مخاوف من عودة “أشد خطرًا” لتنظيم “الدولة” شرقي سوريا

  • 2022/07/17
  • 10:24 ص

مجموعة من مقاتلي "قسد" في دير الزور شرقي سوريا- 1 أيار 2018 (رويترز)

عنب بلدي- خاص

“ما زالت للتنظيم سطوة وإمارة”، هكذا وصف عدنان النجري (38 عامًا)، وهو ناشط مدني من ريف دير الزور شرقي سوريا، حال تنظيم “الدولة الإسلامية” وهو يراقب ما يحدث منذ أن أُعلن عن نهاية التنظيم في آذار من العام 2019، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ويرى الناشط المدني أن الظروف التي أدت إلى ظهور تنظيم “الدولة” لا تزال موجودة، معتبرًا أن وجود الميليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري في جزء من محافظتي دير الزور والرقة، كمنافسين للتنظيم في المنطقة، لا يقل خطرًا عن وجود التنظيم بالنسبة لسكان المنطقة.

ويتخوف سكان مناطق تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من عودة محتملة لتنظيم “الدولة”، تطفو على السطح كلما زادت ضبابية الوضع السياسي في تلك المناطق، التي دائمًا ما تزداد تعقيدًا مع ارتفاع حدة الخلاف بين “قسد” وتركيا التي تلوّح من جانبها بعمليات عسكرية تستهدف المنطقة.

الناشط عدنان النجري اعتبر أن التنظيم طُرد من المنطقة منذ مدة ليست قليلة، إلا أنه ما زال قادرًا على تنفيذ الهجمات ولم تفلح “قسد” في بسط الأمن والاستقرار فيها، ولا حتى تحسين الوضع المعيشي والخدمي للسكان.

واعتبر مدنيون من محافظة الرقة قابلتهم عنب بلدي، أن انتشار البطالة والفقر والأمية وغياب الأمن والاستقرار واستمرارية انتشار الفكر المتشدد بين السكان حتى بعد هزيمة التنظيم كلها ظروف تساعد في عودته بشكل أو بآخر.

ويرى عبد المحسن سليمان، وهو اختصاصي إرشاد نفسي في الرقة، أن الأفكار المتشددة التي تركها تنظيم “الدولة” في مناطق خضعت لسيطرته ستبقى موجودة، طالما أن السلطات التي تدير المنطقة لم تعمل على إزالتها بالشكل المناسب.

وأشار إلى أن المنطقة التي سيطر عليها التنظيم بحاجة إلى مشاريع تنموية تخلق فرص عمل للشباب، لتبعدهم عن شبح البطالة، كي لا يكونوا لقمة سائغة من الممكن أن تُستخدم في إعادة إحياء تنظيم “الدولة”.

استطاع تنظيم “الدولة الإسلامية” خلال فترة سيطرته على مناطق في عدة محافظات سورية وعراقية بين عامي 2014 و2019، إخضاع السكان لا سيما الذكور منهم لدورات شرعية كان يُدرس فيه الفكر المتشدد الذي يتبناه التنظيم ليترك أثرًا ملحوظًا لتلك الأفكار حتى بعد زوال التنظيم.

ولا يزال التنظيم يشن عمليات داخل الأراضي السورية، إذ أعلن، في 15 من تموز الحالي، حصيلة عملياته على مدار أسبوع في مناطق انتشار خلاياه الأمنية حول العالم، وكما العادة، كانت لسوريا حصة منها تركزت في مناطق شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها “قسد”.

وبحسب الإعلان الذي نشره التنظيم عبر جريدته الرسمية “النبأ”، فإن التنظيم شن أربع عمليات في محافظة دير الزور، أسفرت عن مقتل ثلاثة عناصر من “قسد” وجرح آخر في بلدة ذبيان شرقي المحافظة.

عودة أشد خطرًا

تقاسمت قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية التابعة لها من جهة، و”قسد” مدعومة بالتحالف الدولي من جهة أخرى، مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” في محافظات الرقة ودير الزور وريف حلب الشرقي.

ونفذت قوات النظام والميليشيات الإيرانية العديد من المجازر بحق السكان، كما اعتقلت أعدادًا كبيرة من المدنيين في هذه المناطق، متهمة إياهم بالعمل ضمن صفوف التنظيم خلال فترة سيطرته على المنطقة.

وهي سياسة لا تختلف كثيرًا لدى القوات المدعومة أمريكيًا، إذ تشن حملات دهم واعتقال متكررة، يُقتل فيها مدنيون، وتعتقل آخرين بحجة الانتماء إلى التنظيم، ثم تعود للإفراج عنهم بوساطات عشائرية.

واعتبر الناشط الحقوقي جلال خضير، الذي ينحدر من مدينة الرقة، أن عودة تنظيم “الدولة” قد تكون أشد خطرًا على السكان المحليين، إضافة إلى إمكانية انتساب العديد من الشبان إلى صفوفه خشية سطوته من جهة، أو لأنهم لم يتخلوا عن الأفكار المتشددة التي زُرعت فيهم منذ عدة سنوات.

وأشار الحقوقي إلى أن وجود آلاف العناصر السابقين في صفوف تنظيم “الدولة”، من الموجودين في سجون “قسد” دون محاكمة، والذين تهدد بشكل غير مباشر بإطلاقهم حال تعرضها لهجوم متوقع من قبل تركيا، يثير أيضًا القلق من إمكانية عودة التنظيم.

وذكر الحقوقي أن هروب عناصر تنظيم الدولة من سجون “قسد”، قد يكون تكرارًا لسيناريو سجن “التاجي” العراقي الذي حدث 2013، وأدى إلى هروب سجناء إسلاميين من السجن، شكّلوا لاحقًا “الدولة الإسلامية” وسيطروا على عدة محافظات سورية وعراقية.

تتقاطع هذه المخاوف مع ما تراه واشنطن، إذ قال القائم بأعمال منسق وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، تيموثي بيتس، في بيان، في 14 من تموز الحالي، إن هناك ما يقرب من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف مقاتل غير سوري محتجزين في المنطقة، مع عشرات الآلاف من أفراد أسرهم في مخيمات النازحين.

وأضاف أن ترك المقاتلين وأفراد عائلاتهم في شمال شرقي سوريا ليس خيارًا قابلًا للتطبيق، فهنالك مخاطرة بهجرة هؤلاء الأفراد من صراع إلى صراع بطريقة تخلق فتنة جديدة وعدم استقرار في أماكن أخرى، وتهدد الأمن العام، وتشكّل تهديدًا على حياة المدنيين.

وذكّر بيتس بهروب كل من ناصر الوحيشي وقاسم الريمي، اللذين قادا تنظيم “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية طوال عقد بأكمله (منذ 2010)، من سجن الأمن السياسي المركزي في صنعاء.

وفي 2013، أطلق هجوم منسق سراح أكثر من 600 سجين، معظمهم من المقاتلين المتدربين من مركزي احتجاز “التاجي” و”أبو غريب” في العراق، بحسب المسؤول الأمريكي.

“قسد” تضع التنظيم على الطاولة

مسؤول في حزب “سوريا المستقبل” الذي يشكّل جزءًا من “الإدارة الذاتية”، قال لعنب بلدي، إن المخاطر بعودة تنظيم “الدولة” إلى المنطقة ترتبط بشكل مباشر بالتهديدات التركية بعملية عسكرية ضد “قسد” شمالي وشرقي سوريا.

ويرى المسؤول، الذي تحفظ على اسمه كونه لا يملك تصريحًا بالحديث لوسائل الإعلام، أن الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي مسؤولان بشكل مباشر عن ردع تركيا عن تنفيذ أي عمل عسكري ضد مناطق نفوذ “قسد”، كون التصعيد سيؤدي إلى فرار الآلاف من سجناء التنظيم.

وفي 19 من حزيران الماضي، نقلت وكالة “نورث برس” عن رئيسة “الهيئة التنفيذية” في “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، أن مسافة 30 كيلومترًا التي تتحدث تركيا عن السيطرة عليها تحوي سجونًا ومخيمات لعناصر تنظيم “الدولة” وعوائلهم.

واعتبرت أن العملية العسكرية تعني تهديد الأمن الإقليمي والدولي بشكل مباشر، متهمة تركيا بـ”تقويض الأمن الوطني للسوريين”، وأنها تخلق فرصة لإعادة إحياء تنظيم “الدولة” في سوريا.

وفي تهديد هو الأوضح من جانب “الإدارة”، نبّه نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لـ”الإدارة الذاتية”، حسن كوجر، المجتمع الدولي من عدم مسؤولية “الإدارة” عن سجناء تنظيم “الدولة” الموجودين في سجون شمال شرقي سوريا، قائلًا إنهم “سيُترَكون ليفعلوا ما يشاؤون”.

وفي تصريح لوكالة “هاوار“، في 8 من تموز الحالي، قال حسن كوجر مجددًا، إن على الجميع تحمّل مسؤولياتهم تجاه تنظيم “الدولة” والمخيمات التي تحوي عوائل مقاتلي التنظيم، ووصفها بـ”القنابل القابلة للانفجار”.


شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في الرقة حسام العمر

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا