إدلب- هدى الكليب
تستيقظ شامة الرسلان (35 عامًا) كل صباح مع بزوغ الفجر، لتخرج بقطيعها الصغير من الأغنام إلى البراري والسهول المجاورة لخيمتها الواقعة على أطراف مدينة سلقين (شمال غربي إدلب)، وتقضي بضع ساعات في الرعي قبل أن تعود إلى المخيم مع اشتداد ساعات الحر ظهرًا.
قالت شامة لعنب بلدي، إن “غير المتوقع من الأحداث” دفعها لمهنة الرعي وتربية الأغنام التي باتت مصدر الرزق الوحيد لها ولعائلتها، بعد وفاة زوجها ونزوحهم عن بلدتهم الخوين جنوبي إدلب، أواخر عام 2019.
وأضافت الشابة أنها بحثت طويلًا عن فرصة عمل أخرى، لكنها لم تُوفّق، وهو ما دفعها لمزاولة مهنة تربية الأغنام، فوجدت فيها الملاذ لمواجهة ظروف حياتها الصعبة، وسط الفقر والنزوح والغلاء.
مشروع شامة الصغير حفظ ما معها من أموال من الضياع، بعد أن قررت تشغيلها بمشروع تنموي ما، وفق ما قالته لعنب بلدي.
فحين خرجت من قريتها كانت تملك مبلغًا تركه لها زوجها قبل وفاته، “لخوفي من صرف كل ما معي من مال، وتقليب يدي ندمًا على ما فات بانتظار من يساعدنا ويتعطف علينا، سارعت لإنشاء مشروعي الصغير هذا، الذي بدأ بعدد قليل من الأغنام ليصل اليوم إلى أعداد أكبر”.
ولم تعد مهنة رعي الأغنام وتربيتها حكرًا على الرجال في إدلب، بل امتهنتها نساء نازحات ممن عجزن عن تأمين فرص عمل أخرى، ووجدن في المهنة فرصة لجني المال والتسلية، رغم مشقتها.
ولا تجد عروبة النعيمي (30 عامًا) في تربية الأغنام فرصة عمل ومصدر دخل وحسب، بل تشعر معها بالتسلية والترويح عن النفس أيضًا.
“النزوح والغربة قاتلان، ونحن هنا بعيدون عن مناطقنا، وكثيرًا ما نشعر بالحزن والإحباط، لذا فإن قطيع الأغنام والعناية به يخرجنا ولو قليلًا من واقعنا المأساوي الذي نعيشه، حين نشغل وقتنا برعاية الأغنام ومراقبتها طوال اليوم”، وفق ما قالته عروبة لعنب بلدي.
وتستفيد السيدة من منتجات الأغنام ولحومها وصوفها، وهو ما حقق لها اكتفاء ذاتيًا ومصدرًا للربح، خصوصًا حين تتوالد الأغنام في كل عام، وما تربحه يساعدها في تأمين الأعلاف التي باتت مرتفعة الثمن مؤخرًا، وهو ما أدى إلى انخفاض الربح عن الأعوام السابقة، وفق قولها لعنب بلدي.
لا تخلو مهنة الرعي من الصعوبات المتعددة، أبرزها ارتفاع سعر العلف، وقلة المراعي الطبيعية، وقلة الرعاية الصحية الخاصة بالمواشي، وصعوبة التنقل، وارتفاع أسعار الأدوية، وفقدان اللقاحات اللازمة، بحسب عروبة.
المهندسة الزراعية أسماء البكور، شجعت النساء على إنشاء مشاريع تتعلق بالزراعة وتربية الماشية، وهو ما من شأنه تحسين أوضاعهن المادية، ورفد الاقتصاد بالمنتج المحلي، وتحقيق اكتفاء ذاتي لكثير من الأسر.
ولفتت البكور، التي تحدثت لعنب بلدي، إلى “ضرورة مساعدة تلك النساء في تقديم الخدمات البيطرية المجانية للحيوانات، من حيث اللقاحات والعلاجات، وتوزيع الفيتامينات والمتممات العلفية اللازمة”.
وعبرت عن استيائها لعدم وجود أي اهتمام بقطاع “الثروة الحيوانية” في مناطق إدلب وريفها من قبل الجهات المعنية أو المنظمات الإنسانية، إذ شهدت أسعار الأعلاف ارتفاعًا كبيرًا خلال العامين الماضيين، ليرتفع سعر الطن الواحد من 150 إلى نحو 440 دولارًا أمريكيًا، ما دفع الكثيرين للعزوف عن المهنة، وتهديد الثروة الحيوانية في المنطقة.
من جهته، قال معاون وزير الزراعة في “الحكومة السورية المؤقتة”، نزيه قداح، إن قطاع الثروة الحيوانية يلعب دورًا مهمًا في الاقتصادات الوطنية وتأمين فرص العمل.
وأضاف قداح، الذي تواصلت معه عنب بلدي، أن الثروة الحيوانية تحتل مكانة كبيرة لدى شريحة واسعة من سكان الشمال السوري “المحرر”، الذي يغلب عليه الطابع الريفي الزراعي، حيث يضم مناطق ريفية وزراعية واسعة، وهي من الأصول التي تحقق الأمن الغذائي لشريحة كبيرة من السكان، من خلال تأمين الغذاء وبيع الفائض من الحليب واللحوم، لتأمين متطلباتها الحياتية الأخرى في ظل قلة فرص العمل.
وعن التحديات التي تواجه قطاع الثروة الحيوانية، قال قداح، إنها تتركز حول تقلّص المساحات الجغرافية المخصصة لرعي الأغنام بعد سيطرة النظام على مساحات واسعة كانت تعتبر مراعي طبيعية لها.
ويضاف إلى ذلك الجفاف الذي تمر به المنطقة، وارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة وقلة الأعلاف المحلية، وغلاء الأدوية البيطرية والتحصينات الوقائية وقلة فعاليتها، وعدم الاستقرار الأمني والنزوح المتكرر، حيث يصعب تأمين المأوى المناسب، وعدم استقرار أسعار المنتجات الحيوانية (اللحوم والألبان)، ما يؤثر على الإنتاجية.