زج بند الكهرباء في القرار الأممي للمساعدات..
روسيا تسوّي أوضاعها بعد اليأس من “مارشال” سوري
عنب بلدي- ديانا رحيمة
عملت روسيا على استغلال وجودها العسكري في سوريا وتطويره على عدة أصعدة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، خلال السنوات السبع الماضية.
مطالبة روسيا بإدراج بند الكهرباء بين البنود التي قُدمت خلال جلسة مجلس الأمن التي عُقدت في تموز الحالي، لتمديد قرار دخول المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، أثار تساؤلات حول غايتها من مد المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام بالكهرباء، أعقبها تهليل بنكهة المنتصر من قبل حكومة النظام السوري.
وكان مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، قال في بيان له عقب التصويت، حصلت عليه صحيفة “الوطن“، “إن ما طلبته سوريا عبر وفدها بالتنسيق مع الأصدقاء في مجلس الأمن، هو إدخال تحسينات على نص مشروع القرار، تضمّن حسن الاستجابة للاحتياجات الإنسانية بطريقة متوازنة وشفافة وقابلة للقياس، بهدف الارتقاء بالوضع الإنساني والمعيشي للسوريين، والتخفيف من معاناتهم بما في ذلك من خلال تعزيز مشاريع التعافي المبكر، وخاصة في قطاع الكهرباء الحيوي الذي تم إدراجه في نص القرار”.
وفي 12 من تموز الحالي، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار “2642”، الذي مدد بموجبه تفويض آلية إيصال المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود من تركيا إلى سوريا لمدة ستة أشهر فقط.
اعتادت روسيا خلال السنوات الماضية أن تستغل ملف المساعدات عبر الحدود، لتحصيل مكاسب سياسية لها في ملفات أخرى تصب في مصلحتها.
وكانت موسكو هددت بعد التصويت، بأنها ستراقب آلية مرور المساعدات التنفيذية على الأرض.
قال نائب المبعوث الروسي لدى الأمم المتحدة لمجلس الأمن، ديمتري بوليانسكي، إن روسيا تدعو الأمين العام إلى إيلاء اهتمام خاص بضرورة رفع العقوبات الأحادية في سياق تداعيات فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) التي لم يتم التغلب عليها بعد، بحسب ما نقلته وكالة “تاس” الروسية.
وأضاف، “علينا أن نعمل بجد للقضاء على هذه المشكلة في سوريا، الأمر الذي سيعطي المزيد من الفرص للمانحين للاستثمار في مشاريع الإنعاش المبكر”.
دعم الحليف
الدكتور السوري في الاقتصاد ومدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، كرم شعار، يرى أن روسيا والنظام كانا دائمًا مؤيدين لدفع مبالغ أعلى للتعافي المبكر، بينما كان موقف الدول الغربية واضحًا بعدم استعدادها لدعم التعافي المبكر دون وجود حل سياسي إلا بحدوده الدنيا.
ويعود رفض الدول لأنها ترى أن تقديم مساعدات التعافي المبكر هو فرصة لمساعدة النظام لفرض سياسة الأمر الواقع، ما يجعل الوضع مستقرًا له، بوجود الأمم المتحدة التي تشرف على مشاريع البنى التحتية وتوصيل الكهرباء وتأمين المياه، ما يساعد حكومة النظام في الوقوف على قدميها مجددًا.
وما تحاول فعله روسيا، بحسب شعار، هو جعل الدول المتبرعة تساعد بإعادة إعمار سوريا، وفرض واقع جديد من دون تقديم أي تنازلات سياسية.
وإن تحسن واقع الكهرباء في سوريا، بحسب شعار، سيفيد روسيا بالتأكيد بشكلين، الأول مباشر، من خلال مساعدتها في استثماراتها الحالية، وزيادة الجدوى الاقتصادية لاستثماراتها الحالية.
والشكل غير المباشر، من خلال دعم حليفها المباشر (النظام السوري).
ولا يعتقد شعار أن المنفعة المباشرة هي الدافع الأساسي لروسيا في إيصال الكهرباء، كون استثماراتها الحالية في مجال الفوسفات والبتروكيماويات ومرفأ “طرطوس” لا تزال محدودة اقتصاديًا للغاية.
بمعنى آخر، روسيا “لا تزال تنفق في سوريا على تدخلها العسكري أكثر مما تحصل عليه من عوائد”.
ونوه الباحث إلى أن الذي يدفع نفقة الحرب الروسية في سوريا هو دافع الضريبة الروسي (المواطن الروسي)، وأن من يحصل على المكاسب هم الأوليغارشيون، إذ إن الاستثمارات الفعالة عمليًا في سوريا تقع بأغلبيتها بيد رجل الأعمال الروسي غينادي تيموشينكو، وهو واحد من أغنى وأقوى الرجال في روسيا، وهو صديق وشريك في لعبة “الجودو” لفلاديمير بوتين.
كان تيموشينكو أيضًا أحد أكبر المستفيدين من العلاقات الاقتصادية الطويلة الأمد بين موسكو وسوريا، حيث “فاز” بعقود لبناء جزء من خط أنابيب غاز من مصر، ومحطتين رئيستين لمعالجة الغاز، وبعد أن ساعد التدخل العسكري الروسي في قلب مجرى الحرب في سوريا لمصلحة النظام السوري، حصلت شركتان أخريان مرتبطتان بشركة “Stroytransgaz” على مركز مهيمن في قطاع الفوسفات، أحد الأصول الأكثر ربحًا التي لا تزال تحت سيطرة حكومة النظام.
ثوابت روسيا الاقتصادية في سوريا
مع دخول روسيا عسكريًا في صف النظام السوري ضد المعارضة المسلحة عام 2015، أعلن الاتحاد الروسي لصناعيي الغاز والنفط، أنه وبعد أن “يصبح الوضع مستقرًا” في سوريا، سوف يسعى الاتحاد لاستثمار ما لا يقل عن 1.6 مليار دولار في عقود الطاقة.
سبق هذا الاستثمار توقيع حكومة النظام السوري عام 2013 اتفاقية مع شركة “سيوزنفتاغاز” الروسية، من أجل الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في منطقة قبالة الساحل السوري، وفق عقد يستمر لمدة 25 عامًا.
كما تسيطر شركة “Stroytransgaz” الروسية على أكبر ميناء في طرطوس بعقد مدته 49 عامًا، ومنحت صفقة أخرى لاستخراج الفوسفات في تدمر بعقد لمدة 50 عامًا.
وفي 5 من تموز الحالي، نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مصادر في حكومة النظام السوري، أن شركة “سينارا إنت” الروسية ستوقع عقدًا استثماريًا لبناء مجمع سياحي في منطقة “جول جمال” على شواطئ مدينة اللاذقية، شمال غربي سوريا.
وبحسب ما نشرته الوكالة، فإن العقد يجمع “سينارا إنت” مع مجلس محافظة اللاذقية، مالك الموقع، وينص على استثمار الموقع لبناء مجمع سياحي من سوية أربع نجوم.
وفي اليوم نفسه، كشفت مصادر لقناة “روسيا اليوم“، أن خطًا جديدًا للنقل الجوي سيتم تدشينه في تموز الحالي، يربط بين داغستان الروسية وسوريا، إلى جانب تأكيدات رسمية بتوسيع قائمة المطارات الروسية التي ستربط بالمطارات السورية.
في آذار عام 2020، وقعت حكومة النظام اتفاقية مشاركة في الإنتاج بقيمة 22 مليون دولار أمريكي مع “المؤسسة العامة للبترول” وشركة “Stroytransgaz”.
وادعت أن الاتفاقية سمحت للشركة بإزالة الألغام، وإعادة تأهيل واستكشاف وتطوير حقول الثروة النفطية، دون أن تدفع أي ضرائب لحكومة النظام.
وبين فترتي أيلول 2019 وكانون الثاني 2020، وقع النظام أربعة عقود جديدة للتنقيب عن النفط مع عدد من الشركات الروسية.
مكاسب مؤجلة
الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، قال لعنب بلدي، إن موسكو تنطلق من فكرة أن حلحلة المواضيع المتعلقة بالصراع السوري حاليًا لن تكون واردة، بل إنما تريد الانتقال إلى عملية الاستفادة من الوضع الراهن قدر المستطاع، أي أن القطاعات الاستثمارية والاقتصادية والتجارية يمكن أن تشكّل مكاسب لها، خصوصًا في هذه الظروف، على الرغم من أن السوق السورية ضئيلة جدًا بالنسبة للحاجة الروسية في مقابل الحصار الغربي المفروض على روسيا.
وأضاف جبر أن كل منفذ في هذا الشأن مفيد بالنسبة لموسكو، لذلك فإن توسيع القطاع السياحي على سبيل المثال، كمورد لها، هو مهم إلى درجة كبيرة.
كما أن تثبيت استثمارات على الأرض هو أمر مهم أيضًا، ولكن ذلك يصطدم دائمًا بعراقيل، منها العقوبات والقيود المفروضة على سوريا، والتي تقلص من إمكانيات موسكو للتعامل أو الاستفادة من هذا الموقف، بمعنى أنها قادرة على ضخ استثمارات معيّنة، لكنها ليست قادرة على رفع الحصار أو رفع العقوبات والقيود المفروضة.
ويرى جبر أن الإصرار الروسي على إيصال الكهرباء، هو محاولة توسيع الحضور قدر المستطاع في الملفات الاقتصادية والملفات الاستثمارية على الأرض السورية حاليًا، في مقابل عدم إمكانية الوصول إلى تسويات نهائية في ملفات عديدة.
وبطبيعة الحال، تضع موسكو عينًا على أنه، في لحظة معيّنة، ربما لا يكون هناك مشروع “مارشال سوري” كما كانت تطمح في السابق، ولكن هناك حاجة إقليمية تتزايد شيئًا فشيئًا للتوصل إلى تسويات معيّنة.
عين روسية على “قيصر”
في 21 من حزيران الماضي، وقّعت كل من حكومة النظام ولبنان ومصر اتفاقية لنقل 650 مليون متر مكعب من الغاز سنويًا من مصر إلى لبنان عبر سوريا.
وأعلن وزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، خلال مؤتمر صحفي بعد التوقيع، أن تنفيذ هذا المشروع سيؤمّن تغذية كهربائية تصل إلى أربع ساعات إضافية، وأنه بتوقيع الاتفاقية تكون لبنان ومصر والأردن وسوريا قد أنجزت جميع الخطوات لتأمين الكهرباء للبنان.
كما أكد أن لبنان يتطلّع إلى الضمانات النهائية من الولايات المتحدة الأمريكية حول العقوبات لتأمين تنفيذ المشروع.
ورحبت واشنطن بالاتفاقية كخطوة مهمة لدعم الشعب اللبناني، مع التأكيد على عمل الولايات المتحدة مع البنك الدولي لمراجعة تفاصيل الاتفاقية.
وقالت متحدثة باسم الخارجية الأمريكية، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، “نتطلع إلى مراجعة العقود النهائية وشروط التمويل من الأطراف، للتأكد من أن هذه الاتفاقية تتماشى مع سياسة الولايات المتحدة، وتعالج أي مخاوف محتملة تتعلق بالعقوبات”، بحسب ما نقلته قناة “الحرة”.
وأضافت، “لم ولن نرفع أو نتنازل عن العقوبات المفروضة على الأسد ونظامه، حتى يتم إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي، كما أننا نعارض إعادة الإعمار (في سوريا) في ظل الظروف الحالية، لقد كنا واضحين بهذا الشأن مع شركائنا”.
وحول مصلحة روسيا من الاستفادة من مشاريع خطي الغاز والكهرباء في سوريا، قال جبر، إن موسكو تريد الفوز بحصة الأسد في مشاريع الغاز والكهرباء والإمدادات التي يمكن أن تصل عبر لبنان وغيره، وهي حريصة على أن تكون لها حصة أساسية في أي مشروع استراتيجي من هذا النوع.
ولفت جبر إلى أن روسيا أرادت أن تنافس إيران في اللاذقية مثلًا عبر إنشاء مشروعات عديدة أخرى للفوسفات، لكي تثبت قدميها فيها على الرغم من أنها لا تتوقع انفراجات أممية سريعة كرفع العقوبات للدفع بهذه المشروعات.
وتابع، كلما كانت هناك ثغرة يمكن المرور منها مثل موضوع الكهرباء، تعمل روسيا على تصعيد الموقف من أجل الوصول إلى نتيجة من هذا النوع.
ويرى شعار أن من الوارد أن يكون هنالك ضغط روسي على البيت الأبيض، لتقديم تنازلات بخصوص خط الكهرباء وخط الغاز العربي، ولكنه احتمال غير مرجح، لأن الوضع السياسي حاليًا في واشنطن لا يسمح للإدارة الأمريكية باتخاذ قرار من هذا النوع، لأنه سيكون ضمن الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”، وفي حال قدم أحدهما تنازلًا عن العقوبات، فإنه سيكون مرتبطًا بقانون “قيصر” وليس بأمر تنفيذي، ما يعني أن التنازل عنه ليس قضية سياسية وإنما قضية قانونية أيضًا.
وكان المبعوث الأمريكي السابق، جويل ريبورن، أوضح لعنب بلدي في وقت سابق، أنه عندما تُصاغ اتفاقية الغاز سينظر خبراء “الكونجرس” فيها، وإذا وجدوا أنها تخرق قانون “قيصر” فلن تتم، ولن تحصل الدول المشاركة في مشروع تمديد الغاز على الرد من “الكونجرس” مباشرة في عام 2022، ولن يكون الرد قبل بداية عام 2023، بحسب ريبورن.
وباعتقاد ريبورن، فإن هذه الصفقة ليست مرجحة الحدوث، وإذا حدثت فستكون تحت إشراف “الكونجرس”، لافتًا إلى أن أي دولة أو شركة تفكر في المشاركة بصفقة من هذا النوع، عليها أن تتراجع وتفكر مليًا بالانكشاف القانوني الذي ستتعرض له.
ما قانونية الاستثمار الروسي في سوريا
يتعلق مفهوم السلطة بالحق في الحكم أو حق القيادة والإمرة من جهة، ويرتبط بشكل من الأشكال بالقوة بغرض التأثير والسيطرة، ضمن إرادة الشعب في دولة تحكمها المؤسسات والقانون وقدسية الدستور.
لكن، لا شيء من ذلك موجود في سوريا، بحسب مؤشر الحريات العامة في العالم الخاص بمنظمة “Freedom House“، حيث يتمتع رئيس الجمهورية، الذي يهيمن على السلطة التنفيذية، بصلاحية واسعة غير قانونية.
وفي أيار 2021، فاز رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بولاية رابعة مدتها سبع سنوات، حيث حصل على 95.1% من الأصوات، في انتخابات تميزت بقائمة غير تنافسية من المنافسين، ولم يشكّل أي منهم تهديدًا خطيرًا لحكم الأسد. وقد أفسد التصويت قانونًا منع السوريين الذين يعيشون في الخارج من المشاركة.
وبموجب المادة رقم “107” من الدستور السوري الصادر عام 2012، فلرئيس الجمهورية اختصاص إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وإلغائها وفقًا لأحكام الدستور وقواعد القانون الدولي.
كما نصت المادة رقم “75” على صلاحية مجلس الشعب في إقرار أنواع المعاهدات، ومنها المعاهدات التي تخالف القوانين النافذة ويتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد.
وبحسب “اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات” في المادة رقم “6”، فإن لكل دولة أهلية لعقد المعاهدات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :