تعا تفرج
رفقًا بالمجرمين أيها السادة
خطيب بدلة
قررتُ، أنا أخوكم، أن أتوقف عن الأخذ والرد في قضية جريمة المنصورة، باعتبار أن مسرحها مصر، ونحن سوريون، ينطبق علينا المثل: “اللي فينا مكفينا”، أو كما يقول أهل قرية حربنوش: كل واحد قيلتو معباية الشنتيان.
ولكن، ومن دون إنذار، ظهر لنا رجل سوري، وسيم الطلعة، ذرب اللسان، مقيم في اسطنبول، ونترنا بفيديو من كعب الدست، تحدث فيه عن حادثة قتل الفتاة بطريقة آسرة، وبمنطق متماسك، حتى إن عينيَّ، أنا الذي اعتدت القتل والقهر والعدوان، كادتا تغرغران بالدمع، من فرط التأثر. كلامه جعلني أزعل، بداية، على المغدورة نيرة نفسها، فالرجل، للأمانة، أبدى عليها أسفًا كبيرًا، وعزّى والديها الكريمين بوفاتها، وتمنى ألا يكون مثواها في مكان عادي من الجنة، بل في أعلى عليين. ولكنه، في الوقت نفسه، تعاطف مع قاتلها المسكين، محمد. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل دافع عن محمد لأنه قاتل؟ أبدًا، فالرجل قال بصراحة: أنا ضد القتل! ولكنه دعانا لإجراء حساب بسيط، وهو أن أمتنا، بهذه العملية، خسرت الفتاة نيرة، فهل هناك ما يدعونا لأن نُتبع ذلك بخسارة القاتل المسكين محمد؟ يعني، بدل الواحد نخسر اثنين؟ إهي إهي.
هنا، اسمحوا لي أن أشيل معه كتفًا، فأنقل إليكم مضمون كلامه، بطريقتي: المجرم “محمد”، أيها السادة، أخونا في الدين، وفي المذهب، وفي الإنسانية، وإن كان قد “أخطأ”، حينما اضطر، في لحظة غضب، أن “يقتل” الفتاة نيرة، فهي، كما يقولون، ساعة غضب، والشيطان الملعون يستغل غضب الإنسان، فيوسوس في صدره حتى يملأه بالحقد والكراهية، فيخطئ، اللهم عافنا، ويَقتل. عادية جدًا، بدليل السؤال الذي سأوجهه إلى حضراتكم: هل يوجد بينكم رجل واحد معصوم من الخطأ؟ وهل يستحق خطأ تافه كهذا (القتل) أن يَحكم القاضي على محمد بالإعدام، فيجعلنا نخسره هو الآخر؟
هنا ننتقل إلى نقطة منطقية أخرى، وهي السماح والمغفرة. إن الذين ارتكبوا فعل القتل، في تاريخنا، كثيرون جدًا، فهل حُكم عليهم جميعًا بالإعدام، ونُفذت بهم الأحكام؟ أبدًا. لماذا؟ لأنه يوجد في الحياة شيء اسمه الدية، أو الفدية، وقد علمنا أن هناك مَن دفع لأهل نيرة خمسة ملايين جنيه، مقابل أن يعفوا عن القاتل المسكين. بصراحة؟ هذا مبلغ صغير، وأنا (صاحب الفيديو) أدفع لكم عشرة ملايين جنيه، وأؤكد لكم أن هذا المبلغ قليل بالقياس مع المردود المعنوي الذي سيحصل عليه أهل نيرة فيما لو قبلوا عَرضي، ألا وهو المتعة التي سيحققونها من تطبيق المثل القائل: العفو من شيم الكرام. فتصور، أن تتسلّم عشرة ملايين من جهة، وينتقل تصنيفك إلى خانة الكرام من جهة أخرى!
لم يمضِ على بث هذا الفيديو سوى أيام قليلة حتى وردت الأخبار من ألمانيا، عن رجل عربي يحب امرأة، وطلبها بشرع الله ورسوله، فرفضت، فصار يضايقها، فاشتكت إلى الشرطة، والشرطة أخذت منه تعهدًا بألا يتعرض لها، فاضطر، المسكين، لقتلها مع امرأة أخرى، كانت ترافقها بالمصادفة. والسؤال الآن: ذلك المسكين “أخطأ” فقتل امرأتين، فهل نخطئ نحن، ونعدمه، فنخسر ثلاثة؟!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :