عروة قنواتي
ليالي الأنس في فيينا، أغنية شهيرة خلّدتها مكتبة الفنون العربية للراحلة أسمهان الأطرش في فيلم “غرام وانتقام”، وعاشت في أذهان وقلوب المتابعين والمستمعين سنوات وسنوات، وما زال صداها يتردد في الجيل الجديد لمن يهوى الطرب والإحساس والموسيقا الجميلة. تجاوزتُ حدودي مقتبسًا عنوان الأغنية، ووضعتُ ويمبلدون مكان فيينا، تجاوزتُ حدودي لكي أكتب بعض الكلمات وبعض الأسطر بحق من قطعت الحدود ورسمت خطوطًا وأحلامًا جديدة للرياضة العربية، لمن كسرت القواعد التقليدية في المشاركات العربية الخجولة ورفضت الاكتفاء بـ”المشاركة المشرفة”، لتكون الألق بعينه والتفاؤل في أبهى صوره والنصر والفوز في أحلى لياليه. الأنس وصلت إلى نهائي ويمبلدون، ليالي الأنس في ويمبلدون.
من سوء حظي، وفي مختلف المناسبات الرياضية العالمية أن أقوم بكتابة وتسليم زاويتي الرياضية في الصحيفة يوم السبت، وقبل ظهور النتيجة النهائية للمسابقة أو المباراة، وهذا ما يحصل الآن، فعند نشر الزاوية تكون بطولة ويمبلدون قد انتهت ومنصة التتويج استقبلت الأميرة الفائزة في المباراة النهائية، التي تجمع وزيرة السعادة التونسية أنس جابر مع اللاعبة الكازاخية إلينا رايبيكانا، فتدور المشاعر والأفكار والتوقعات، هل تكون أنس جابر أميرة ويمبلدون لأول مرة في تاريخ تونس والرياضة العربية وإفريقيا أم أنها ستكتفي بالمركز الثاني؟ لا، بالتأكيد ستكون على منصة التتويج وستصبح المصنفة الأولى على العالم قريبًا جدًا.
الفتاة الجميلة، المحترفة، محطمة الأرقام، فخر العرب، وزيرة السعادة، كل هذه الألقاب لأنس جابر صاحبة الـ27 عامًا والتي دخلت قلوب الملايين في تونس والدول العربية والعالم خلال أشهر قليلة، وفي الأيام الماضية أذهلت المتابعين بجولات التحدي في مستوى الانتصارات والتحضير والجهد لكل مباراة، في الفوز على الخصم بأسلوب الكبار، ليفخر كل من يتابعها بولادة نجمة لن تقف بأحلامها عند بعض البطولات بأسلوب الطفرة، بل إنها قادرة وجاهزة للصعود إلى كل المنصات في البطولات الأربع الكبرى برياضة كرة المضرب لسنوات طويلة.
أنس جابر التي دخلت في التصنيف الدولي بين أفضل 50 لاعبة على مستوى العالم قبل عامين، قفزت في صيف العام 2021 إلى المركز الـ27 باحترافية عالية، لتصل في مطلع العام الحالي إلى المرتبة العاشرة وتبدأ بالصعود على سلم الترتيب في كل بطولة تحققها أو تكون الوصيفة فيها، وها هي الآن تنهي الرتوش الأخيرة في المرتبة الثانية قبل تربعها على صدارة التصنيف الدولي، وإنهاء سنوات طويلة لاحتكار طويل لدول بعينها في صدارة التصنيف.
لن يكفي الوقت ولا الزاوية لاستعراض نتائج النجمة العربية، ولا تكفي السطور للحديث عن أهم المباريات واللحظات الجميلة والمحزنة في مشوار أنس جابر، إلا أنني على ثقة كاملة، بأن ويمبلدون بداية مشوار أنس جابر، وحلم وزيرة السعادة لن يقف في هذه الجولة ليقال عنه “قد تحقق وكفى”، أبدًا، أحلام الأنس تبدأ في ليالي ويمبلدون وتمضي لتستحوذ في مقبل الأيام وفي المسابقات الكبرى على أكبر الجوائز والألقاب.
من حق تونس أن تفرح وتفخر بالنجمة المتألقة، ومن حقنا وبل من واجبنا أن نشجعها وأن نتمنى لها التألق والتطور والفوز، أنس جابر سجلت اسمها ووضعت صورتها إلى جانب: غراف، سيليش، ويليامز، هينغز، كارانيكوفا، وشارابوفا، لتتابع طريقها نحو أقوى البطولات وأعلى الأرقام والجوائز.
يا جماعة الخير، لم نشاهد في السنوات السابقة ما يبشر أو يزرع الأمل لو لمرة واحدة بأن يكون المنافس العربي، رجالًا أو سيدات، في مستوى عظماء اللعبة والأسماء المحترفة والمهمة التي تحظى بشعبية هائلة في العالم. منذ أكثر من 40 عامًا ونحن نسمع ونتابع ونسعد بتشجيع وانتصار أساطير “التنس” في العالم ومبارياتهم المذهلة، ولم نشعر يومًا بأن للعرب قدرة في هذا التحدي ولو لمباراة واحدة.
شكرًا للأيام والسنوات التي سمحت لنا بمتابعة هذه الفتاة المحترفة، بإصرارها وعنفوانها، بقدرتها على الفوز، بتواضعها وجمالها. مبارك من القلب!
وكل عام وأنتم بألف خير.