قبر جماعي لأكثر من 50 قتيلًا ولا حصيلة موثقة لأعداد القتلى
عشر سنوات على مجزرة التريمسة.. ما الذي اختلف على البلدة؟
يوافق اليوم الثلاثاء، 12 من تموز، الذكرى العاشرة لمجرزة التريمسة، التي نفذتها قوات النظام السوري في بلدة التريسمة، في ريف حماة الشمالي، وقُتل خلالها العشرات من أهالي القرية.
العملية بدأت في الخامسة من فجر يوم الخميس، 12 من تموز 2012، حين حاصرت قوت النظام البلدة وطوقتها من محاورها الأربعة، (طريق قرية الجلمة من الشمال، والجديدة وكفرهود من الشرق، وخنيزير “دامس” من الجنوب الشرقي، والصفصافية من الغرب)، مانعة الأهالي من مغادرتها أو النزوح للقرى المجاورة.
وكان سقوط أولى القذائف في تلك الساعة على “المدرسة الشمالية”، (مدرسة لمرحلة التعليم الأساسي، تقع شمالي البلدة، اتخذها عناصر مسلحي المعارضة في تلك الفترة مقرًا لهم)، إيذانًا ببدء المعركة التي استمرت لنحو 14 ساعة.
استقدم النظام تشكيلات عسكرية كبيرة العدد والعتاد، من دبابات وعربات ناقلة للجند ومدرعات، قبل قصف البلدة التي تعتبر خط تماس طائفي في ريف حماة مع قرى أخرى.
كما انخرطت البلدة منذ بداية الثورة في الحراك السلمي المطالب بإسقاط النظام، عبر مظاهرات أسبوعية، وإضرابات ضيقة النطاق.
شهدت البلدة اشتباكات استمرت لساعات طويلة بين قوات النظام، وقوات المعارضة المسلحة، تخللها فترة توقف إطلاق نار لنحو ربع ساعة (فترة غداء لعناصر قوات النظام).
ترافقت الحملة مع انقطاع في الماء والكهرباء، كما استمرت الاشتباكات حتى انسحاب قوات النظام من البلدة في المساء (حوالي الساعة الثامنة)، ليجمع الأهالي جثث قتلاهم في مسجد البلدة الكبير الذي طال القصف مئذنته أيضًا.
وتتضارب أعداد القتلى خلال مجزرة التريمسة، إذ تتحدث الأرقام عما يتراوح بين 200 و300 قتيل من الأهالي، كما أن قبرًا جماعيًا حفره الأهالي، ضم حوالي 50 قتيلًا من أبناء القرية، منهم طبيب القرية حينها، منصف فيصل الناجي.
وبعد المجزرة نُقلت جثث بعض القتلى إلى قرى أخرى أيضًا، باعتبار أن بعضهم كان من مناطق مجاورة.
“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أكدت صعوبة التحقق من أعداد القتلى بسبب دفن ما يقارب 120 جثة، 40 منها لم يتعرف عليها الأهالي بسبب إحتراقها، إلى جانب سحب قوات النظام بعض الجثث وعدم تسليمها، ووجود عدد من المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم منذ ذلك الوقت.
ووثقت “الشبكة” حينها حالات قتل تعرض لها مدنيون في البلدة، نقلًا عن شهود عيان، ومنهم رجل في العقد السابع من العمر، وُجد مقتولًا بالرصاص على الأطراف الشمالية من البلدة في منطقة زراعية تسمة “أراضي السميرة”، إلى جانب حالات إحراق طالت جثثًا جرى التعرف على بعضها فقط.
النظام من جانبه أنكر على لسان المتحدث باسم الخارجية حينها، جهاد مقدسي، صلة قواته بالمجزرة، مشككًا بأرقام القتلى وبحصار البلدة، على اعتبار أن مساحة التريمسة لا تتعدى 2 كيلو متر، وفق رأيه.
وبعد وقت قصير بث الإعلام الرسمي تسجيلات مصورة لـ”اعترافات” بعض أبناء القرية ممن اعتُقلوا يوم المجزرة، و”أقرّوا” بفبركة تسجيلات مصورة حول بعض المجازر، وبينهم طبيب بشري.
إدانة بلا عقاب
وكان النظام عرقل بداية وصول المراقبين الدوليين إلى البلدة لمعاينة ما تعرّض له الأهالي، قبل السماح بدخولهم فيما بعد، ليصدروا بدورهم تقريرًا اعتبر المجزرة امتدادًا لعملية لـ”القوات الجوية السورية”، ووصفها بأنها “الأسوأ” منذ اندلاع الثورة التي كان مضى على انطلاقها 16 شهرًا.
المجزرة تبعها ردود فعل دولية وعربية منددة، وإدانات واسعة، إذ طالب حينها الأمين العام لجامعة الدول العربية في ذلك الوقت، نبيل العربي، مجلس الأمن الدولي، بإصدار قرار وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لحفظ الأمن في سوريا.
كما نددت كل من قطر ومجلس التعاون الإسلامي بالمجزرة.
الولايات المتحدة استنكرت على لسان وزيرة خارجيتها حينها، هيلاري كلينتون، بالمجزرة، ودعت لإنهاء حكم بشار الاسد.
كندا والاتحاد الأوروبي أيضًا أدانا المجزرة التي تعرضت لها القرية، إلى جانب تحذيرات أممية من عجز مجلس الأمن عن اتخاذ موقف موحد للضغط على رئيس النظام السوري، لإيقاف العنف، معتبرة ذلك “ترخيصًا لارتكاب مزيد من المجازر”.
كيف الحال؟
تقع بلدة التريمسة اليوم ضمن مناطق سيطرة النظام، في الوقت الذي يعيش به أكثر من نصف سكانها في مخيمات الشمال السوري.
وفي الوقت نفسه، فالبلدة تشهد اكتظاظًا سكانيًا يطغى النازحون إلى القرية على تركيبته، مع وجود حالات استيلاء على منازل لبعض أنباء القرية ممن نزحوا إلى الشمال السوري، وومن يُعرفون بمعارضتهم للنظام السوري.
عنب بلدي تواصلت مع أحد بناء البلدة، (رفض الكشف عن اسمه لاعتبارات اجتماعية)، وبيّن أن البلدة تعيش أيضًا حالة من الفلتان الأمني والصراعات الأهلية التي يمكن أن تتطور لإطلاق نار ووقوع إصابات، دون تدخل من قوات الأمن التابعة للنظام لمنع هذه الاقتتالات.
وعلى المستوى الاجتماعي، تهيمن بعض العائلات الكبيرة على قرار القرية وأسلوب الحياة فيها، يأتي ذلك في ظل واقع معيشي وخدمي غير مناسب، باعتبار أن أحد فرني الخبز في القرية متوقف عن العمل منذ أسابيع، وأن مياه الشرب تأتي لساعة واحدة كل يومين، إلى جانب تقسيم القرية لقطاعات لا تصل المياه إليها في اليوم نفسه، بل بالتناوب.
كل هذه الظروف التي تجري على عين النظام، فتحت الباب على رغبات مدفونة بالثأر والانتقام لأشخاص قُتلوا قبل سنوات، ما يهدد السلم الاجتماعي في البلدة، ويعيق الناس عن تأمين لقمة عيشها في ظروف اقتصادية صعبة على معظمهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :