ما مصير العملية العسكرية في شمالي سوريا بعد قمة طهران؟
بعد صدور البيان الختامي للقمة الثلاثية في طهران، والذي أكدت فيه دول روسيا وتركيا وإيران “تصميمها على مواصلة التعاون للقضاء على الإرهابيين” في سوريا، مع رفضها أي محاولة “لخلق وقائع جديدة على الأرض بحجة مكافحة الإرهاب”، والوقوف بوجه أي تهديد للأمن القومي للدول المجاورة لسوريا، يزداد التساؤل عن المؤشرات غير الواضحة من حدوث اتفاق أو عدمه بخصوص العملية العسكرية التركية المرتقبة.
وعقب وصول الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، إلى طهران التقى بالمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، الذي قال إن “أي هجوم عسكري على سوريا سيضر بتركيا وسوريا والمنطقة برمتها ويعود بالنفع على الارهابيين”، وفق مانقلته وكالة “فارس“، الثلاثاء 19 من تموز.
وأضاف خامنئي أن “إيران تعتبر أمن تركيا وحدودها من أمنها، وأن قضايا سوريا يجب حلها بالتفاوض وعلى إيران وتركيا وسوريا وروسيا حل هذه المسألة بالحوار”.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده اردوغان والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، قال الرئيس التركي، “سنعيد تقييم مسار أستانة بشأن سوريا من جديد وتفعيله”، مُضيفًا، أن “قضية مواجهة حزب العمال الكردستاني (PKK) قضية مهمة جدًا لتركيا، لأنه يهدد أمن أي دولة يكون فيها، ولذلك يجب مكافحة التنظيمات الإرهابية”، بحسب ما نقلت وكالة “الأناضول” التركية.
وبعد انتهاء القمة الثلاثية عقد الرؤساء الثلاثة مؤتمرًا صحفيًا مشترك، قال أردوغان، “حربنا ضد التنظيمات الإرهابية ستستمر دائمًا بغض النظر عن المكان والجهات التي تدعمها”، وأوضح أن تنظيمي “PKK”، و”حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD) يستهدفان وحدة أراضي سوريا، وفق مانقلته “الأناضول“.
بينما أوضح الرئيس الإيراني أنه وبعد 11 عامًا، ما زالت إيران تعتقد أن الحل الوحيد في سوريا سياسي، وأن الحل العسكري لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع، بحسب الوكالة الرسمية الإيرانية “إرنا“.
وبدوره قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، “إن داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) وأشكال الإرهاب الأخرى يجب أن تنتهي إلى الأبد في سوريا”، وشدد على أهمية عودة منطقة شرق الفرات إلى سلطة النظام السوري، بحسب وكالة “سبوتنيك” الروسية.
العملية قائمة
الأكاديمي والباحث السياسي، مهند حافظ أوغلو، أوضح لعنب بلدي، وجود “امتعاض” لدى إيران وروسيا فيما يخص العملية العسكرية التركية المرتقبة، لكن وبحسب تصريحات الرئيس التركي، فإنه يجب “تطهير” مدينتي تل رفعت ومنبج من “البؤر الإرهابية”، وبناءً عليه فإن العملية “قائمة” وتقترب من “ساعة الصفر”.
وخلال طريق عودته إلى أنقرة الأربعاء، صرح أردوغان أن ملف العملية العسكرية سيظل قائمًا إلى حين تبديد المخاوف التركية المتعلقة بالأمن القومي.
وأوضح أنه ينبغي للولايات المتحدة مغادرة المناطق الواقعة شرقي نهر الفرات في سوريا، لأنها “تغذي التنظيمات الإرهابية”، وأنه بمجرد انسحابها فإن عملية “مكافحة الإرهاب ستصبح أسهل”، بحسب مانقلته “الأناضول“.
وتابع، “نريد أن تكون روسيا وإيران معنا في مكافحة التنظيمات الإرهابية على بعد 30 كيلومترًا من الحدود الجنوبية لتركيا، وعليهما إمدادنا بالدعم اللازم”.
وبحسب حافظ أوغلو، تريد تركيا أن تنتهي من ملف العملية العسكرية في سوريا، لتتفرغ بشكل كامل للداخل التركي، سواءً على المستوى الاقتصادي، أو على صعيد الانتخابات الرئاسية المُقبلة.
وأنهت الحكومة التركية العديد من ملفاتها الخارجية، بإعادة علاقاتها مع عدة دول، ولم يبى عليها، بحسب الباحث، سوى تسوية موضوع التنظيمات “الإرهابية” في شمالي سوريا، الذين يشكلون “مصدر تهديد” للأمن التركي.
ويرى الأكاديمي أن تصريحات الرئيسين الإيراني والروسي في القمة، عكست رفضًا للعملية العسكرية التركية، إلا أن تركيا “تستمع” للآراء وفي النهاية تفعل ما يتوجب عليها فعله لحماية حدودها.
تصعيد ميداني قادم
يعتبر الباحث الخبير في العلاقات الدولية الدكتور العراقي عمر عبد الستار، في حديث مع عنب بلدي، أن قواعد الاشتباك في سوريا قد تغيرت مؤخرًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وأن محور “أستانة” فشل في إيجاد توافقات في سوريا وهو ما يقود المنطقة إلى تصعيد.
وأدى فشل محور “أستانة” في إدارة المشهد السوري، إلى رغبة تركيا بإنشاء “منطقة آمنة” في شمالي سوريا من جهة، ورغبة الأردن المستوحاة من تصريحات ملكها بخلق “منطقة آمنة” في المنطقة الجنوبية للبلاد من جهة أخرى، بحسب عبد الستار.
ويذهب الباحث في العلاقات الدولية، برأيه، إلى أنه حتى لو اتفقت الدول الثلاثة على إنهاء “الإدارة الذاتية”، فإنه يقتضي خروج الولايات المتحدة من شمال شرقي سوريا، وهو ما تطالب به الدول الثلاثة بحسب تصريحات أردوغان الأخيرة، إلا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أعلن خلال جولته الشرق أوسطية أن أمريكا لن تبتعد عن منطقة الشرق الأوسط وتترك فراغًا تملؤه روسيا والصين وإيران.
كما لن تتخلى الولايات المتحدة عن حليفها في سوريا (الإدارة الذاتية)، وتتركها عُرضة للقضاء عليها من قبل العملية التركية، وهو مايدفع واشنطن للتفاوض مع أنقرة لإيجاد حل في سوريا، بعيدًا عن محور “أستانة”.
وبحث القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، أمس الأربعاء 20 من تموز، مع قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في مناطق “قسد”.
وأكد كوريلا معارضة المؤسسات العسكرية والحكومية الأمريكية أي هجوم تركي محتمل ضد مناطق شمالي وشرقي سوريا، وفقًا لما ذكره المكتب الإعلامي لـ”قسد” عبر موقعه الرسمي.
وكان قد التقى بايدن مع اردوغان على هامش قمة “الناتو” في مدريد أواخر الشهر الماضي، ومن بين عدة مواضيع جرى نقاشها تطرقوا إلى ضرورة الحفاظ على الاستقرار في سوريا.
ويهدف بايدن، بحسب عبد الستار، لدفع إيران وتركيا بعيدًا عن روسيا لعزلها دوليًا، ويمكن أن تؤدي الأحداث الدولية الحالية، بما فيها المحادثات النووية الإيرانية، والحرب على أوكرانيا، وحرب النفط، والعملية التركية في سوريا، إلى انهيار محور “أستانة”.
ما الوضع على الأرض؟
زادت حدة التوترات الأمنية والعسكرية التي تشهدها خطوط التماس المشتركة بين مناطق سيطرة النظام السوري وحلفائه، وما يقابلها من مناطق سيطرة فصائل المعارضة شمالي سوريا، خلال الأسبوع الماضي.
وأعلن كلا الطرفين عن استهداف مواقع وعناصر في صفوف الطرف الآخر، على خطوط التماس التي تشمل أرياف إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وسهل الغاب، شمال غربي حماة.
وسيّرت القوات التركية والروسية، الاثنين، دورية مشتركة في ريف عين العرب (كوباني)، شمال شرقي محافظة حلب، بحسب مانقلته وكالة “نورث برس” المحلية، وأن هذه الدورية رقم 106 منذ إبرام الاتفاق الروسي- التركي في تشرين الأول 2019، بشأن وقف إطلاق النار في شمال شرقي سوريا.
ووسط تحركات عسكرية تشهدها المنطقة، دخلت تعزيزات عسكرية تركية من معبر “باب الهوى” الحدودي إلى مناطق شمال غربي سوريا، مساء الاثنين، ويضم الرتل سبع دبابات وعشر عربات مصفحة مخصصة لنقل الجنود، بالإضافة إلى شاحنات تحمل مواد لوجستية، وصهاريج مخصصة للوقود.
في المقابل نشرت الوكالة السورية للأنباء (سانا)، مجموعة صور قالت إنها لتعزيزات عسكرية من قوات النظام نحو مواقع في مدينتي عين عيسى شمالي الرقة، ومنبج وعين العرب (كوباني).
كما ذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، أن “الجيش السوري” يواصل تعزيز وتوسيع نقاط انتشاره في ريفي حلب الشمالي، والشمالي الشرقي، كما استقدم تعزيزات عسكرية جديدة إلى محيط منج، وفق خطط استكمال إغلاق جبهات القتال ولمواجهة أي “عدوان” باتجاه تل رفعت ومنبج.
واستهدفت طائرة مسيّرة تركية موقعًا عسكريًا لقوات النظام السوري، الثلاثاء 19 من تموز، في مدينة تل رفعت شمالي حلب، لليوم الثاني على التوالي، وأسفرت عن تسجيل إصابات، في حين لم تعلّق وسائل إعلام النظام السوري على الاستهداف.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :