احتفالات عيد الميلاد.. سلامٌ عاد أم محاباة للأقليات

  • 2016/01/03
  • 3:01 ص

احتفالات عيد الميلاد في دمشق 29 كانون الأول

حنين النقري – عنب بلدي

“دبي تنفق نصف مليار دولار على احتفالات عيد الميلاد، وأطفال سوريا وبورما يموتون جوعًا”، تداول هذه التغريدة العديد من السوريين، مؤيدين ومعارضين، على تويتر بمناسبة رأس السنة وعيد الميلاد، قبل أن تنال النار إحدى فعاليات الاحتفال في دبي ويتحول اللوم لشماتة.
ورغم أن الاحتفالات عمّت دول العالم، إلا أن نفس الانتقادات لا توجّه لنظام الأسد والاحتفالات المبالغ بها في المناطق الخاضعة لسيطرته، على بعد عدة كيلومترات من مناطق يموت أهلها جوعًا وقصفًا كل يوم.

وهكذا تُستغل كل مناسبة من البعض ليكرروا نظرية المؤامرة، متجاهلين أن لومهم وشماتتهم يتجهان لدول تهتمّ بشعوبها وتصنع لهم الفرح، بينما يدافعون عن نظام يغدق الموت على أهل البلد، ويخصّ بالفرح والاحتفالات أهله و”مواطنيه” ومن يريد من الأقليات، وإلى هؤلاء نسلط الضوء على احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة في سوريا لا في دبي؛ والتي لم تكن بتكلفة أقل، بالتأكيد.

“ميلادًا يا سوريا”

نبدأ من العاصمة دمشق، حيث نظّم كرنفال “ميلادًا يا سوريا” من ساحة باب توما إلى ساحة القصور في العباسيين في 27 كانون الأول، ووزعت الحلويات على الأطفال بموافقة وزارة السياحة، مع ألحان موسيقية لعيد الميلاد، وصوّر ذلك كله وبث على التلفاز في محاولات للتأكيد على أن “سوريا بخير”.
ما لم تصوّره الكاميرات هم المشرّدون ممن يفترشون حدائق دمشق، لم تصوّر عتمة شوارعها مع غياب الكهرباء بشكل كبير، وعن هذا تقول السيدة مها، من سكان حي ركن الدين، “عندما أرى أجواء العيد في التلفاز أشعر بأني في بلد آخر، الكهرباء باتت عزيزة ونادرة بعكس الأجواء المفعمة بالضوء التي يصورونها؛ كما أن معظم من أراهم في الشوراع يوميًا هم من الجنس النسائي والحضور الذكوري قليل على عكس ما يتم تصويره أيضًا”.

“عجئة” لكن من يشتري؟

وكأحد أشكال التناقض التي مازال التلفزيون السوري مصرّا على نشرها، تظهر في أحد تقاريره شابّة تقول “حبينا ننسى هالظروف والرعب ونطلع نعيد مع رفقاتنا”، لتكون الشهادة التالية لها من شابة في نفس المقهى “ما في شي، ما تغير شي بالبلد بالمرة كتير عجئة بالأسواق والكافيات”.
تؤكد السيدة مها “العجئة” في الأسواق، لكنها تردف “الأسعار مرتفعة بشكل مجنون، الازدحام لمجرد رؤية البضائع وقليل جدًا من يشتري، تخيلي أن فنجانًا من الشوكولا الساخنة من إحدى العربات في الشارع ثمنه 600 ليرة سوري، فمن سيرتاد المقاهي؟”.

23 مليون شجرة

تتعاون وزارة الدولة لشؤون البيئة مع مركز الأعمال الكوري لإطلاق مشروع “شجرتي” بمناسبة أعياد الميلاد والمولد بهدف “زراعة 23 مليون شجرة مثمرة، أي شجرة لكل مواطن سوري يزرعها ويكتب اسمه عليها”، حسبما صرحت به د. نظيرة سركيس، وزيرة الدولة لشؤون البيئة.
ويعلّق محمد، وهو مسعف من الغوطة الشرقية المحاصرة، ساخرًا على هذا بقوله “وهل سيحسب المحاصرون والمعتقلون والشهداء في مشروع شجرتي؟ بالنسبة لنا في الغوطة فنحن نقطع الأشجار لنتدفأ بحطبها؛ هل ندخل بهذا النشاط ضمن المشروع؟”.

أعلى شجرة ميلاد في سوريا

وكان تلفزيون الخبر، الموالي للنظام، نقل في تقرير له أن سعر شجرة عيد الميلاد تجاوز 25 ألف ليرة سورية، ليبلغ ثمنها مع الزينة حوالي 50 ألف ليرة سورية؛ لكن العائق الماديّ من نصيب الأفراد فحسب، إذ نُصبت أعلى شجرة ميلاد في سوريا في كنيسة السيدة بصافيتا بارتفاع 22 مترًا وقطر قاعدة 6 أمتار، ليكون ذلك جزءًا من استقبال وفد ديني يوناني للمدينة، حسبما نقلت وكالة سانا.

شجرة أخرى في حميميم

يبدو أن شجرة صافيتا لم تكن الوحيدة، إذ أرسلت وزارة الدفاع الروسية إلى قاعدتها العسكرية في مطار حميميم شجرة ميلاد كجزء من احتفال أعدّته روسيا لجنودها في كل قواعدها، منوّهة إلى أن الاحتفال سيشمل أطباق طعام مميزة بهذه المناسبة.
ويرى المسعف محمد أن هذه الشجرة ما هي إلا أحد الأشكال الكثيرة لما وصفه بـ “الاحتلال الروسي” على أراضي سوريا، ومحاولة لإعطائه طابعًا دينيًا مقدسًا، ويضيف “ما هو شعور الجندي السوري عندما يرى اهتمام الحكومة الروسية بجنودها إلى هذا القدر؟ هل تشبه الثكنات العسكرية لجيش الأسد ثكنات الروس؟ هل يشعر الجندي السوري بأنه إنسان؟ هذا الانتقام الوحشي الموجود في نفوس جنود الأسد أحد أسبابه شعورهم بفقد الحياة المدنية والإنسانية التي نحياها”.

أجراس لاوديسا في اللاذقية

في اللاذقية، نظم متطوعون من مشروع درب بالتعاون مع وزارة السياحة كرنفالًا غنائيًا للاحتفال بليلة الميلاد بعنوان “أجراس لاوديسا” في حي الأمريكان، وتظهر الصور ومقاطع الفيديو أعدادًا غفيرة من المحتفلين بجو صاخب بعيد للغاية عن مشاهد الحرب، تعقّب السيدة مها من دمشق على ذلك “يستمر الإعلام باستغباء المواطن، كيف يمكن تصديق أن كل هذا التنظيم والجهود والتكاليف هي من قبل فريق شبابي تطوعي؟ وكأن التطوع متاح لمن يشاء في سوريا، بإمكانيات وتمويل مفتوحين، من الواضح تكثيف النظام لجهوده في هذه الفترة لتبدو الاحتفالات في سوريا طبيعية تمامًا، رغم كونها بمنتهى التنظيم وتحت الرقابة التامة”.

حمص ومظاهرات الزهراء

في حمص أيضًا، نظمت وزارة الثقافة العديد من الفعاليات بمناسبة عيد الميلاد، وكان التلفزيون السوري عرض تصريحًا لمحافظ حمص، طلال البرازي، بأن “سوريا تتعافى وسنعيد بناءها من أجل الأجيال القادمة”، لكنه لم يفرغ من تصريحه حتى هزّت تفجيرات ثلاثة حيّ الزهراء الموالي للنظام، مغيّرة مشهد الاحتفال بالأعياد.
يقول التاجر (م. س) من حمص إن الحواجز المنتشرة في الأحياء أعطتهم أمرًا بإغلاق محالهم باكرًا والعودة لمنازلهم، يوم الخميس 31 كانون الأول عقب التفجيرات، ويشرح “علمنا أن أهالي حيّ الزهراء ينظمون مظاهرة وأن الحواجز ترغب بإخلاء الشوارع لهم، لذا طلبوا منا العودة لمنازلنا مبكرًا، وهكذا لم نستفد من موسم الأعياد بسبب الاضطراب الأمني، وإن كان هناك أمل بأن يزداد الشراء فقد أُلغي”.

رأس السنة والرصاص الحي

نُشرت على كثير من صفحات التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة للاحتفال برأس السنة الجديدة، مع أصوات إطلاق كثيف لأعيرة نارية من مختلف الأسلحة في اللاذقية وطرطوس ودمشق، الأمر الذي أثار سخطًا واسعًا في صفوف السوريين مؤيدين ومعارضين للنظام، لما سببه من فزع شديد وإصابات في هذه المحافظات.
فمثلًا عقّبت ناديا أبو تراب عبر فيسبوك بقولها “قسمًا بالله فكرت فات حدا عدمشق وصار اشتباك كأنو ما شبعنا صوت رصاص بهالخمس سنين”.

من سلم الأولاد أسلحة؟

وعلى موقع فيسبوك أيضًا كان لمصطفى شيخو تعقيب آخر على استخدام الذخيرة الحية، إذ رأى أن الاحتفال مع كل ما يجري في سوريا نوع من عدم التقدير “8 إصابات باللاذقية بيناتن 3 أطفال من ورا الرصاص الطايش والمقاذيف، لك لسا مبارح استشهدوا بالقامشلي وأول مبارح بالزهرا ومحدا مقدر ولا ع بالو.. ولسا الله أعلم بالمحافظات التانية”.
في حين شرح نيروز القباني في تعليق على محاولات جيرانه إقناع الحاجز المجاور بالتوقف عن إطلاق النار، لتكون النتيجة من ذلك استبدال الروسيات بالرشاشات للاحتفال، ويضيف “هون أنا بقلبي قلت فعلًا الوطن بأيدي أمينة”.
وعبّر آخر أن اللوم لا يقع على عناصر الحواجز، وإنما على من “سلم الأولاد أسلحة”، ورأت شابة متهكمة وجوب دخول سلاح الجو في هذا الاحتفال.

احتفالات.. أم محاباة للأقليات؟

كل ذلك غيض من فيض محاولات النظام الاحتفال في كافة المحافظات الخاضعة لسيطرته، ولم نذكر احتفالات الحسكة والقامشلي وحلب وطرطوس والسويداء، والتي بُثّت جميعها على المحطات السورية تحت إطار “عودة الأمن والأمان هي القاسم المشترك بين السوريين اليوم”.
وفي حين أصدرت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عام 2014 أن “احتفالات عيد الميلاد المجيد ستقتصر على الصلوات نظرًا لما تمر به سوريا من أحداث وإكرامًا للشهداء الأبرار”، نلاحظ الاحتفال بشكل مبالغ به بعيد الميلاد هذا العام لدرجة تعبير البعض من المهاجرين على مظاهر الاحتفال “بأوروبا ما عملنا هيك”، فهل انتهى تكريم الشهداء عند النظام؟ أم هو نوع من محاباة الأقليات وجذبهم؟

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع