لم يكن لدى مصطفى الحسن (43 عامًا)، من سكان مدينة الرقة، خيار آخر حين قرر تسجيل أحد أبنائه في مدرسة ثانوية تتبع لـ”الإدارة الذاتية” وتدرّس منهاجها، بسبب عجزه عن تحمل عبء تكاليف الدراسة في المعاهد الخاصة، التي تدرّس منهاج وزارة التربية التابعة لحكومة النظام السوري.
ويعيش معظم سكان مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لـ”الإدارة” مخاوف من أن تضيع سنوات دراسة أبنائهم سدى، جرّاء حصولهم على شهادات غير معترف بها تجعل مستقبلهم الدراسي مجهولًا.
شهادات “بلا قيمة”
يدرك جميع الأهالي أن الشهادة الصادرة عن مدارس “الإدارة” “بلا قيمة”، في ظل غياب الاعتراف الرسمي بمناهجها ومدارسها داخل سوريا وخارجها، وفق ما قاله مصطفى الحسن لعنب بلدي.
“ما باليد حيلة، كنت أرغب فقط بتدريس ابني”، تابع مصطفى، مشيرًا إلى أن محدودية دخله تجعله مجبرًا على إرسال ابنه إلى مدارس “الإدارة”.
وأنشأت “الإدارة الذاتية” في شمالي وشرقي سوريا نظامها التربوي الخاص خلال سنوات حكمها لمناطق واسعة في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة وأجزاء من محافظة حلب، وتتعدد الأسباب التي تدفع الطلاب لدراسة هذا المنهاج رغم عدم حصوله على اعتراف محلي أو دولي.
وتدفع “الإدارة” الطلاب للتخلي عن دراسة منهاج النظام، والاكتفاء فقط بمنهاجها، والشهادات الصادرة عنها، بينما تواصل غض الطرف عن المعاهد التي تدرّس منهاج النظام السوري في مناطق سيطرتها، بحسب ما قاله أحد المعلمين في مدارس “الإدارة” بالرقة خالد العلي.
وأضاف العلي أن الطلاب الذين يدرسون منهاج “الإدارة الذاتية” مجبرون على الدخول فقط في جامعاتها بالقامشلي وكوباني (عين العرب) والرقة، وجامعة “عفرين” سابقًا قبل أن تسيطر المعارضة السورية على المنطقة في العام 2018.
وتقبل الجامعات التابعة لـ”الإدارة الذاتية” الشهادات الصادرة عن وزارة التربية في حكومة النظام السوري، في المقابل، لا تملك شهادات “الإدارة” أي قيمة تربوية أو علمية خارج حدود شمال شرقي سوريا، بحسب العلي.
ويُدرّس في مدارس “الإدارة الذاتية” المنهاج الرسمي لـ”الإدارة” الصادر عن مؤسسة المناهج الدراسية، والذي يختلف بين منطقة وأخرى في شمالي وشرقي سوريا، إلى جانب منهاج “يونيسف” التابع للأمم المتحدة.
“الإدارة” تمجد منهاجها
قال عضو في “لجنة التربية والتعليم” بـ”مجلس الرقة المدني”، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، لعنب بلدي، إن من حق “الإدارة الذاتية” أن يكون لها منهاجها الخاص، معتبرًا المنهاج الذي تدرّسه يراعي التعدد العرقي في مناطق شمالي وشرقي سوريا.
وأشار إلى أن العديد من مكوّنات المنطقة تدرّس اليوم بلغتها الأم، سواء كانت السريانية أو الكردية أو التركمانية.
واعتبر العضو في “اللجنة”، أن عدم الاعتراف بالعملية التربوية في مناطق “الإدارة الذاتية”، لا يعد دافعًا لـ”الإدارة” للتخلي عن منهاجها الدراسي، فهي أساسًا لا تزال تبحث عن الاعتراف الرسمي بها، مشيرًا إلى أنها تواجه صعوبة في الحصول عليه.
وفي 11 من أيلول 2021، نقلت وكالة “نورث برس” عن الرئيس المشترك لـ”هيئة التربية والتعليم” في “الإدارة الذاتية”، رجب المشرف، أن “الإدارة” تمتلك منهاجًا دراسيًا يمثّل التعدد العرقي، وهي تتجه لتطويره وتوحيده.
وأضاف المشرف أن المنهاج الخاص بـ”الإدارة الذاتية” أُنجز باللغات الرسمية الثلاث، العربية والكردية والسريانية، مشيرًا إلى أن “الإدارة” تعمل على توحيد النظام التربوي، وصقل مهارات المدرسين في المدارس التابعة لها.
وتجاوز عدد الطلاب في مدارس “الإدارة الذاتية” 865 ألف طالب للعام الدراسي الماضي 2021- 2022، موزعين على نحو 4565 مدرسة، يدرسهم أكثر من 40 ألف معلم.
ويواجه المنهاج التابع لـ”الإدارة الذاتية” انتقادًا حتى ضمن الأوساط الكردية، إذ انتقد “المجلس الوطني الكردي” المعارض، في 24 من كانون الثاني عام 2021، ترويج المنهاج الكردي في المدارس لفكر زعيم حزب “العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، المسجون لدى تركيا.
وشهدت مدينة القامشلي، أواخر كانون الثاني عام 2021، مظاهرة لسكان أمام مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يطالبون فيها بالاعتراف الرسمي بمناهج “الإدارة الذاتية”، رافعين شعار “لنا الحق في التعليم”.
–