يتوقع القارئ الذي يمر على عنوان الكتاب الذي نشر أواخر العام 2015، للكاتب السوري عبد الله أمين حلاق، أن يقف على دراسة مقارنة بين صحف زمن الاستبداد الأسدي وتلك التي صدرت في زمن الحرية، عقب الثورة السورية.
لكن الكتاب في واقع الأمر يتناول تاريخ الصحافة السورية المكتوبة منذ زمن الخلافة العثمانية وصولًا إلى زمن الخلافة البعثية، بينما يفرد فصلًا صغيرًا عن صحافة ما بعد الثورة السورية.
الكتاب، الذي يقع في 80 صفحة من القطع المتوسط، هو دراسة سردية لمسيرة الصحافة السورية منذ نشأتها منتصف القرن التاسع عشر، أي في عصر النهضة العربية أيام السلطان إبراهيم باشا، مرورًا بأول عصور التضييق على الحريات الإعلامية مع تولي السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة في الربع الأخير من القرن نفسه، وما تعاقب من حكومات على سوريا منذ انتهاء الخلافة العثمانية حتى استلام البعث مقاليد الحكم، وانتهاءً بقيام الثورة السورية ربيع العام 2011.
يستعرض الكاتب أبرز المراسيم والقوانين والقرارات التي سُنّت لضبط وتقييد إصدار الصحف في سوريا زمن الخلافة العثمانية، مع ذكر لأبرز الصحف الصادرة حينها وتوجهات كل منها، وصولًا إلى سقوط الدولة العثمانية وبدء الحكم العربي الذي تلاه سريعًا الانتداب الفرنسي، حين صدرت مجموعات جديدة من الصحف كانت في مجملها تدعو إلى لمّ الشمل العربي ودعم الحكومات الوطنية، ومن ثم الدعوة إلى الاستقلال ومعارضة السياسات الفرنسية، ما كان سببًا في إغلاق العديد منها.
بعد الاستقلال، بدأت مرحلة الانقلابات العسكرية في سوريا، وأصبحت الصحف المكتوبة مجددًا عرضة للإغلاق والإلغاء مع استلام حسني الزعيم حكم البلاد في آذار 1949، لتعود مجموعة جديدة من الصحف بالصدور مع انقلاب سامي الحناوي الذي لم يدم حكمه أكثر من سنتين، ليقوم أديب الشيشكلي عام 1951 بإلغاء عدد منها ودمج قسري لعدد آخر، حتى كتبت صحيفة “المنار الجديد”: الصحفيون في هذا البلد أصبحوا مضغة في فم كل حاكم، فكلما تغير حكم بحكم، وضع الصحفيون أيديهم على قلوبهم ولبثوا ينتظرون مصيرهم الجديد.
دخلت الصحافة السورية تحت حكم العسكر في زمن الوحدة المصرية-السورية في ظل جمال عبد الناصر، الذي سن مجموعة قوانين غربلت الصحافة في البلدين، وألغت امتيازات ما يقارب الـ 60 صحيفة.
مع وصول البعث إلى الحكم في انقلاب آذار 1963، أغلقت جميع الصحف ما عدا ثلاث منها، وبدأ النظام الجديد بإلغاء الصحف وإغلاق المطابع ومصادرة معداتها، وقام بإصدار صحف برعاية وتوجيه مباشر من الدولة. لتحكم مع استلام حافظ الأسد للحكم في 1971 السلطة الأمنية قبضتها على كل قطاعات الدولة، بما فيها الإعلام، ولتدخل الصحف السورية عهدًا جديدًا من الاحتكار لصالح الحزب والقائد.
لم تدم فترة الازدهار السياسي التي أعقبت وفاة الأسد الأب واستلام بشار للرئاسة طويلًا، إذ سرعان ما عطل المرسوم 50 الصادر عام 2001، والذي سمح لمطبوعات غير حكومية بالصدور، فضيقت الحكومة على صحيفة الدومري (الناقدة) في العام 2003 حتى أجبرتها على التوقف، ولوحق الصحفيون والسياسيون مجددًا واعتقلت السلطات عددًا منهم في العام 2005.
لم يعط الكاتب الصحافة الحرة التي صدرت عقب الثورة السورية (في آذار 2013) حيزًا كبيرًا من البحث والدراسة، واقتصر تناوله لهذه الفترة على انتهاكات النظام بحق الإعلاميين والصحفيين والآليات التي اتبعها الناشطون في التغطيات الإعلامية لأحداث الثورة، ومع أن عدد الصحف التي أصدرها السوريون حين إصدار الكتاب تجاوز المئتين، إلا أن الكتاب ذكر أسماء 7 صحف مطبوعة فقط، مكتفيًا بالإشارة إلى صدور عدد كبير من الصحف “لا يتسع المجال لذكرها” بحسب الكاتب.
مع أهمية الكتاب، الذي يعد من الإصدارات القليلة التي تتناول واقع الصحافة المكتوبة في سوريا، إلا أن العبور السريع على ظاهرة صدور عشرات الصحف عقب اندلاع الثورة يغفل التحول المهم الذي أحدثته حالة الحرية في مفهوم الصحافة السورية، والتنوع الفكري والسياسي والمذهبي الكبير لدى المجتمع السوري الذي أبرزته الصحف الحرة، بعيدًا عن عين الرقيب، وفي مواجهة السلطة الحاكمة في سوريا.