عنب بلدي- خالد الجرعتلي
منذ بدء الحديث عن عملية عسكرية تركية قد تنطلق في أي وقت ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمالي سوريا، تكررت تصريحات الأخيرة حول خطورة العملية التي تستهدف مناطق تحوي سجونًا لعناصر في تنظيم “الدولة الإسلامية”، مشيرة إلى خطر هروب هؤلاء العناصر منها.
وكان أحدث هذه التصريحات، التحذير الذي أطلقه ممثل “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) في أمريكا، بسام صقر، مطلع تموز الحالي، حول احتمالية فرار آلاف العناصر من تنظيم “الدولة” من سجون “قسد”، في حال نفذت تركيا هجومًا على المنطقة.
وقال صقر، بحسب ما نقلت عنه وكالة “سبوتنيك” الروسية، إن “الكرد يخشون من هروب جماعي لإرهابيي (داعش) من سجون قوات (قسد)، في حال قررت تركيا بدء العملية العسكرية شمالي سوريا”.
تصريحات صقر حملت دلالات عدة، خصوصًا أنها تزامنت مع عمليات نقل لمقاتلي التنظيم خلال الأسابيع الماضية بين سجون “قسد”، التي يقع بعضها على مقربة من الحدود التركية، بحسب معلومات متقاطعة لعنب بلدي.
وفي 19 من حزيران الماضي، نقلت وكالة “نورث برس” عن رئيسة “الهيئة التنفيذية” في “مسد”، إلهام أحمد، أن مسافة 30 كيلومترًا التي تتحدث تركيا عن السيطرة عليها تحوي سجونًا ومخيمات لعناصر تنظيم “الدولة” وعوائلهم.
واعتبرت أن العملية العسكرية تعني تهديد الأمن الإقليمي والدولي بشكل مباشر، متهمة تركيا بـ”تقويض الأمن الوطني للسوريين”، وأنها تخلق فرصة لإعادة إحياء تنظيم “الدولة” في سوريا.
عناصر التنظيم إلى الحدود التركية؟
تقاطعت المعلومات، منذ مطلع تموز الحالي، عن عمليات نقل للسجناء نفذتها “قسد” ضمن مناطق نفوذها من سجن لآخر، إلا أن هذه العمليات ارتفع نشاطها على مقربة من الحدود السورية- التركية.
الأمر الذي دفع بالسؤال عن احتمالية استخدام هذه السجون ورقة لإعاقة عملية عسكرية تركية شمال شرقي سوريا، خصوصًا أن هؤلاء السجناء يُعتبرون مسوغًا للوجود الأمريكي اليوم في سوريا، إضافة إلى كونهم سببًا مُعلَنًا لدعم “قسد” من قبل أمريكا.
وبحسب معلومات تداولتها شبكات محلية عدة، فإن “قسد” نقلت، منتصف تموز الحالي، أكثر من 70 سجينًا متهمين بالانتماء لتنظيم “الدولة”، بعضهم من جنسيات عراقية وأجنبية، من سجن “الكم” في مدينة الشدادي جنوبي الحسكة إلى سجن “الأسود” في عين العرب/كوباني، شمال شرقي محافظة حلب.
مصدر أمني في “قسد” نفى، في رد على استفسار لعنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية، أن تكون عمليات نقل السجناء الأخيرة في سياق الرد على العملية العسكرية التركية.
واعتبر المصدر، الذي تحفظ على اسمه كونه لا يملك صلاحية التصريح لوسائل الإعلام، أن الكثير من الأخبار التي تحدثت عن نقل سجناء باتجاه كوباني عارية عن الصحة.
مراسل عنب بلدي في الحسكة أكد بدوره أن العديد من عمليات نقل السجناء جرت شمال شرقي سوريا، لكن لم تُرصد أي عملية نقل باتجاه كوباني.
سجال الداعمين
يعتبر السبب المُعلَن لوجود “قسد” في مناطق شمال شرقي سوريا مقرونًا بمكافحة تنظيم “الدولة” منذ عام 2016 وحتى اليوم، بحسب التصريحات المتكررة لمسؤولين أمريكيين تربط ضرورة وجود التحالف الدولي، وعلى رأسه واشنطن، باستمرار الحرب ضد التنظيم.
وتكررت هذه التصريحات بعد مطالب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لأمريكا بسحب قواتها من شمال شرقي سوريا، وهو ما توصل إليه المجتمعون في “أستانة” (روسيا، إيران، تركيا)، مشيرًا إلى أن هذا ما تنتظره تركيا.
وتنتظر تركيا الفرصة لإطلاق عمليتها العسكرية بمشاركة برية من قوات “الجيش الوطني السوري” المدعوم من قبلها، التي تستهدف “قسد” المُصنفة على قوائم “الإرهاب” لديها (باعتبارها امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني”) والمدعومة من أمريكا.
وهو ما رد عليه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أن بلاده مصممة على دعم “قسد” كشريك في محاربة التنظيم، لافتًا إلى أن الأكراد يشكّلون جزءًا مهمًا من التحالف الدولي ضده، وسبق أن أسهموا في تحقيق المكاسب على الأرض.
ومن جانب آخر، ربط برايس محاربة تنظيم “الدولة” بمشاركة أنقرة أيضًا، إذ قال إن بلاده “لديها أهداف مشتركة في سوريا مع شركائنا الأتراك، وأحد هذه الأهداف الرئيسة يتمثّل في القضاء على تنظيم الدولة والعناصر المتطرفين الموجودين داخل سوريا، ولا نريد تعريض هذا المسعى للخطر”.
وخلال ندوة أقامها مركز “حرمون” للدراسات المعاصرة، حملت عنوان “تداعيات العملية العسكرية التركية في سوريا”، قال القائد السابق لأركان القوات البحرية التركية، جهاد بايجي، إن الوجود الأمريكي شمال شرقي سوريا يقتصر على البُعدين الاقتصادي والسياسي، على عكس ما تروّج له أمريكا.
وأشار إلى أن “قسد” مدعومة من الأمريكيين شمال شرقي سوريا، إلا أنها مدعومة من الروس غربها، وهو ما يترك العديد من الأسئلة، أولها لماذا تركت أمريكا منبج، ولمن.
يتعارض ذلك مع الرواية الأمريكية حول محاربة تنظيم “الدولة”، إذ يرى الجنرال بايجي، أن أمريكا كانت تعمل طول السنوات الماضية على إنشاء منطقة لـ”قسد” تمتد من الحدود العراقية وحتى البحر المتوسط، لـ”تأمين ممر لخطوط الغاز بين العراق وأوروبا”.
وهو ما تُطلق عليه تركيا اليوم اسم “الممر الإرهابي”، الذي جاء ذكره مرات عديدة على لسان مسؤولين أتراك.
ما أخطار السجون
تختلف نسبة خطر هذه السجون بين آراء المحللين وأطراف الصراع في المنطقة، مع اختلاف مصالحها من وجود هذه السجون، إذ يرى البعض أن وجودها لدى “قسد” أمر خطر لاحتمالية استخدامها بعمليات سياسية، بينما ترى “قسد” أن أخطار هذه السجون تكمن في حال شنت تركيا عملية عسكرية قد تؤدي إلى فرار السجناء منها.
الباحث والخبير العسكري العقيد عبد الله الأسعد، يرى من جانبه أن هذه السجون سبق أن استخدمتها “قسد” ورقة لـ”تهجير أبناء حي غويران في الحسكة من منازلهم”، عقب مواجهات شهدها سجن “غويران” بين “قسد” وخلايا من تنظيم “الدولة”.
وفي 19 من كانون الثاني الماضي، شهد حي غويران في الحسكة مواجهات عسكرية بين خلايا من التنظيم تسللوا إلى محيط سجن “غويران”، وهو أحد أكبر السجون التي تضم عناصر وقياديين في التنظيم، ممن اعتقلتهم قوات التحالف الدولي في سوريا خلال عملياتها العسكرية بين عامي 2017 و2022.
وأوضح الأسعد، في حديث إلى عنب بلدي، أنه بالنظر إلى الجهات الداعمة لـ”قسد” ضد تركيا في المنطقة، فإن عناصر تنظيم “الدولة” البالغ عددهم عشرات الآلاف، والذين ينتشرون في هذه السجون، لن يكون لهم أثر، مشيرًا إلى أن الدول الرافضة للعملية التركية (أمريكا وروسيا) لن تقبل باستخدام مقاتلي التنظيم في مواجهة تركيا.
كما أن مقاتلي التنظيم بشكل عام (خارج السجون) عبارة عن مجموعات صغيرة تعتمد نظام الكمائن والأسلحة الخفيفة والفردية، ومن غير الممكن أن تلعب دورًا مؤثرًا في هذا النوع من الحروب.
وبما يخص الموقف الأمريكي بشأن ترك مقاتلي التنظيم أو التهديد بهم، قال القائم بأعمال منسق وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، تيموثي بيتس، في بيان، في 14 من تموز الحالي، إن ترك المقاتلين وأفراد عائلاتهم في شمال شرقي سوريا ليس خيارًا قابلًا للتطبيق، فهنالك مخاطرة بهجرة هؤلاء الأفراد من صراع إلى صراع بطريقة تخلق فتنة جديدة وعدم استقرار في أماكن أخرى، وتهدد الأمن العام، وتشكّل تهديدًا على حياة المدنيين.
ويوجد ما يقرب من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف مقاتل غير سوري محتجزين في المنطقة، مع عشرات الآلاف من أفراد أسرهم في مخيمات النازحين، بحسب المسؤول الأمريكي.