أسماء متعددة لمعاناة يتقاسمها اللاجئون السوريون

  • 2022/07/24
  • 12:41 م

سوريون يعودون إلى مخيمهم بعد حرقه في شمالي لبنان 27 من كانون الأول 2020

عنب بلدي– حسام المحمود

اختلفت الأسماء التي أُطلقت على السوريين في البلدان التي لجؤوا إليها منذ اندلاع الثورة السورية، بين “نازح” و”ضيف” و”لاجئ”، وعلى هذا الاختلاف رُسمت لهم حينها سنوات مقبلة من أعمارهم ستحدد أسلوب التعاطي مع ملفهم، الذي يُستخدم ورقة سياسية هنا، وذريعة لتهالك اقتصادي هناك، وورقة تجاذب بين يمين ويسار سياسيين في مكان آخر.

وإذا كانت المصطلحات والأسماء جاءت وفق مشيئة الدول بتحديد حجم تعهداتها الإنسانية والأخلاقية تجاه اللاجئين، فقد أعفتهم في الوقت نفسه من مسؤوليات أخرى تترتب على التسمية، فلبنان الذي لم يوقع على اتفاقية 1951، الخاصة بوضع اللاجئين، أسماهم “نازحين”.

لبنان متمسك بـ”العودة”

قبل نحو تسع سنوات، انتقل محمد، وهو شاب سوري يبلغ الآن 22 عامًا، للعيش والعمل في لبنان، متأثرًا بالظروف المحطية به شخصيًا، وبالسوريين عمومًا، فمغادرة سوريا جاءت استجابة للحالة الأمنية المضطربة والمخاطر التي تهدد أرواح المدنيين، كما أن الظروف الاقتصادية ألقت بالشاب وعائلته في بيئة جديدة ليجدوا في العمل أسلوب خلاص واستقرار، بعدما أمنوا من الخوف على الأقل.

الشاب، الذي التقته عنب بلدي، قال إنه لا يمتلك وثيقة إقامة في لبنان، موضحًا أنه كسوري في لبنان يتوخى الحذر إجمالًا، ليقي نفسه الدخول في متاهة التسوية القانونية، ومبديًا في الوقت نفسه مخاوفه مما يُحكى على لسان سياسيين ومسؤولين لبنانيين، عن عودة أو “إعادة” 15 ألف سوري من لبنان إلى سوريا بشكل شهري.

“أول شي أنا مطلوب ومتخلف عن الخدمة العسكرية، يعني لا يمكن أرجع”، يستهجن الشاب فكرة العودة انطلاقًا من الخوف على حياته، دون التطرق للواقع الاقتصادي والمعيشي هناك، كما أبدى تمسكه بالبقاء في لبنان إلى جانب عائلته، “أهلي كلّن هون، نحنا أربعة شباب متخلفين عن الخدمة العسكرية”.

لبنان الذي أعلن مع اندلاع الثورة في سوريا موقف “النأي بالنفس”، رغم انخراط “حزب الله” اللبناني في الملف السوري لمصلحة النظام، اتخذ مسؤولوه على مدار سنوات من ملف اللاجئين السوريين في لبنان ذريعة لحالة التراجع الاقتصادي المتواصلة في لبنان.

ورغم اختلاف التيارات والفرق السياسة اللبنانية على ملفات مختلفة في السياسة الداخلية، فإن ما يشبه الإجماع يطفو على السطح عند الحديث عن إعادة اللاجئين السوريين من لبنان.

خطة ثلاثية وأخرى رباعية

حمل تموز الحالي العديد من التصريحات التي تناوب على إطلاقها المسؤولون اللبنانيون بهذا الصدد، ففي 13 من الشهر نفسه، أبدى الرئيس اللبناني، ميشال عون، رفضه دمج اللاجئين السوريين في المجتمعات التي تستضيفهم، مؤكدًا عدم قبول مثل هذه الخطوة.

عون جدد خلال لقائه نائبة المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، نجاة رشدي، التأكيد على الموقف اللبناني المطالب بعودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا.

وبينما تحدث الرئيس اللبناني عن 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، فإن تقريرًا صادرًا عن منظمة “هيومن ريتس ووتش“، في 20 من تشرين الأول 2021، أحصى وجود نحو 852 ألف لاجئ سوري فقط، في لبنان.

تصريح الرئيس اللبناني سبقه، في 11 من تموز الحالي، تشديد النائب في حزب “الكتائب” اللبناني نديم الجميّل، عبر “تويتر”، على أن “عودة اللاجئين السوريين بالنسبة لللبنان ليست خيارًا، بل ضرورة وطنية”، وفق تعبيره.

“إذا كانت سوريا غير آمنة لعودة السوريين، فإن بقاءهم غير آمن للبنانيين، والأحداث الأخيرة دليل على ذلك، فإما العودة وإما العودة”.

وفي 4 من تموز الحالي، كشف وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، عن خطة لبنانية تنص على إعادة 15 ألف “نازح” بشكل شهري، وفق ما نقلته الوكالة اللبنانية “الوطنية للإعلام”.

وقال شرف الدين أيضًا، خلال زيارته إلى قصر “بعبدا” ولقائه الرئيس اللبناني، إنه “مرفوض كليًا ألا يعود النازحون السوريون إلى بلادهم بعدما انتهت الحرب فيها وباتت آمنة”، وفق تعبيره.

شرف الدين تحدّث في الوقت نفسه عن خطة لتشكيل لجنة ثلاثية تضم النظام السوري ومفوضية شؤون اللاجئين، إلى جانب لجنة رباعية تتكوّن من تركيا والعراق والأردن ولبنان، لتحقيق هذه “العودة”.

هذه التصريحات أتبعها شرف الدين، في 10 من الشهر نفسه، بالحديث عن طلب وجهه لبنان إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، لترحيل اللاجئين السياسيين من السوريين إلى بلد ثالث.

وكان رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، هدد، في 20 من حزيران الماضي، الدول الغربية باتخاذ لبنان موقفًا لن يكون مستحبًا بالنسبة للغرب، عبر العمل على إخراج السوريين من لبنان بما وصفها بـ”الطرق القانونية”، عبر “تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”، ما لم يتعاون المجتمع الدولي مع لبنان لإعادتهم.

لا آذان صاغية

المدير التنفيذي لمركز “وصول” الفرنسي- اللبناني لحقوق الإنسان، محمد حسن، أكد في حديث لعنب بلدي أن المركز وثّق 112 حالة إعادة لسوريين من لبنان منذ عام 2019 وحتى حزيران 2022، إلى جانب إعادة المديرية العامة للأمن العام اللبناني ستة آلاف و345 سوريًا بين 25 من نيسان 2019 و19 من أيلول 2021.

ووثّق تقرير مشترك صادر عن مجموعة من الجمعيات السورية (منها مركز “وصول”) أبرز الانتهاكات التي تعرض لها سوريون أُعيدوا من لبنان، وتراوحت بين الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وانتهاكات حقوق الإسكان والملكية وتفاقم آثار الانتهاكات، بسبب النقص في وثائق الهوية والأوراق الثبوتية الأخرى، وعدم إمكانية تحصيلها.

“عودة طوعية” و”أحياء مغلقة”

أحمد، مهندس سوري شاب، أتى إلى تركيا قادمًا من مدينة أربيل العراقية، وبعد إقامته لأشهر قرر العودة إلى أربيل ثانية.

في حديث إلى عنب بلدي، قال الشاب (25 عامًا)، إن الوضع لا يقبل المقارنة بين هنا وهناك، مشيرًا إلى ما اعتبرها تعقيدات حياة وعراقيل في العيش يواجهها السوري في تركيا.

ورغم الحديث مؤخرًا عن تضييق على السوريين أيضًا في العراق،  بيّن أحمد أن هذا الشعور ينتاب السوري لحظة دخوله البلاد، وما يترافق معها من تدقيق وتشديد على أرواقه وفحصها، والتعامل معه باعتباره “مثار شبهة”، لكن بعد تخطي البوابة الحدودية تعود الأمور إلى هدوئها المعهود، وتصبح الأمور أقل صخبًا.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، اتجهت الحكومة التركية نحو خطوات جادة في التعامل مع ملف اللاجئين السوريين، وهو ما ترجمته أولًا تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 3 من أيار الماضي، التي تحدث خلالها عن إعداد حكومته مشروعًا لضمان عودة مليون لاجئ سوري “عودة طوعية” إلى بلادهم، وفق ما نقلته حينها قناة  “A Haber” التركية، بالتزامن مع مراسيم تسليم مفاتيح منازل “الطوب” في مدينة إدلب، بالتنسيق مع إدرة الكوارث والطوارئ (آفاد)، وبحضور وزير الداخلية التركي، سيلمان صويلو.

الخطة التركية وما تبعها من نشاط مكثف في الحديث عن مشاريع بناء تجمعات سكنية في 13 منطقة بعدة مدن شمالي سوريا، منها جرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، تشمل حوالي 240 ألف منزل، بعد حديث سابق عن 100 ألف منزل أيضًا، رافقه على الضفة الأخرى إعلان وزير الداخلية التركي، في 11 من حزيران الماضي، تخفيض نسبة السوريين المقيمين في الأحياء السكنية التركية من 25% إلى 20%، بدءًا من 1 من تموز الحالي.

وأوضح صويلو أن السلطات أغلقت 781 حيًا في 54 ولاية أمام الإقامة لجميع الأجانب الحاملين لـ”الحماية المؤقتة” (الكملك) والإقامة، لمنع تمركزهم في هذه الأحياء، بعدما تجاوزت فيها نسبة عدد الأجانب إلى إجمالي عدد السكان 25%.

وأشار إلى أنه مع تخفيض النسبة إلى 20% في بداية تموز الحالي، سيرتفع عدد الأحياء التي لن يُمنح الأجانب تراخيص بالإقامة فيها إلى 1200 حي.

“تهجير قسري” لا “عودة طوعية”

الباحث الاجتماعي الدكتور طلال مصطفى، أكد في حديث إلى عنب بلدي أن نسبة كبيرة من السوريين يرغبون فعلًا في العودة إلى وطنهم الأصلي، لكن العودة المشار إليها مرهونة بالحل السياسي، وتبديد مخاوفهم من الاعتقال والموت، إلى جانب إبعاد الأجهزة الأمنية عن المواطن، ومراعاة الظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية، في وقت يغادر فيه سوريا سوريون مؤيدون لنظام بشار الأسد، في ظل غياب متطلبات الحياة فيها.

وأوضح مصطفى أن مسألة العودة تتطلب الضغط لإيجاد حل سياسي، لا الضغط على اللاجئين، فوجود نظام وسلطة تحكم بالقانون سيفتح باب العودة الفعلية أمام الناس بملء إرادتهم.

وقال الباحث الاجتماعي، إن السوريين أوجدوا في بلدان لجوئهم مجتمعات موازية، وأظهروا مهارة في الاندماج، والاستقرار المهني والتعليمي، وليس منطقيًا أن يُطالبوا بالعودة بعد ذلك، “تكفيهم الخسارة الأولى في سنوات الحرب الأولى (…) وفّروا متطلبات العودة وسيعودون دون ضغوط، اضغطوا على النظام الذي هجرهم، لا على الناس”.

وأضاف الدكتور طلال مصطفى أن من غير المعقول بعد خسارة السوريين بيوتهم وسنوات من الحياة التعليمية لهم ولأطفالهم أن يفقدوا بعد ما كوّنوه خلال عقد من العمل والتعلم، وكأنها حرب ثانية على مستوى الخسارة وفقدان كل مكسب مهني أو تعليمي، إذا جرت العودة بالضغط.

الباحث الاجتماعي يرفض تسميتها بـ”العودة الطوعية”، معتبرًا أنها “تهجير آخر” باعتبار أن هناك العديد من الشباب يحاولون الهجرة من تركيا باتجاه أوروبا هربًا من سوريا ومن احتمال “العودة الطوعية”، ما يعني أنها “هجرة قسرية معاكسة ثانية”، طالما أن بعضهم لا يستطيعون العودة إلى سوريا خوفًا على مصيرهم.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع