دكتاتورية مشتركة تُقرّب بين سعيّد والأسد

  • 2022/07/10
  • 3:51 م
رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس التونسي قيس سعيد (تعديل عنب بلدي)

رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس التونسي قيس سعيد (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – أمل رنتيسي

منذ إثارته أزمة سياسية في تونس، في 25 من تموز 2021، تمثّلت بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان، بدأ الرئيس التونسي، قيس سعيّد، سلسلة من الإجراءات سعى فيها إلى احتكار السلطة عبر توسيع صلاحياته التنفيذية والتشريعية، وهو ما يثير مخاوف من تحول النظام في تونس إلى الدكتاتورية بعد الذي خاضته عام 2011.

سعيّد وخلال أي مناسبة يصف المعارضة التونسية بالعمالة أو الخيانة، قائلًا إن “من يتخوّف من الدكتاتورية هم ذاتهم من عاثوا في الأرض فسادًا”، بحسب ما جاء على لسانه في كلمة ألقاها بمناسبة عيد الأضحى، مساء 8 من تموز الحالي، وبذلك يتشابه استخدامه لهذه المصطلحات مع ما كان يتردد على لسان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في انتقاده للثورة ومعارضيه ووصفهم بأنهم “حثالة” و”عملاء للغرب” و”خونة”.

وكان سعيّد نقل للأسد عبر وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، على هامش احتفال الجزائر في الذكرى الـ60 لاستقلالها، التحية التي جاءت في سياق عرضه التقارب بين الإنجازات التي حققها الطرفان “ضد قوى الظلام”، حسب سعيّد.

تناقش عنب بلدي في هذا التقرير التحولات التي طرأت على العلاقة بين تونس والنظام السوري في عهد سعيّد، ومصلحة الطرفين من تقارب محتمل، إضافة إلى العوامل الداخلية والدولية والمقاربات المتاحة.

 ديمقراطية تُترجم بـ”ظلام”

سمى سعيّد الإجراءات التي اتخذها، في 25 من تموز 2021، “تدبيرات استثنائية” جاءت على خلفية أزمة سياسية واقتصادية، وفجرتها الأزمة الصحية وارتفاع عدد وفيات فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، إلا أن بعض الأحزاب التونسية وصفت هذه الحركة بـ”الانقلاب“.

وأبدت الخارجية السورية حينها دعمها لسعيّد، قائلة، “سوريا تشدد على أحقية الشعوب في تقرير مصيرها، والدولة الشرعية في تونس والشعب التونسي قادران على الانطلاق إلى مستقبل يقرره التونسيون أنفسهم”، معتبرة أن ما حصل في تونس هو في “إطار الدستور الذي صوّت عليه الشعب التونسي”.

وبعد عدّة مراحل منذ إعلان هذه “التدبيرات”، مرّت تونس بسلسلة من التخبطات السياسية الحادة إثر إجراءات استثنائية بدأ سعيّد فرضها، منها حلّ البرلمان، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وحلّ المجلس الأعلى للقضاء، إلى أن وصلت اليوم لعرض سعيّد مشروع دستور جديد مقرر طرحه في استفتاء شعبي يتضمّن 142 مادة تمنح سلطات واسعة لرئيس الجمهورية، خلافًا لدستور 2014 الذي كان ينص على نظام شبه برلماني، إذ وصفت المسودة الأولى بأنها “تمهد الطريق لنظام دكتاتوري مشين”.

وتندد المنظمات الحقوقية، من بينها “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، بقرارات سعيّد، وبالنهج الذي يعتمده إزاء أحزاب سياسية، وترى الكثير من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، أن الرئيس التونسي ينفرد بالسلطة ويخالف المبادئ التي من أجلها قامت ثورة 2011.

وحول مقاربة سعيّد للتقرب من النظام السوري، يرى الباحث السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، أن هناك إيمانًا مشتركًا بين الطرفين بسردية “مواجهة قوى الظلام” وهي القوى التي تسعى لتعزيز الديمقراطية.

لكن بالنسبة لهذه الأنظمة، فإن التفاعلات السياسية المحلية هي أسيرة ثنائية تفرضها وتصنفها بين خيارين، إما “إرهابي” وإما “مؤيد للنظام”، بمعنى آخر، هي انعكاس ثنائية الاستبداد الذي يفرض القوة أو الدولة البوليسية مقابل التحرر وبالتالي الذهاب باتجاه الفوضى، بحسب ما قاله طلاع لعنب بلدي.

وأضاف أن هذا يصب في دعم التقارب وتعزيز سردية النظام التونسي في سلسلة الإجراءات التي قام بها، خاصة فيما يتعلق بالدستور، والتي أدت بنهاية المطاف إلى تعزيز منطق “الرجل الواحد” أو الدولة الدكتاتورية والاستبدادية التي يستبد فيها الشخص بجميع السلطات المحلية.

العامل الآخر هو مرتبط بالحالة “الحزبية القومجية” التي تجد نفسها تيارًا يلتقي مع دمشق بخطابات ضد ما يُعرف بـ”الإمبريالية” وغيرها، وهذا سببه ضرورة وجود دعاية سياسية تشكّل رافعة للحكم، وهنا يشكّل العامل “القومجي” باعتباره عاملًا مشتركًا لخطاب ودعاية مشتركة بين النظام السوري والرئيس التونسي.

كيف تتمثّل مصلحة النظام بهذا التقارب؟

يركّز النظام السوري على مسار يمهّد عودته للحاضنة العربية، مثلما كانت الحال قبل عام 2011، وخطت بعض الدول العربية مثل الإمارات وعُمان والبحرين والجزائر هذه الخطوات، في ظل اقتصار بعض البلدان العربية على النأي بنفسها عن دعم واضح للنظام، والاقتصار على تمثيلات دبلوماسية بسيطة أو بعض التبادلات التجارية، في ظل العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة عليه.

وأبدى الأسد خلال مقابلة مع قناة “روسيا اليوم“، في حزيران الماضي، توددًا سياسيًا للعرب عمومًا وللجزائر تحديدًا، التي استضافت المقداد، في 4 من تموز الحالي، فنفى الأسد وجود أحقاد سياسية على الدول العربية، معتبرًا ما جرى في سوريا “من الماضي”، مشيرًا إلى أن العلاقات بين سوريا والدول العربية لم تتبدل في المضمون، بل شكليًا فقط.

وركّز أيضًا على الأهمية التي تمنحها الجزائر للقمة العربية المُرتقبة، معتبرًا أن الوزن الوحيد لهذه القمة أنها ستُعقد في الجزائر، مبررًا موقفه بثبات العلاقة مع الجزائر منذ سبعينيات القرن الماضي.

وحول مصلحة النظام من تقارب محتمل مع تونس، لا يعتقد الباحث السياسي معن طلاع أنها ستشكّل فارقًا كبيرًا، لأن قضية التطبيع مع النظام اليوم ليست مرتبطة بإيجاد شرعية له خارجية فقط، لأن هذه الشرعية بنهاية المطاف مرتبطة بـ”فيتو” أمريكي وأوروبي، يجعل أي تمدد في محور التطبيع أسير تفاعلات سياسية ضيقة إلى حد هذه اللحظة.

فقراءة المصالح المشتركة بين سوريا وأي بلد الآن تأتي ضمن منظار أعمق من منظار تشكيل أو تمثيل أو اعتراف دبلوماسي، وفق طلاع، الذي أشار إلى أن ما يحتاج إليه النظام السوري الآن هو رفع العقوبات ورفع الخطوط الحمر عن إعادة الإعمار، وبالتالي إزالة العقوبات وانخراط أكثر في المجتمع الدولي بتحديات ما بعد الحرب، وهنا يكون قد تجاوز أزمته الداخلية، لذلك تبقى كل محاولات التمثيل الدبلوماسي بين الأطراف ضمن الأطر الشكلية إن لم ترتبط بحركة تجارية اقتصادية تنموية.

روسيا عامل مشترك

تشكّل روسيا عاملًا مشتركًا بين حليفها، النظام السوري، وبين أغلبية الدول التي تدعمها، وعلى صعيد المغرب العربي، يُعرف بأن الجزائر “حليف استراتيجي وتاريخي” لروسيا، كما صوّتت مع النظام السوري ضد قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وضمن ذات السياق، أعلن السفير التونسي في موسكو، طارق بن سالم، أواخر نيسان الماضي، أن البعثة الدبلوماسية بالسفارة التونسية، تعمل على تنظيم زيارة الرئيس التونسي، قيس سعيّد، إلى روسيا في أقرب وقت ممكن، لكن الزيارة المرتقبة تم نفيها في وقت لاحق على لسان سفير تونس لدى الكونغو، عادل بوزكري الرميلي، قائلًا، “لا تزال روسيا شريكًا تاريخيًا لتونس في عدة مجالات، ومن الطبيعي أن يأمل السفير في تطوير العلاقات التونسية- الروسية، بل إن من واجبه العمل على هذا”.

وبحسب ما نقلته صحيفة “العربي الجديد“، “دافع عدد من الناشطين في تنسيقيات مناصرة للرئيس التونسي عن خبر الإعلان عن الزيارة، معتبرين أنها ستحدث توازنات جديدة لفائدة تونس بتوجهها شرقًا نحو تمتين علاقتها بروسيا، ومن شأنها أن توقف سلسلة التحذيرات الغربية المنتقدة للمسار السياسي الذي أقرّه سعيّد في تونس”، خاصة بعد انتقاد إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، استحواذ سعيّد على السلطة.

بينما نقلت صحيفة “القدس العربي“، في 11 من أيار الماضي، عن صفحات اجتماعية صورًا للعديد من المتظاهرين من أنصار قيس سعيّد وهم يحملون أعلامًا روسية وصورًا للأسد.

وبالنسبة للتوجه التونسي باتجاه موسكو، قال الباحث السياسي معن طلاع، لعنب بلدي، إن هذا التوجه يأتي ضمن سياسة اليوم بالتوازن في إدارة المحاور، خاصة أن القوى التي تدعم أو تحالف روسيا تطمح بمخيلتها للوصول إلى تشكيل محور شرقي يوازن المحور الغربي وبالتالي يعيد المشهد السياسي الإقليمي إلى الحرب العالمية الباردة.

فزيارة سعيّد التي أُعلن عنها قد تأتي لإدارة التوازنات في علاقة تونس مع القوى الدولية، ولا سيما أن استقرار النظام الدولي أو إعادة تشكيله مرتبط الآن بـ”الغزو” الروسي لأوكرانيا وتداعياته ونتائجه، ولذا يجعل هذا التوجه إلى موسكو دولة تونس لديها خيارات متعددة وليس فقط خيارات مرتبطة في الدول الإقليمية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، حسب طلّاع.

ويعتقد الباحث أن الرسالة الكبرى في كل هذه التحركات التي يقوم بها الرئيس التونسي هي بناء مُمنهج لدولة مستبدة يسيطر فيها الرئيس على مفاتيح السلطة المحلية ويعظم سلطاته التشريعية والقضائية والأمنية، وهذا بنهاية المطاف يعزز من فرصة بقائه في الحكم عبر تضييق مساحات الفعل على القوى المناوئة له في الداخل التونسي، وله في النموذج المصري مثال، وفي النموذج السوري مثال آخر.

لكن بشكل عام، لا تشكّل خطوة تونس تجاه النظام السوري في المدى المنظور مسارًا ذا جدوى ينعكس في جدوى وفاعلية على النظام السوري نفسه، لأنها مرتبطة بأسئلة النهضة الداخلية لدى النظام، وفق طلّاع، وهذه الأسئلة مرتبطة بعقوبات أمريكية وأوروبية تمنع النظام التصدي لأزمات ما بعد الحرب والاستمرار بالتدهور الاقتصادي والتنموي المحلي وهذا عائق على مستوى إعادة تشكيل بنية النظام الداخلية وشبكاته المحلية من جديد، وبالتالي الاستمرار في فكرة الدولة الفاشلة

مقالات متعلقة

  1. قيس سعيّد يحيّي الأسد عبر المقداد: حققنا إنجازات ضد قوى الظلام
  2. إقالات بالجملة.. ما أبرز التطورات في تونس؟
  3. من محمد المهذبي.. سفير تونس لتطبيع العلاقات مع دمشق
  4. النظام يقرر إعادة فتح السفارة السورية في تونس

سوريا

المزيد من سوريا