في أول لقاء ثلاثي على مستوى الرؤساء منذ عام 2019، ضمن إطار عملية “أستانة”، يستضيف الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، نظيريه الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب اردوغان، اليوم الثلاثاء في طهران، في قمة مُخصصة لملف سوريا، بحسب الكرملين.
وبحسب بيان لمكتب الرئاسة التركي، صدر الأحد، ستتناول القمة آخر المستجدات على الساحة السورية، ومنها مكافحة التنظيمات الإرهابية التي تشكل تهديدًا على أمن المنطقة بالأخص حزبي (PPK & YPG) وتنظيم “الدولة الإسلامية”، والجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي، والوضع الإنساني، و”العودة الطوعية” للسوريين إلى بلادهم.
ماذا في الحقيبة التركية؟
ذكرت صحيفة “صباح” التركية المُقربة من الحكومة في تقريرها الصادر الاثنين، أن العملية العسكرية في الشمال السوري، و”العودة الطوعية” للاجئين السوريين، على جدول الأعمال الرئيس للاجتماع الثلاثي.
ولا توجد أي مؤشرات واضحة عن التوقيت الذي ستبدأ فيه تركيا عمليتها العسكرية في سوريا، والتي سبق أن عارضتها إيران، معتبرةً أنها “تهدد وحدة الأراضي السورية”، كما أعربت روسيا عن أملها في أن “تُحجم” تركيا عن شنّ الهجوم.
وتوقعت الصحيفة أن تكون قضية إيصال المساعدات السورية عبر الحدود مطروحة أيضًا خلال الاجتماع، بعد أن جرى مؤخرًا تمديد الآلية في مجلس الأمن لمدة ستة أشهر.
وتحمل الزيارة التركية قضايا وملفات ثنائية بين أنقرة وطهران، إذ من المتوقع، حسب الصحيفة، توقيع مذكرات تفاهم لتطوير وتسريع العلاقات بين البلدين، وستُناقش العملية المتعلقة بالممر التجاري بين تركيا وإيران والإمارات، فضلًا عن “أجندة الإرهاب والإتجار بالبشر”.
وفي حديث للباحث في الشؤون التركية في معهد “كارنيغي”، سنان أولغن، لوكالة الأنباء الفرنسية، قال “لا تريد السلطات التركية أن تخوض العملية من دون ضوء أخضر من روسيا، لأن المنطقتين المستهدفتين تقعان تحت إشرافها، كما تريد تركيا التمكن من استخدام المجال الجوي”.
وبدورها تحضر إيران في منطقة العملية المزمعة من خلال ميليشيات مدعومة من قبلها، وفق أولغن، الذي شدّد على أن ذلك يدفع أردوغان للسعي إلى “نيل الضوء الأخضر” منها أيضًا.
ماذا تنتظر موسكو من القمة؟
في زيارته الخارجية الثانية بعد غزوه لأوكرانيا أواخر شباط الماضي، وزيارته الأولى لطاجيكستان أواخر حزيران الماضي، يتوجه بوتين لطهران وفق “نبرة إيجابية وكبيرة” حيال القمة المرتقبة، وهو ما أوضحه نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي اعتبرها “حدثًا مهمًا للغاية”.
وعلى هامش القمة سيعقد الرئيس التركي لقاءه الأول مع بوتين وجهًا لوجه، بعد بدء روسيا غزوها لأوكرانيا، وستكون قضية “ممر الحبوب”، التي من المقرر أن تنشئها الوفود العسكرية لتركيا وروسيا وأوكرانيا ووفود الأمم المتحدة لإخلاء الحبوب من أوكرانيا، على جدول الأعمال بحسب تصريحات مساعد الرئيس الروسي اليوم، يوري أوشاكوف.
وأضاف أوشاكوف، أن الرئيس الروسي ونظراءه سيناقشون قضايا المساعدات الإنسانية لسوريا خلال الاجتماع في طهران، مُشيرًا إلى أن روسيا أيدت في وقت سابق قرار مجلس الأمن الدولي بتمديد الآلية لمدة ستة أشهر، لكن في المرة المقبلة سيكون “التعبير عن الموقف الروسي بشكل قاطع أكثر”.
وأوضح أوشاكوف الموقف الروسي من العملية التركية المُرتقبة قائلًا، “ستناقش مسألة خطط تركيا للقيام بعملية جديدة ضد التشكيلات الكردية في شمالي سوريا خلال القمة، وموقفنا الروسي المبدئي هو أننا نعارض أي أعمال تنتهك المبدأ الأساسي للتسوية السورية، المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي قرارات صيغة أستانة”.
وأكد اليوم المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن عملية “التسوية السورية” ستكون في “قلب” زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران في إطار المحادثات الثلاثية.
وعن توقيت عقد هذه القمة قال المحلل الروسي الخبير في الشرق الأوسط، فلاديمير سوتنيكوف لوكالة الأنباء الفرنسية، إنه “لم يُحدد بالصدفة”، وأضاف “بينما تنفذ روسيا (عمليتها الخاصة) في أوكرانيا، تريد تركيا أيضًا شن (عملية خاصة) في سوريا”، معتبرًا ذلك “المسألة الأساسية في القمة”.
إيران تريد “تخفيف التوتر”
صرح وزير الخارجية الإيراني اليوم، حسين اللهيان، أن الهدف الأهم من صيغة “أستانة” هو “تخفيف التوتر” في مناطق الصراع في سوريا، مؤكدًا أن إحدى القضايا المطروحة على جدول الأعمال هي حل “الأزمة التركية” بالوسائل السياسية، بدلًا من “اللجوء إلى الحرب والمزيد من النزوح لموجة جديدة من الشعب السوري”، بحسب وصفه.
وأضاف أن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم ومدنهم، ودعم السلام والاستقرار والأمن في سوريا، من بين القضايا المطروحة على جدول أعمال هذا الاجتماع الثلاثي.
ويعتقد المحلل السياسي والسفير السابق الإيراني، مصطفى مصلح زاده، في حديث وكالة “فارس” الإيرانية، أن القمة الثلاثية يمكن أن تصل إلى “طريق مسدود” بالنسبة للوضع في سوريا، “لأن تركيا غير مستعدة لقبول استقلال سوريا بشكل كامل”، وفق المحلل.
وأكد مصلح زاده أن استراتيجية إيران وروسيا في سوريا “مستقرة”، لكن الحكومة التركية ليس لديها استراتيجية واحدة في سياستها الخارجية وتغير موقفها في القضايا المختلفة وفقًا لمصالحها، بحد تعبيره.
ووفق ما قاله المحلل السياسي الإيراني، أحمد زيد أبادي، لوكالة “فرانس برس”، تريد إيران وروسيا وتركيا التنسيق من أجل عدم زيادة التوترات بينها، إلا أنه يعتقد أن التفاهم “ليس محسومًا”، إذ لكل من هذه الدول رؤيتها الخاصة بشأن سوريا، وفي أعقاب الحرب في أوكرانيا، نشأت خلافات رؤيا جديدة بينهم.
ومنذ اليوم الأول لبدء الحرب الروسية على أوكرانيا، أعلنت أنقرة أنها ستبقى في موقف المتوازن بين موسكو وكييف، على اعتبار أنها ترتبط بعلاقات مشتركة مع كليهما.
ما الوضع على الأرض؟
زادت حدة التوترات الأمنية والعسكرية التي تشهدها خطوط التماس المشتركة بين مناطق سيطرة النظام السوري وحلفائه، وما يقابلها من مناطق سيطرة فصائل المعارضة شمالي سوريا، خلال الأسبوع الماضي.
وأعلن كلا الطرفين عن استهداف مواقع وعناصر في صفوف الطرف الآخر، على خطوط التماس التي تشمل أرياف إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وسهل الغاب، شمال غربي حماة.
وسيّرت القوات التركية والروسية، أمس الاثنين، دورية مشتركة في ريف عين العرب (كوباني)، شمال شرقي محافظة حلب، بحسب مانقلته وكالة “نورث برس” المحلية، وأن هذه الدورية رقم 106 منذ إبرام الاتفاق الروسي- التركي في تشرين الأول 2019، بشأن وقف إطلاق النار في شمال شرقي سوريا.
في المقابل نشرت الوكالة السورية للأنباء (سانا)، مجموعة صور قالت إنها لتعزيزات عسكرية من قوات النظام نحو مواقع في مدينتي عين عيسى شمالي الرقة، ومنبج وعين العرب (كوباني).
كما ذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، أن “الجيش السوري” يواصل تعزيز وتوسيع نقاط انتشاره في ريفي حلب الشمالي، والشمالي الشرقي، كما استقدم تعزيزات عسكرية جديدة إلى محيط منج، وفق خطط استكمال إغلاق جبهات القتال ولمواجهة أي “عدوان” باتجاه تل رفعت ومنبج.