ضبابية القرارات تزيد معاناتهم

داخل مراكز الاحتجاز في تركيا.. سوريون بلا مصير

camera iconمخيم "عثمانية" في ولاية عثمانية جنوبي تركيا- 22 من تموز 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

“كل يوم يعدنا المسؤولون في المخيم بيوم الاثنين، وعندما يأتي الاثنين يقولون لنا إن القرار لم يأتِ من أنقرة”، بهذه الكلمات أعرب محتجزون سوريون في مخيم “كلّس” على الحدود التركية- السورية، عن احتجاجهم على الغموض الذي يخيّم على أوضاعهم الحالية.

داخل “كرفانات” مصنوعة من صفائح التوتياء تزيد من معاناتهم من حرارة الصيف، يبحث السوريون في كل يوم عن بصيص أمل قد يخرج من المسؤولين عن مراكز الاحتجاز، حيث يقيمون في مراكز كانت تُستخدم سابقًا كمخيمات للاجئين السوريين في تركيا.

مخيم “عثمانية”- 22 من تموز 2022 (عنب بلدي)

أكثر من شهر.. بانتظار القرار المنشود

مطلع حزيران الماضي، أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، عن أسماء المخيمات التي سيجري نقل اللاجئين إليها قائلًا، “سنأخذ الوافدين إلى أحد مخيماتنا الموجودة حاليًا في أضنة وعثمانية وكهرمان مرعش وكلّس وهاتاي”.

بعدها نُقل سوريون مخالفون في أوراقهم الثبوتية إلى المخيمات، دون إعلامهم بشكل مسبق عن هذه الخطوة، أو الإفصاح لهم عن المكان الذي سيُنقلون إليه، بحسب المعلومات التي حصلت عليها عنب بلدي من خلال التواصل مع بعض منهم.

“أنا محتجز منذ أكثر من شهر، لم يخبرنا أحد متى سينتهي هذا الوضع، ولا يوجد مسؤول عنا، قالوا لنا ستبقون هنا شهرًا وبعدها تخرجون”، لفت محمد (19 عامًا) إلى بقائه لمدة تعدت الشهر في مخيم “كلّس”، بانتظار إيفاء المسؤولين بوعودهم التي كانوا قد قطعوها بالإفراج عنهم.

وزارة الداخلية التركية ومديرية دائرة الهجرة في أنقرة، المعنيتان بأمور اللاجئين في تركيا، لم تعلنا عن أي تفاصيل حول مدة مكوث السوريين في المراكز حتى الآن.

والمعلومات المتوفرة إلى الآن، بموجب التصريحات الرسمية، أن السلطات تدرس ملفات لجوء هؤلاء المحتجزين، للوصول إلى قرار بإعطائهم وثائق أو بطاقات “الحماية المؤقتة”، أو ترحيلهم إلى مناطق الشمال السوري.

الوجبات “تسكيتة جوع”

وصف “محمد”، اسم مستعار لأسباب أمنية، الوجبات التي تقدَّم إليهم في المخيم بأنها عبارة عن “تسكية جوع” لقلتها، معتبرًا أنها “لا تقدَّم لطفل”.

“كل يوم يحضرون الحلل الكبيرة، ونقف بالطابور لنحصل على وجبتنا، وآخر وجبة تقدمها إدارة المخيم حوالي الساعة الثالثة ظهرًا”، مشيرًا إلى أنه في بعض الأحيان، تنبعث من الخبز رائحة عفن وتخمر، ومن الطعام رائحة تدل على فساد الوجبة.

بينما لا تستحق “وجبة الإفطار” أن يستيقظ محمد في ساعة مبكرة ليحصل عليها، بحسب تعبيره، لكن بعض المقيمين يضطرون للحصول عليها، لعدم وجود مورد لهم خارج المخيم يساعدهم أو يقرضهم المال.

وجبة الإفطار في مخيم “عثمانية”- 22 من تموز 2022 (عنب بلدي)

وجبة الغداء في مخيم “عثمانية”- 22 من تموز 2022 (عنب بلدي)

وفي 16 من حزيران الماضي، شهد مخيم “مرعش” احتجاجات وأعمال شغب قام بها شبان سوريون، نتيجة الأوضاع التي مروا بها خلال الأيام التي سبقت، وتعبيرًا عن رفضهم لطريقة احتجازهم في المخيم.

وتطورت هذه الاحتجاجات إلى صدامات غير مباشرة بين هؤلاء الشبان وفرق مكافحة الشغب، التي وصلت إلى محيط المخيم، عقب تمكّن قسم من السوريين المحتجزين من الهروب إلى خارج أسواره.

ونشر ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة تظهر تجمع العشرات من الشبان السوريين مرددين هتافات “غاضبة”، بينما أقدمت فرق مكافحة الشغب على تفريقهم بخراطيم المياه.

استدعى ذلك إصدار والي كهرمان مرعش بيانًا يوضح فيه أنه “بسبب الجدال، اندلعت اضطرابات بين مجموعة من السوريين الذين تم نقلهم إلى مركز كهرمان مرعش للإيواء المؤقت حوالي الساعة 21:00، وبعد أن قامت وحدات حفظ الأمن بالتدخل تم ضمان الهدوء، ولا يوجد إشكال سلبي كبير”.

بيان والي كهرمان مرعش حول أعمال الشغب في مخيم “مرعش”- 16 من حزيران 2022 (موقع ولاية كهرمان مرعش)

بعد احتجاج السوريين في مخيم “مرعش” على الظروف التي يعيشون فيها، وتصدي قوات الشرطة لهم، نُقل جميع من في المخيم إلى مركز “كلّس” ومركز “عثمانية”.

“خالد”، اسم مستعار لأسباب أمنية، قال إنه وأصدقاءه المحتجزين في مخيم “عثمانية”، يضطرون لتناول الوجبات التي تقدَّم لهم بسبب نفاد أموالهم، ولعدم معرفتهم بأحد خارج المخيم يمكن أن يقدم لهم المساعدة المالية لتأمين احتياجاتهم الأساسية.

لا منظفات ولا بدل لملابسنا

“أنا وأصدقائي ممن في المخيم نضطر للاستحمام فقط بالماء، لعدم وجود شامبو أو أي مواد أخرى”، أشار “خالد” إلى أن إدارة المخيم لا تقدم لهم أي نوع من المنظفات للملابس أو “الشامبو”، وتابع، “الموضوع لا يقتصر على مواد التنظيف، لا يوجد لدينا بدل لملابسنا، نغسلها فقط بالماء ونرتديها على الفور وهي مبللة”، لافتًا إلى أنه ومنذ أن اقتيدوا إلى المخيم، لم تسنح لهم ظروفهم المالية أن يبتاعوا ملابس بديلة.

أما “محمد” فقال إنه اقترض المال من أحد معارفه في ولاية اسطنبول، إذ يقومون بتحويله إلى مكتب حوالات في المخيم، كي يستطيع تأمين بدل لملابسه أو احتياجاته الأخرى من طعام ومنظفات وغيرهما.

“كرت بيم” فارغ.. ليس مطلبنا

“إدارة المخيم سلّمتنا (كرت بيم) لنشتري المواد الغذائية واحتياجاتنا الأخرى من الماركت، لكن مع الأسف اكتشفنا أن البطاقة فارغة”، وفق “محمد”، مشيرًا إلى عدم استفادتهم من البطاقة التي قدمتها إدارة مخيم “كلّس”، وتابع، “نحن لا نريد بطاقات شراء من (البيم) ولا أي شيء آخر، مطلبنا الوحيد أن نخرج من هنا”.

“سياسة تطفيش”.. سوريون يعودون إلى الشمال السوري

أحمد (18 عامًا)، قال إن المسؤولين وطريقة تعاملهم معهم في المخيم، وعدم تأمين الطبابة لهم عند مرضهم، أو السماح لهم بمراجعة الطبيب أو المستشفى، بالإضافة إلى عدم إعطائهم المال لتأمين احتياجاتهم، هي أساليب “تطفيش”، إذ دفعته للعودة إلى سوريا.

وتابع أحمد، “بعد وصولي إلى الحدود مع أحد عناصر (الجندرما)، لم أرد أن أوقع على أوراق العودة الطوعية، لكن العنصر أجبرني على التوقيع، ودفع بي إلى الأراضي السورية”.

وبحسب ما أفاد به “خالد” و”محمد”، فإن الأوضاع التي يعيشها السوريون في المراكز، تدفع بعدد ليس بالقليل منهم في كل يوم للعودة إلى مناطق الشمال السوري.

“وثيقة مخيم” لا بطاقة “حماية مؤقتة”

فارس (19 عامًا)، قال إنه بعد مضي نحو شهر وعشرة أيام على بقائه في مخيم “كلّس”، بالقسم الذي يُحتجز فيه الشباب السوريون، نقلته إدارة المخيم إلى القسم الآخر، الذي تمكث فيه العائلات.

“أصدرت لي الإدارة (وثيقة مخيم) بالإضافة إلى عدد من الأشخاص الموجودين معي، كوننا من أوائل الناس الذين وصلوا إلى المخيم”، موضحًا أن هذه الوثيقة تخولهم الخروج خارج المخيم للعمل في الولاية فقط بشرط العودة إليه آخر اليوم.

وثيقة مخيم "كلس" في تركيا منحت للاجئ سوري بعد إقامته نحو شهر وعشرة ايام في المخيم - 21 تموز 2022 (عنب بلدي)

وثيقة مخيم “كلّس” في تركيا مُنحت للاجئ سوري بعد إقامته نحو شهر وعشرة أيام في المخيم- 21 من تموز 2022 (عنب بلدي)

“أنا لا أريد أن أبقى بهذه الحالة، لذلك قبلت بتسلّم الوثيقة، وخرجت من الولاية عن طريق التهريب إلى خارج تركيا”، أشار فراس إلى أنه لا يفضّل البقاء محتجزًا في مخيم مقيد الحركة.

وكانت إدارة الهجرة في مختلف الولايات بدأت بنقل السوريين إلى مخيمات في عدة ولايات، بعد تصريح وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، عن توجه الحكومة التركية لنقل السوريين الوافدين حديثًا والمخالفين المقيمين في تركيا إلى مخيمات ومراكز لتقييم ملفات طلبات اللجوء.

مديرة الاتصال في “اللجنة السورية- التركية المشتركة”، إيناس نجار، قالت لعنب بلدي، إن بعض السوريين حصلوا على وثائق مخيم، وإنها لا تعلم أي تفاصيل حول الموضوع، إذ إن القرار عائد لإدارة الهجرة ووزارة الداخلية، كما ذكر سابقًا.

المخالفون والوافدون حديثًا

بحسب تصريحات صويلو في وقت سابق، فإن الوافدين إلى تركيا حديثًا سيُنقلون إلى المخيمات، ليتم تقييم ملفاتهم.

أما من تحدثت إليهم عنب بلدي، فهم أشخاص لم يدخلوا البلاد حديثًا، إذ قال “محمد” إنه مضى على إقامته في اسطنبول مدة سنة ونصف، ولكنه لا يحمل أي وثائق، وليس لديه أي قيد في إدارة الهجرة.

ووفق ما قالته مديرة الاتصال في “اللجنة السورية- التركية المشتركة”، إيناس نجار، في تقرير سابق أعدته عنب بلدي، فإن “القرار يشمل القادمين من خارج تركيا حديثًا، بالإضافة إلى اللاجئين المخالفين الذين يقيمون في تركيا دون الحصول على بطاقات من قبل”.

وحتى الآن، لم تدلِ إدارة الهجرة أو وزارة الداخلية بأي تصريح حول تفاصيل نقل المخالفين والقادمين حديثًا إلى تركيا، أو عن مدة بقائهم في المخيم لدراسة ملفاتهم.

مصدر في هجرة بورصة قال لعنب بلدي، إن فترة التقييم من الممكن أن تتراوح بين الثلاثة والستة أشهر، مضيفًا أن إدارة الهجرة في أنقرة ستوضح جميع التفاصيل في بداية الشهر الحالي.

وفي 8 من حزيران الماضي، أعلنت السلطات التركية ترحيل 34 ألفًا و112 مهاجرًا، ممن دخلوا تركيا بشكل غير قانوني، منذ بداية العام الحالي.

وتستمر عمليات التفتيش المتعلقة بضبط المهاجرين “غير النظاميين” من قبل وحدات حفظ الأمن، إذ يجري إرسالهم إلى بلدانهم عبر رحلات الطيران أو عبر الحدود.

ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و763 ألفًا و864 لاجئًا سوريًا، بموجب “الحماية المؤقتة”، بحسب أحدث إحصائيات المديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة