قمة بوتين.. العداء للسوريين وللعالم العربي
إبراهيم العلوش
انعقدت القمة الثلاثية (الروسية- الإيرانية- التركية) التي دعت إليها روسيا بشكل عاجل في طهران، وحملت شعار مناقشة الملف السوري، وكانت صورة الخريطة السورية زرقاء باهتة فوق المؤتمرين، ومدموغة بدمغة إيرانية تذكرنا بدمغات سندات التمليك الزرقاء في سوريا، التي يعود تاريخ بعضها إلى أيام الدولة العثمانية.
ولعل أبرز ما نجم عن تلك القمة، في 19 من تموز الحالي، هو التحالف الإيراني- الروسي، بعدما خسرت روسيا القدرة على عقد قمم دولية مع الهند أو الصين، أو مع الدول الاقتصادية الكبرى، وهو ما يشير إلى تدهور الطموحات الروسية، كما قال أحد المعلقين في موقع “بلومبيرغ” الأمريكي.
بعد تورط روسيا في أوكرانيا، تتورط من جديد وبطريقة مغايرة في معاداة العالم العربي، عبر تعميق تحالفها مع إيران، إذ أُعلن عن الكثير من العقود بين الجانبين على هامش القمة، تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار، ليبرز مشروع التحالف مع دولة “الملالي” التي صارت عنوانًا للاعتداء على العالم العربي وتمزيقه.
ومن بين الدول الثلاث في المؤتمر، بدت إيران هي المتحكم الأكبر بالشأن السوري بعد انزلاق روسيا في حربها الطويلة ضد أوروبا وأمريكا، عبر احتلال أوكرانيا وتهجير شعبها، في سيناريو يعيد مأساة السوريين وبشكل أكبر وأقرب إلى تغطيات الإعلام العالمي والأوروبي، وبطريقة لا يمكن التنكر لها، كما فعلت أوروبا تجاه الملف السوري وحوّلته إلى مجرد ملف مساعدات ومهاجرين وإرهاب.
ولعل أكبر الخاسرين من تلك القمة هو الرئيس التركي، الذي تماسك ولم ينسحب من القمة كما فعل في قمة سابقة لنفس الثلاثي في طهران قبل سنوات، حينها خرج الرئيس التركي ببيان خاص به، ولم يقبل أوامر المرشد الإيراني الذي يخلط السياسة بالمشيخة، ويتوقع دائمًا في نهاية حديثة أن يقبل المستمعون على تقبيل يديه مثل كل مشايخ القرى والأحياء الفقيرة الذين فقدوا الأمل ولم يبقَ أمامهم غير بركات الشيخ.
وعلى عكس قمة طهران، فإن قادة العالم العربي حضروا وبشكل واسع قمة جدة التي ترأسها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والتي أُعلنت للرد على إيران، وعلى التحكم الروسي باقتصاديات البترول، وقد قبل الكثير من العرب بإسرائيل كحليف بسبب هول الممارسات الإيرانية في سوريا ولبنان واليمن والعراق قبل ذلك، بالإضافة إلى المذابح الروسية التي كانت عبارة عن تدريبات للجيش الروسي وداعمة للهيمنة الإيرانية.
قمة طهران لم تستطع الخطو خارج المحددات الإيرانية التي تكرّس النظام السوري وقادته بكل ما ارتكبوا من جرائم بحق السوريين، بل طالب بعض أطراف القمة بوقف محادثات “جنيف” الدستورية وتحويلها إلى مجموعة “أستانة” التي تحتكر التحكم بالشأن السوري خارج مواثيق حقوق الإنسان، وخارج إرادة السوريين في تقرير مصيرهم الذي لا يفهمه زعماء يتسمون بالفردية وبالتحكم شبه المطلق بقرارات بلادهم.
غضب الرئيس التركي من طرفي القمة الآخرين كان بسبب اعتراضهما على الدخول التركي الوشيك في الشمال السوري، ورفضهما زيادة الحصة التركية من النفوذ في سوريا، بالإضافة إلى خشيتهما من ردود الفعل الأمريكية في حال موافقتهما العلنية على الهجوم ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الحليفة لأمريكا، والتي من الممكن استمالتها للتعاون مع نظام الأسد والتنسيق معه للقضاء على ما تبقى من المعارضين للاحتلال الروسي- الإيراني.
بعد التوافقات الروسية- السعودية خلال السنوات الماضية، وخاصة في مجال البترول ومجموعة “أوبك بلس”، ظن الرئيس الروسي أنه احتل مكان أمريكا في قلب العالم العربي، لكن التحالف المعلَن مع إيران الذي وصل إلى شراء أسلحة منها، جعل العالم العربي ينتبه إلى التهور الروسي الذي يدعم النزعة العسكرية الإيرانية التي تحمل العداء للعالم العربي، وتحوله إلى ساحة للميليشيات، والتنظيمات الطائفية التي تقوّض المنطقة، وتحولها إلى مستنقع يفسح المجال لها للهيمنة والتحكم بها.
بعد القمة عاد الرئيس الروسي إلى عزلته وهو يقود الحرب من وراء جهاز كمبيوتر وأجهزة اتصالات، حيث يتحول أحيانًا إلى مجرد قائد ميداني يعطي الأوامر بتفجير جسر أو قصف بلدة مستفردًا بالنفوذ والسيطرة التي يجب تركها لأصحاب الاختصاص كما أوردت بعض التقارير الصحفية.
وعاد الرئيس التركي إلى بلاده يقلّب في جدوى هجومه على الشمال السوري، وحربه على حزب “البي كي كي” الذي توسع إلى الحدود السورية تحت مسميات متعددة، ويحصي خسائره بعد استبعاده من قمة بايدن الذي اختلف معه على نفس الحملة.
وتفرغت إيران لإصدار الأوامر للنظام السوري، وأوعزت له بإرسال وزير الخارجية، فيصل المقداد، لينقل إلى قادة النظام الأوامر التنفيذية الناتجة عن قرارات القمة، وقد وصل الوزير المذكور في اليوم التالي بعد القمة وهو يكيل التهديد والوعيد ذات اليمين وذات الشمال لتركيا وإسرائيل والغرب في معزوفة ترضي الإيرانيين والروس، وتديم قبولهم استمرار النظام وممارساته اليومية ضد السوريين.
بينما بقي السوريون بعد القمة كما هم قبلها، يتلوون تحت الجوع والحاجة في الداخل، وتحت نيران الميليشيات الإيرانية والطائرات الروسية في المخيمات، وظل المهجّرون، مثل كل السوريين، بلا قرار يعيد إليهم حقهم في بلادهم التي استولت عليها القمم التي تبقيهم في الظل، ولا تأخذ برأيهم ولا بطموحاتهم في بناء بلد يحفظ كرامتهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :