أحمد الشامي
قد تختلف الآراء بشأن “الرئيس اﻷسمر” فهناك من يجده “لامباليًا” أو “ذكيًا” أو “منافقًا”، لكن حين يتعلق اﻷمر بقيصر الكرملين فنادرًا ما يحصل خلاف حول الرجل، والصفة التي تنطبق عليه هي “بلطجي”. اغتيال الشهيد “زهران علوش” يدخل بامتياز في نطاق “البلطجة”.
صحيح أننا اختلفنا مع الراحل بخصوص اختفاء الناشطين في دوما وقصف المدنيين في الشام، لكن الرجل كان وبامتياز علمًا من أعلام الثورة، له حسناته ومساوئه، وأبرز ما يميزه كانت قدرته الاستثنائية على الموافقة بين “السلفية” ودرجة من الاعتدال تشكل العلامة الفارقة لجيش اﻹسلام.
“زهران علوش” كان أمير حرب وكانت لنظام البراميل مصلحة مرحلية في تجنب الصدام المباشر معه، ليس محبة بالرجل، ولكن للموازنة بينه وبين “الحليف” الداعشي ﻷبي حافظ القرداحي. “زهران” كان في مرحلة ما “جوكر” النظام في وجه تمدد “داعش” باتجاه دمشق، ومقابل هذا تمتع جيش اﻹسلام “بمزايا”، منها أن يتمكن “علوش” من نصب سرادق وإقامة استعراض عسكري مثلًا.
اغتيال الراحل يمثل نقلة في الصراع السوري تنهي التكتيكات التي مارسها نظام العصابة لصالح مخططات روسية محضة، وهو يشكل تصعيدًا في الغزو الروسي الذي يستلهم الاستراتيجية اﻹسرائيلية في مرحلة ما قبل سيطرة “حماس” على غزة. حينها تلخصت سياسة إسرائيل في قتل المعتدلين ومن يمكن له أن يصبح رمزًا وطنيًا، مع المحافظة على قيادات حماس الموغلة في التعصب والانغلاق، انتهاء باصطفاء “صعاليك” بعينهم مثل “محمود عباس” على رأس السلطة الفلسطينية وقيادات حماس الخرقاء في غزة، والتي وجدت غايتها في محاربة السلطة بدل “الجهاد” ضد إسرائيل.
من جهة أخرى، يأتي اغتيال “علوش” بعد التزام اﻷخير بمقررات مؤتمر الرياض وقبوله التفاوض مع نظام البراميل ليؤكد أن “بوتين” لا يريد التفاوض إلا مع نفسه وعلى النمط الشيشاني! بكلمة أخرى يريد قيصر الشر القابع في الكرملين أن يفرض على السوريين بقوة السلاح “قاديروف” سوري بما يعادل استبدال “بشار اﻷسد” برامي مخلوف!
برغم ما عليه، كان الشهيد أحد أكثر اﻷصوات اعتدالًا وقبولًا بالآخر، وحين يقتله العدو فهذا يعني أن الروس لن يواجهوا “داعش” لا اليوم ولا غدًا، فقد كان زهران من أقدر السوريين على مواجهة “البغدادي”، وهو ما يحسب للرجل وليس عليه.
اغتيال علوش هو ضربة للسياسة السعودية في سوريا، وهو بهذا المعنى يشبه اغتيال الشهيد “الحريري”، فالمطلوب هو إخراس كل صوت سني لديه بعض الاعتدال والمشروعية. زهران علوش اغتيل إذًا لأنه زعيم “سني” غير “داعشي”.
أصبح بديهيًا أن الروس والتحالف الغربي يشتركون في هدفين، اﻷول هو المحافظة على نظام البراميل والثاني هو “تربية” الدواعش وأشباههم وإكثار نسلهم.
كيف يستقيم اﻷمر إذًا؟ إعلان حرب مفتوحة على داعش التي تزدهر في ظل الحصار والموت؟ تذكر عزيزي القارئ أن الحرب التي يشنها تحالف الشر ضد داعش هي حرب “أورويلية” لا تهدف سوى لاستمرارها هي ذاتها، فهذه الحرب لها منافع كبرى لكل المشاركين بها.
بوتين يستطيع الاستمرار في نهب ثروات روسيا وسوريا هو ومافياته بحجة “مقاومة” اﻹرهاب الداعشي الزاحف من الجنوب، ولن يجرؤ أحد على انتقاده ﻷنه سيتهم فورًا “بمماﻷة اﻹرهاب” و”بوهن عزيمة اﻷمة الروسية…”.
أوباما وأمثاله من بعض زعماء الغرب سيجدون شماعة يعلقون عليها فشلهم في مواجهة اﻷزمات الاقتصادية والبطالة وصعود اليمين المتطرف.
هذا يعني أن داعش، مثل نظام العصابة، وجدت لكي تبقى وتزدهر، لكن ضمن حدود يرسمها الغزاة وبشرط أن تكون “إرهابية بنت عالم وناس…”، فتلتزم حدودها ولا تهاجم أيًا من أعضاء حلف الشر المنعقد، نظريًا، لمواجهتها!