اغتيال زهران علوش في ميزان الحل السياسي
حذامِ زهور عدي
قبل مؤتمرات فيينا والرياض التقط زهران علوش اتجاه الرياح الدولية والإقليمية نحو ما يدعونه بالمعارضة المعتدلة (سياسيًا وعسكريًا)، فتحرك جغرافيًا، اسطنبول والائتلاف، ويُقال لندن أيضًا، وأعطى تصريحات تصب في الاتجاه ذاته، فاعترف بالدولة التعددية وسلّم مسبقًا بما تُنتجه صناديق الانتخابات شرط أن تكون انتخابات حقيقية حرة بعيدة عن التزوير كما قال، وحارب الإرهاب كما يريد المجتمع الدولي، وانتصر عليه في معارك عدة، وأعلن أن تنظيمه يضمن أمن دمشق في حال سقوط الأسد، ولا مبرر للحديث عن الفوضى المنتظرة التي يتحدثون عنها خوفًا بعد سقوطه. وزاد الناشط المسيحي، الذي كان يعمل في منطقته، وفق ما نشره موقع معارض قبل أيام، شهادة تؤيد ما صرح به وأعلنه.
ثم حضر جيش الإسلام مؤتمر الرياض ونفى الإشاعات جميعها التي سُرّبت عن انسحابه منه، ووقّع على بيانه ونتائجه، والتزم بها، والمعروف أن ورقة الرياض نالت موافقة دولية أقلها موافقة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الفاعلة بالوضع السوري، ثم صدر عن مجلس الأمن قرار بالإجماع، يرسم خارطة طريق الحل السياسي. وبغض النظر عمن يكره زهران، أو يشك في مصداقيته، وبغض النظر عما إذا حاربه النظام بإشاعات أم كانت هي حقائق أعماله، وبخاصة إذا أُخذت بالظروف التي كان بها وبأفاعيل النظام الأسدي، فإنني أجد موقف وليد جنبلاط من حادثة الاغتيال هو الموقف الأقرب لفهم ما حدث سياسيًا، فقد كتب عبر تويتر: “إذا كان (زهران) لجأ إلى وسائل مستنكرة … فمرده أن هذا النظام لم يترك وسيلة دمار وتعذيب وتهجير إلا واستخدمها في حق الشعب السوري”.
ويبقى السؤال: لماذا استهدفت الطائرات الروسية قيادات جيش الإسلام وعلى رأسها زهران علوش بالرغم من كل ما سبق؟ وهل صحيح ما سُرب أن اتفاقًا سريًا أمريكيًا-روسيًا يقضي بتصفية قيادات التنظيمات التي تحمل صفة “الإسلامية” قبل بدء المفاوضات، وأن المهمة أوكلت إلى روسيا؟ وهناك شك في مثل هذه الأخبار التي تشيعها الأجهزة الأمنية الروسية والسورية، لا لتتلطى روسيا خلفها فقط ولكن للتأثير على معنويات المقاتلين الثوار أيضًا.
قطعت الطائرات الروسية بالقصف الصاروخي للمدن السورية المحررة الشك باليقين، وأزالت الشائعات التي تنسب الحل السياسي لأهدافه، واغتيال زهران ورفاقه أكد مرة أخرى أن لغزو بوتين هدف وحيد، هو القضاء على ثورة الشعب السوري وإنقاذ الولد المدلل من السقوط، من أجل ترسيخ النفوذ الروسي في سوريا وتحقيق مصالحه الاقتصادية والعالمية الأخرى. لكنّ بوتين ذا التربية المخابراتية يتقن اللعب على الحبال، فيتظاهر بالعمل على مفاوضات سياسية بالوقت الذي يمهد طريق نتائجها لمصلحة تابعه الأسد. من هنا يتضح أن تسارع التوحش بالإبادة الجماعية لإدلب وما حولها واغتيال قادة جيش الإسلام يأتي في هذا السياق.
إن العربدة الروسية الآن لها هدف واحد، هو تجريد الثورة من إمكانية الدفاع عن نفسها وتحويلها إلى معارضة سياسية مفخخةٍ أقدامها بالهواء قبل أوان استحقاق مؤتمر جنيف 3، الذي يحدد قرار مجلس الأمن جدولًا لتنفيذه -بالرغم من هزالته-، وهكذا يتفاوض النظام وحلفاؤه مع معارضة ضعيفة مجردة من أي قوة تساندها وتمثلها على الأرض السورية، وستعلو بعدها أصوات تدعو إلى النضال السلمي الذي لا أفق له البتة في الظروف التي خلفها الغزو الإيراني أولًا والغزو الروسي تاليًا، عدا عن القمع المنفلت من عقاله للنظام الأسدي، وبهذا يفرضون الحل الذي يحفظ مصالحهم ومصالح إسرائيل ويحتفظ الأسد بكرسيه متبخترًا فوق خراب سوريا.
ويبدو أن بقاء الأسد ذليلًا تابعًا، وبقاء جيشه ونظامه في حالة من الضعف والانقسام والفوضى لا تسمح مستقبلًا بأي إمكانية لإخراج المحتل -هذا إن فكر أحد ممن يحيط به بموقف وطني- إيرانيًا كان أم روسيًا أم إسرائيليًا، هو هدف الغزو الروسي المنسق مع سياسة الملالي ولوبيات المافيا الصهيونية العالمية.
ولأن تلك الأهداف لن تتحقق بوجود إرادة الشعب السوري وصموده، فعلى أبناء ثورته ومقاومتهم تجاوز الاغتيالات وتشكيل أجهزة أمنية صلبة قادرة على سد أي اختراق أمني لها، وإبداع أشكال جديدة للمقاومة السلمية والقتالية. كما على الفصائل المعارضة البرهنة على إدارتها مناطقها بأساليب تتسم بالشفافية بعيدة كل البعد عن أساليب النظام، وعليها عقد ندوات إعلامية تقدّم الحقائق للمواطنين وتفنّد الإشاعات والأكاذيب. بغير ذلك يصعب مواجهة خطط الغزاة ولن يكون زهران أو غيره من المقاتلين أو المدنيين بمنأى عن نيرانهم، ولن تتمكن الثورة من قطع الطريق على ما يُعدّ لسوريا -وفق الإشاعات- من حل مشابه لحل الطائف اللبناني يضمن محاصصة طائفية وكانتونات لكلٍ منها.
لم يقدم الشعب السوري هذه التضحيات جميعها من أجل نهاية كهذه، ولابد من برنامج يعتمد النقاط سابقة الذكر لتكون صرخته بوجه المتآمرين عليه مسموعة، “نحن هنا مازلنا أحياء نقاوم لن تُخيفنا اغتيالاتكم ولا طائراتكم ولا توحشكم نحن أصحاب القضية، ونحن من دفع أغلى الأثمان من أجلها، ولن نسمح بتمرير حلٍ لا يضمن لنا الحرية والعدل والكرامة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :