فادي القاضي
نشرت منظمة أوكسفام الخيرية صورةً لـ “جمال”، أحد قاطني مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، حاملًا بين يديه حمامة بيضاء، وانتشرت الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي مثيرة العديد من التعليقات. إلا أن الصورة الأصلية ترافقت مع شرح قدمته المنظمة يُفيد بأن الرجل يُمضي وقته في تدريب الحمام، في مسعى متواصل منه، لتناسي صور الويلات والفظائع التي شهدها خلال الحرب في سوريا.
وأعتقد أن هناك عبرة تستحق الوقوف عندها في هذا السياق، فشهود العيان على ارتكاب الويلات والفظائع في أوقات الحروب، إن لم يكونوا ضحايا أنفسهم، فهم من المؤكد ضحايا لاحقون، وعلى نحو مُزمن ومؤلم، في المدى المتوسط والبعيد. ويُشار إلى ذلك غالبًا في اطار مصطلح “الصدمة” أو “الإجهاد النفسي” الذي يعقب الحرب مباشرة، ويستمر بعد حدوث تلك الفظائع، غالبًا من دون شفاء ذاتي؛ بمعنى أن قدرة الفرد على التخلص منه، بجهود فردية، صعب.
وتسود قناعةٌ مفادها أن الأطفال حكمًا، هم الأكثر عرضةً لمخاطر هذه الصدمات، لسبب رئيس هو عدم قدرتهم على تحليل أسبابها بذات القدر الذي يفعله البالغون. إلا أن ذلك لا يعني إطلاقًا أن البالغين أقل عرضةً لهذا النوع من الصدمات، فهم كذلك، وفي مشهد حافل بالويلات والآلام مثل المشهد السوري الممتد على مساحة هائلة من أبشع صنوف القتل والتنكيل وتدنيس الذات البشرية، فإن قدرة البالغين على احتمال الألم، قد تكون محدودة إلى حد كبير.
علاج ضحايا الصدمات في سياق كهذا، يتطلب جهدًا يوازي جهد بناء دولة، ولا يتوقف عند توفير الرعاية الصحية النفسية والذهنية، بل يمتد أيضًا إلى تأسيس بنية اجتماعية ومجتمعية تقوم على التفهم والرعاية والاهتمام بالاحتياجات المهمة لأعداد كبيرة من الرجال والنساء والأطفال الذين نهشت الحرب أرواحهم وأثقلتها بالأوجاع.
العدالة والمحاسبة بحق مرتكبي هذه الويلات ليس سوى مقدمة لمثل هذا النوع من العلاج، ويترافق مع مسح تدريجي للصور البشعة التي تجتاح ذاكرة هؤلاء، وإحلال تفسير آخر لهذه الصور، وليس بالضرورة شطب الماضية منها. ومن شأن علاج كهذا أن يستمر وقتًا وجيلًا كاملًا من البشر الذين عاشوا هذا الكابوس المريع بكل تفاصيله الدموية.