها الدمار الذي لحق بالممتلكات التجارية والسكنية، البنى التحتية، ومستلزمات الإنتاج. وكان رئيس الوزراء السوري قد خاطب البرلمان السوري في 2 تشرين الثاني 2012 قائلًا أن تكلفة الأضرار الإجمالية تقدر بحوالي 2000 مليار ليرة سورية (حوالي 22 مليار دولار أمريكي) وهو ما يمثل 55% من الناتج المحلي الإجمالي السوري لعام 2010 بعد احتساب الأثر التضخمي. وأكثر من ذلك، فإن ثُلث رأس المال التراكمي لعام 2010 قد تم تدميره على الأقل منذ تشرين الأول 2012.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة السورية لزيادة التوظيف وفرص العمل في القطاع العام، إلا أن معدل البطالة يتزايد بشكل كبير، حيث ارتفع معدل البطالة من 8.6 % في العام 2010 ليصل إلى 14.9 % في العام 2011، وسيكون الوضع أسوأ بكثير في العام 2012، إذ أن عددًا متزايدًا من العمال قد فقدوا وظائفهم وأعمالهم، أو أنهم لم يعودوا قادرين على الوصول إلى أعمالهم، أو أنهم قد نزحوا داخل البلاد، أو أنهم قد أصبحوا لاجئين في دول أخرى. في ظل هذه الظروف، يحتاج الاقتصاد السوري لعدة سنوات للتعافي وذلك بعد أن ينتهي النزاع المسلح الداخلي.
كما أن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على سوريا من قبل كل من الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوربي والجامعة العربية، كان لها أثرها السلبي على الاقتصاد السوري. فالحظر النفطي تسبب بخسارة عائدات تصدير النفط، والتي بلغت حوالي 4 مليار دولار أمريكي، مما حرم الحكومة من حوالي 25 % من إيراداتها لعام 2012. أما العقوبات المالية فقد شكلت معيقًا إضافيًا أمام التجارة، إذ أنها عقّدت تمويل التجارة الخارجية ووضعت ضغوطًا إضافية على العملة السورية. وفي شهر كانون الثاني 2012 اضطر مصرف سوريا المركزي إلى اعتماد «التعويم المدار أو المحكوم» لسعر صرف العملة الوطنية، مما سمح بتخفيض قيمة العملة السورية بأكثر من 30% قبل أن يستقر سعر الصرف عند حدود 70 ليرة سورية للدولار الأمريكي (السعر الرسمي حسب نشرة أسعار مصرف سوريا المركزي).
ورغم أنه تم تحرير استيراد عدة سلع أساسية، إلا أن التبادل التجاري للسلع غير المشمولة بالعقوبات، كالقمح والمستحضرات الصيدلانية، قد شهدت تراجعًا حادًا. وعلى الرغم من إجراءات الحكومة لفرض سقف لأرباح التجار، إلا أن الأسعار واصلت ارتفاعها وبشكل حاد، وفي آب 2012 وصل المعدل السنوي للتضخم بأسعار المستهلك – مقارنة بأسعار آب 2011- إلى 39.5%.
ونتيجة للعنف المسلح المتواصل في البلاد وللعقوبات المفروضة، فقد انخفض عدد السياح بنسبة 76% خلال الربع الأول من 2012 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، في حين تم تجميد جميع الاستثمارات الخليجية في المشاريع والبنى التحتية السياحية حتى إشعار آخر.
يُظهِر الاقتصاد السوري بعض علامات المرونة أو الصمود، وذلك كون كلٍ من القطاعين العام والخاص قد بذلا جهدهما للحفاظ على البنى التحتية الأساسية والنشاط التجاري في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وأمنية كارثية.»