“يغفر الله للجميع إلا باجيو”، عبارة كُتبت على جدران الفاتيكان وسط العاصمة الإيطالية روما، وتناقلتها ألسن الشعب الإيطالي، ولازمت أسطورة كرة القدم الإيطالية، روبيرتو باجيو، بعد إهداره لركلة الترجيح “المشؤومة” في نهائي كأس العالم عام 1994، ورافقت سيرته حتى بعد اعتزاله.
وسط أنظار أكثر من 94 ألف مشجع، وعدد لا يحصى من متابعي وعشاق وجماهير كرة القدم في العالم، حمل روبرتو باجيو الكرة، في 17 من تموز، خلال نهائي مونديال عام 1994، لتنفيذ ركلة الترجيح الخامسة لإيطاليا أمام منتخب البرازيل، والتي أضاعها عاليًا ليقتل آمال إيطاليا باحتضان كأس العالم.
خذلان واحتضار
لم يقتل باجيو آمال إيطاليا وجماهيرها فحسب، إنما كانت ركلة الترجيح التي أضاعها بمثابة الرصاصة التي أصابته منذ اعتلت الكرة عارضة مرمى الحارس البرازيلي كلاوديو تافاريل، ليصبح باجيو رجل كرة القدم الذي مات واقفًا بعد تلك الركلة.
مضى 28 عامًا على خيبة الأمل الإيطالية، بحصد اللقب المونديالي الرابع حينها، والذي حققته بعد ذلك في مونديال 2006، لتثبت كرة القدم أنها لا تشفع لمن يبدع بها ويداعبها بمهاراته، فرغم اسم باجيو وعطائه الكبير، أسقطته ركلة واحدة دون رحمة، بعد أن كادت قريبة من تخليد اسمه في سجل الأساطير دون شوائب وخيبات.
كأنه يحتضر، بقي واقفًا للحظات قبل أن يجثو صاحب قصة الشعر الفريدة “ذيل الحصان المقدّس”، ناسفًا تألقه الكبير في موسم اعتُبر من أبرز وأفضل المواسم في تاريخه بعد مستويات لا يقدمها إلا الأساطير، أذهل بها متابعي وعشاق الساحرة المستديرة.
ركلة بنكهة الموت
بقميص كُتب عليه “R.BAGGIO” مصحوبًا بالرقم عشرة، وبأداء يرقى إلى وصف الأسطوري، حمل باجيو آمال الإيطاليين، باحثًا عن تحقيق أكبر أحلام المنتخبات، فحلم كأس العالم لا يضاهيه أي بطولة في عالم الجلد المدوّر.
وفي مباراة لازمها الحذر والحيطة، التقى فيها نجوم السامبا بمحاربي الآزوري، لم ترتقِ المباراة للمستوى المتوقع، ووصلت إلى ركلات الترجيح بعد تعادل سلبي دون أهداف، سجّلت البرازيل ثلاثة أهداف من أربع ركلات ترجيحية، منتظرة الركلة الخامسة لإيطاليا التي سجل لاعبوها هدفين من أصل أربعة.
زاد الضغط على باجيو الذي اختير ليسدد الركلة الأخيرة على أمل أن يكون سببًا في الحصول على كأس العالم بلمسته الأخيرة، ولكن أضاع لاعبو إيطاليا الركلة الأولى والرابعة، لتتحول الركلة من الأمل بالفوز إلى الأمل بإبقاء إيطاليا في المنافسة لركلة إضافية.
https://youtu.be/fpbkRApq9qY
صاحب “الدم البارد”، كما وصفه الخصوم قبل المحبين، تقدّم بضغط نفسي كبير وسدد الكرة متجاوزة المرمى عاليًا، معلنًا خسارة منتخب إيطاليا ونهاية الحلم ليشهد العالم أجمع وقفة باجيو التي كانت أبلغ من أي كلام، لتدل على ضياع حلم لاعب حارب من أجل التتويج بلقب المونديال.
كابوس وخيبات
على قدر الحب يكون الألم، إذ انقلب تشجيع الجماهير الإيطالية وعشقها لمن حمل آمالها، متحولًا إلى غضب ونقمة.
ولا تزال ذكرى ركلة الترجيح التي أهدرها باجيو تلاحقه بعد مرور سنوات، وذكر النجم الإيطالي في العديد من اللقاءات أنه لا ينسى ما حصل في ذلك النهائي.
الكلام عن كواليس مسيرة باجيو الكروية كثير، ومنها ما قاله لموقع “Football Italia” واصفًا ركلة الترجيح بـ”المشؤومة”، مضيفًا “ظلت تحضرني على مدى سنوات قبل النوم، إذ لم أسدد في حياتي الكروية أي ركلة جزاء فوق العارضة قبل تلك الركلة”.
وذكر باجيو عن خيباته ومعاناته في كرة القدم، بأنها “لحظات تعيسة مررت بها عندما كنت لاعبًا، ليس فقط بسبب الركلة التي أهدرتها في المونديال، وإنما لكثرة الإصابات التي أنهكتني، وكانت كابوسًا بالنسبة لي”، متابعًا “أذكر أنني طلبت من أمي بعد أول عملية جراحية، أن تقتلني لإنهاء معاناتي”.
وذكرت تقارير صحفية عن سبب عبارة “يغفر الله للجميع إلا باجيو”، هو أن باجيو اعتنق الديانة البوذية في الثمانينيات بعد مروره بأزمة نفسية نتيجة إصابة بالركبة هددت مسيرته، أدى ذلك إلى انقلاب الصحافة الإيطالية عليه إلى أن وصلت ادعاءاتهم عليه أن سبب ضياع الركلة هو أنه صلى لبوذا قبلها ولم يصلِ للمسيح.
مسيرة حافلة
بدأ باجيو مسيرته في عالم الجلد المدوّر في عام 1981، بانضمامه إلى نادي فيتشينزا، ولعب له لمدة أربعة أعوام حتى 1985، شارك في 36 مباراة، سجل خلالها 13 هدفًا، انتقل بعدها إلى نادي فيورنتينا، وشارك في 136 مباراة، سجل خلالها 55 هدفًا وصنع 21 هدفًا.
وفي عام 1990، انتقل إلى يوفنتوس ولعب 200 مباراة سجل خلالها 115 هدفًا وصنع 48 آخرين، وانتقل في موسم 1995-1996، إلى نادي إي سي ميلان، وفاز معهم بلقب الدوري الإيطالي، ليصبح أول لاعب في تاريخ الدوري يفوز بلقب الدوري مرتين متتاليتين مع فريقين مختلفين.
ولعب مع ميلان 67 مباراة سجل خلالها 19 هدفًا وصنع 25 هدفًا، لينتقل في عام 1997 إلى نادي بولونيا، ولعب في صفوفه 33 مباراة سجل خلالها 23 هدفًا وصنع تسعة أهداف.
انتقل باجيو بعدها إلى نادي إنتر ميلان، ولعب 58 مباراة، سجّل فيها 17 هدفًا وصنع مثلهم، وفي عام 2000، انتقل إلى نادي بريشيا، واستطاع أن يلعب معهم 101 مباراة، سجل خلالها 46 هدفًا، وصنع 25 هدفًا، حتى اعتزل كرة القدم في عام 2004 خلال مباراة تكريمه ضد المنتخب الإسباني في مدينة جنوى الإيطالية.
ويعتبر باجيو من اللاعبين القلائل الذين لعبوا ضمن صفوف أعرق الأندية الإيطالية، يوفنتوس وقطبي مدينة ميلان، إي سي ميلان، وإنتر.
في رصيد باجيو العديد من الجوائز الفردية والجماعية منها أفضل لاعب في العالم 1993 والحاصل على الكرة الذهبية حينها، وحصل على كأس الاتحاد الأوروبي مع يوفنتوس موسم 1992- 1993، وحصل معه على كأس إيطاليا موسم 1994- 1995، والدوري الإيطالي مع إي سي ميلان ويوفنتوس عامي 1995، و1996.
يعتبر باجيو (55 عامًا) أحد أفضل اللاعبين الذين أنجبتهم إيطاليا، لعب مع الآزوري 56 مباراة دولية، سجل خلالها 27 هدفًا، وصنع 13 هدفًا، وخاض مع منتخب إيطاليا ثلاثة نهائيات لكأس العالم أعوام 1990 و1994 و1998، بمجموع 16 مباراة سجّل خلالها تسعة أهداف، وصنّف كأكثر هدافي إيطاليا في كأس العالم مناصفة مع كريستيان فييري، وباولو روسي بنفس عدد الأهداف.