“الناتو الشرق أوسطي”.. هواجس الأردن وتصريحات الملك المتذبذبة حيال إيران
تأخذ المواقف والتصريحات الأردنية تجاه إيران ونفوذها في المنطقة سياسة المد والجزر، بناء على مواقف أمريكا من الاتفاق النووي، والتحالفات الجديدة التي تقيمها الدول العربية، أو اختلاف وجهات نظرها في التعامل مع إيران.
فتارة يخرج ملك الأردن، عبد الله الثاني، كاشفًا عن إنشاء حلف جديد تحت مسمى “الناتو الشرق أوسطي”، ملمحًا إلى سلوك إيران المزعزع لأمن بلاده والمنطقة، وتارة يعود ليخفف من شدة الخطاب، ليقول إن العلاقة العربية مع إيران، والقائمة على الاحترام المتبادل، هي أمر تريده جميع الدول العربية.
وفي 26 من حزيران الماضي، أعلن الملك الأردني، عن دعمه تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار “حلف شمال الأطلسي” (الناتو).
ولفت خلال مقابلة مع قناة “CNBC” الأمريكية، إلى احتمالية تشكيل هذا الحلف الجديد من الدول التي لديها نفس التفكير، وفق تعبيره، دون أن يشير إلى تلك الدول بالاسم، أو إلى أسباب تشكيل هذا الحلف بشكل مباشر.
بينما قال في مقابلة أخرى مع جريدة “الرأي” في تموز الحالي، إن العلاقة العربية مع إيران أمر تريده جميع الدول العربية، لكنها يجب أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل فيما بينها، إلا أن إتمام هذه العلاقة يتطلب من إيران “تغيير سلوكها”.
“تغيير السلوك”
تكرر ذكر الملك الأردني عبارة “تغيير سلوك” عندما تحدث عن العلاقة مع سوريا في مقابلة له مع شبكة “CNN”، في 25 من تموز 2021.
وقال الملك، إن “هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائمًا، ولذلك علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟”.
وتساءل الملك عن طريقة التحاور مع النظام إذا كانت الإجابة تغيير السلوك، نافيًا وجود خطة واضحة إزاء أسلوب الحوار حتى اللحظة.
وفي تشرين الأول من العام ذاته، نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” مضمون ما أسمته “وثيقة سرية” مُقترحة من الأردن تعطي مقاربة جديدة للتعامل مع دمشق.
وتضمّنت الوثيقة خطوات لـ”تغيير متدرّج لسلوك النظام، وانسحاب جميع القوات الأجنبية التي دخلت إلى سوريا بعد العام 2011، مع الاعتراف بالمصالح الشرعية لروسيا في سوريا”، حسب الصحيفة.
وصرّح مسؤول غربي رفيع المستوى اطلع على الوثيقة (لم تُفصح عنه الصحيفة)، أن الوثيقة نوقشت في الفترة الماضية بين قادة عرب بينهم العاهل الأردني، والرئيسان، الأمريكي جو بايدن، بواشنطن في تموز 2021، والروسي فلاديمير بوتين، في آب من العام ذاته، وأيضًا على هامش اجتماع قمة “بغداد”.
هواجس الأردن
الخبير الاستراتيجي الأردني الدكتور عامر السبايلة، قال لعنب بلدي، إن تغيير السلوك الإيراني هو بمنزلة محاولة لإلقاء الكرة في الملعب الإيراني، بمعنى أن الإيرانيين معنيون اليوم بإرسال رسائل حسن نية إذا أرادوا فعلًا إنشاء علاقة مع الأردن الذي لديه في الأساس هواجس وتخوفات من جزئيتي الإرهاب والجريمة، وحتى من استراتيجية التغيير على المدى الطويل التي تتبعها إيران والتي تشكّل للأردن هاجسًا آخر.
كما أن هناك موروثًا أمنيًا كبيرًا مع إيران، وهناك خوف أيضًا من شكل هذا الاختراق المبني على استراتيجيات طويلة الأمد.
ويرى السبايلة أن هنالك خطأ في المفهوم، وفي تسويق فكرة رفع مستوى التعاون في مواجهة الأخطار المشتركة كالجريمة والإرهاب وغيرهما، أي رفع المستوى فقط، لكن التفكير في تحالفات عسكرية غير مبنية على واقع أيديولوجي أو تشارك مصالح، هو أقرب إلى مسمى إعلامي (الناتو) منه إلى الواقع.
وكان وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، أوضح في تصريحات أعقبت مقابلة الملك فيما يخص “الناتو”، أن الأردن تاريخيًا كان دائما يدعو إلى بناء منظومات عمل عربي مشترك تساعده في مواجهة التحديات المشتركة، وأن اتفاقيات الدفاع العربي موجودة منذ الخمسينيات، لكنها “غير مفعلة”، بحسب ما نقلته وكالة “عمون” الأردنية.
ويعتقد السبايلة أن التراجع عن تشكيل “الناتو الشرق أوسطي” حصل لأن القصة أقل بكثير مما تم تسويقها، وبالتالي كانت هناك محاولات للإشارة بحدوث هذا التغيير.
تراجع دور الأردن
الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، قال لعنب بلدي، إن حماسة الملك الأردني لفكرة تشكيل “ناتو” عربي شرق أوسطي ينسّق جهود مجابهة إيران، تتعلق بتعزيز دور الأردن في المنطقة ورفع أسهمه حيال الأنظمة العربية وحيال إسرائيل، ولا سيما في حال اعتماد عمان مقرًا للحلف المُقترح، إذ إن تسارع مسيرة التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي قلّل من شأن الأردن كوسيط بين هذا الكيان وبين الأنظمة العربية.
وفي 11 من تموز الحالي، قال وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إنه يأمل في أن تؤدي زيارة بايدن لدول شرق المتوسط إلى إنشاء “سوق مشتركة في الشرق الأوسط” بمشاركة السعودية.
وفي آذار الماضي، قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال مقابلة مع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية، إن المملكة تنظر إلى إسرائيل كـ”حليف محتمل” في العديد من المصالح المشتركة.
ولكن خلال القمة الخليجية التي انعقدت في تموز الحالي، بحضور مصر والعراق والرئيس الأمريكي، جو بايدن، لمس العاهل الأردني انعدام الحماسة لفكرة “الناتو”، وأدى ذلك إلى تراجعه عنها.
وكانت السعودية في الأساس تعارض توجه الملك الأردني لمهادنة النظام السوري والتقارب معه، هذا التوجه الذي أخذ يتعمق منذ عام، والتصريحات الأخيرة للملك عبد الله الثاني تأتي بعد أيام من القمة الخليجية، وهذا التوقيت يعني أنه ينصاع للضغوط السعودية، بحسب محمد.
ويرى الباحث أن مطالبة الملك لإيران بتغيير سلوكها هو ترديد للمطالب السعودية المتكررة، هذه المطالب التي تعني أن على إيران لجم نشاطات الميليشيات المتحالفة معها، ومن ضمنها “حزب الله”، لكي توقف عمليات تهريب “الكبتاجون” وغيره من المواد المخدرة إلى الأردن ومن هناك إلى دول الخليج وإلى أوروبا، وتعني أيضًا أن عليها الكف عن التغلغل في المنطقة العربية.
وتربك أنظمة إنفاذ القانون الإقليمية الشحنات التي يتم تناقلها بين سوريا ودول المنطقة، ولا سيما مع تلقي المملكة العربية السعودية الملايين من حبوب “الكبتاجون” المموهة بين البضائع المشروعة مثل البرتقال، والرمان، وحبوب الكاكاو، والعنب، القادمة برًا أو من المواني البحرية.
كما تحدث موقع “The National Interest” الأمريكي، في تقرير له، عن تسارع تجارة “الكبتاجون” في الشرق الأوسط، بعد التطبيع العربي مع النظام السوري، لتشكّل تحديًا إقليميًا يتطلّب اهتمامًا متزايدًا من أمريكا وشركائها الإقليميين.
مساران للعلاقات
وتشهد العلاقات الإيرانية- العربية في الوقت الحالي، بحسب محمد، مسارَين متزامنَين:
الأول هو مسار التهدئة، من خلال المفاوضات السعودية- الإيرانية المستمرة على نحو متقطع منذ شهر نيسان 2021، والذي انعكس إيجابًا بالتوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار في اليمن بين “الحوثيين” والحكومة اليمنية، بالتزامن مع الحديث مؤخرًا عن إعادة التمثيل الدبلوماسي بين السعودية وإيران.
المسار الثاني، هو نهج الضغط الإعلامي والسياسي، ويشهد انخفاضًا أو ارتفاعًا في حدته حسب تعرّجات المسار الأول.
تتأرجح بقية دول الخليج بمواقفها وسياساتها تجاه إيران بين الدبلوماسية الهادئة (عمان، قطر)، والدبلوماسية المتقلبة (الإمارات المتحدة)، والدبلوماسية الحذرة (الكويت).
أما الدول المتحالفة مع المجلس الخليجي كالأردن ومصر، فموقفها لا ينفصل عمومًا عن موقف السعودية.
وفي كانون الثاني الماضي، قال الجيش الأردني، إنه أحبط، خلال عام 2021، 361 محاولة تسلل وتهريب من سوريا إلى الأردن، وضبط ما يقارب 15.5 مليون حبة مخدرات بأنواعها المختلفة، بما فيها “الكبتاجون” و”الترامادول”، وأكثر من 16 ألف ورقة حشيش تزن ما يقارب 760 كيلوغرامًا، وكيلوغرامان من “الهيروين”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :