نبيل محمد
أعلام حمراء كبيرة منصوبة فوق باصات نقل وعربات عسكرية، و”كومبارس” سوريّون بملابس تقليدية يمنيّة، وآخرون بملامح صينية. مشهد سوريالي التفاصيل، تتم الإجابة عن كل إشارات الاستفهام فيه، بمجرّد ظهور مخرج يقف خلف كاميرا، يصوّر مشاهد من فيلمه.
فيلم صيني من إنتاج بطل أفلام “الأكشن” المعروف جاكي شان، يتحدّث عن عملية إجلاء الرعايا الصينيين من اليمن خلال ذروة الحرب هناك، وينتقي من منطقة الحجر الأسود المدمرة في جنوب دمشق موقعًا لتصوير بعض أحداثه، بعد أن جابت الهيئات المنتجة للفيلم والتي من بينها دولة الإمارات مناطق متعددة من دول المنطقة، لتجد أن سوريا تقدّم أفضل عرض لتصوير الفيلم فيها، بمساحات كبيرة من البيوت المهدمة، والركام، التي ستزيد من واقعيّة الفيلم، وتدعم الرواية الصينية فنيًا، حيث ستظهر البعثة الدبلوماسية الصينية في اليمن بمظهر البطل، وهي تجلي رعاياها من بين كل هذا الركام والدخان وشظايا القذائف.
ليس جديدًا أن يتم استغلال المدن السوريّة المدمّرة في صناعة السينما والدراما، فقد نبش نجدة أنزور وجود سعيد وغيرهما من الركام ما استطاعا، وشكلاه على مقاس عدساتهما، واستخدما الدبابات المدمّرة منها والقادرة على الحركة في صناعة الكذب الرسمي على شكل سينما. الجديد هنا هو أن كاميرات صينية وجدت ضالتها في هذا البلد المدمّر، لتجعل من ذلك أيضًا فرصة لتجدد الحديث عن “طريق الحرير”، وهو ما تردده الصين مؤخرًا في سياق تقاربها مع دكتاتوريات المنطقة. قال مخرج الفيلم سون ين شي لشبكة تلفزيون الصين الدولية، إن هذا العمل يعكس توجه الصين لـ”بناء نوع جديد من العلاقات الدولية، يقوم على مصير مشترك للبشرية داخل حزام دول طريق الحرير القديم”.
ستجوب كاميرات الصين كلًا من ال حجر الأسود وداريا ودوما وحمص وفق المصادر، لتكوين صورة تعكس عمليّة صينية أجلت بها مئات الصينيين والأجانب عام 2015 من اليمن. تلك المدن المدمّرة ما زالت حتى الحجر الأسود وداريا ودوما وحمصاليوم عصيّة على سكانها، إذ يمنع النظام السوري عودتهم إليها، بالمقابل يفتحها لتكون استوديوهات لتصوير أفلام أجنبية برعاية إماراتية، وهو ما يبدو أنه توكيل للإمارات، ذلك البلد الذي طبّع العلاقات جزئيًا مع نظام الأسد، ولم يجد في سوريا ما يمكن استغلاله أكثر من صور الدمار فيها التي تناسب مخرجي السينما في بناء قصص من المستبعد أن تنتمي للواقع، خاصة إذا عرفنا أن الفيلم الصيني يقدّم بدعم رسمي صيني أيضًا.
حفل إعلان بدء تصوير الفيلم شهد حضورًا رسميًا، حيث حضر السفير الصيني في سوريا، خلفه لافتة حمراء كُتب عليها “أول فيلم صيني يتم تصويره في سوريا”، وفي الخلفية يتم تحريك الدبابات والعربات القتالية بما يخدم قصّة الفيلم التي عبّر عنها مخرجها بأنها تعكس جهود الدولة الصينية والحزب الشيوعي الحاكم بحماية دبلوماسييها ورعاياها في الخارج. وهو بلا شك لا يحمل قيمة فنية سينمائية بقدر قيمته السياسية في العلاقات بين دولة كبرى تجد في هذا الدمار بيئة مناسبة للاستثمار السياسي والاقتصادي، وأخرى مدمّرة معزولة دوليًا تجد في أي مبادرة من دولة مؤثرة في السياسة العالمية اعترافًا بوجودها الذي يكاد يكون ملغى كليًا عن الساحة الدولية.
لا تحضر الصين، كما روسيا وإيران، بشكل مباشر في تفاصيل القضية السوريّة، لكنها وبلا شك من أشد الداعمين لنظام الأسد، فقد استخدمت “الفيتو” نصرة لهذا النظام عشر مرات، وهو رقم يكافئ ضعف استخدامها لـ”الفيتو” تاريخيًا. كما أرسلت قبل أكثر من عام وزير خارجيتها إلى سوريا، الذي ما إن نزل في مطار “دمشق” حتى صرّح بأنه يدعم “سيادة سوريا”، وأن من الواجب التخلي عن “وهم تغيير النظام”.
التوجه الصيني هذا لا يبدو بعيدًا عن محاولة الصين الحضور في المنطقة بمجرد ملاحظتها غياب الغرب عن الحضور، وقدرتها على استغلال هذه الجغرافيا، سواء في التجارة السياسية، أو الوصول إلى مياه المتوسط، أو حتى في إنتاج فيلم سينمائي قد لا يختلف في أسلوبه ورسالته عن تلك الأفلام السورية التي استخدمت مدن السوريين المدمّرة في الدعاية السياسية للدكتاتور.