هل الأموال وراء تحويل المدن الجامعية السورية إلى “هيئات مستقلة”

  • 2022/07/10
  • 10:04 ص
مدينة "باسل الأسد" الجامعية في محافظة حمص (صفحة المدينة في فيس بوك)

مدينة "باسل الأسد" الجامعية في محافظة حمص (صفحة المدينة في فيس بوك)

عنب بلدي– جنى العيسى

أثار إصدار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 4 من تموز الحالي، قانونًا يقضي بتحويل المدن الجامعية إلى هيئات عامة ذات طابع إداري “مستقلة ماليًا وإداريًا”، التساؤلات حول هدف القرار وجدواه في ظل الفساد الذي تعانيه مؤسسات الدولة، ومدى انعكاسه بصورة “إيجابية” على الطلاب.

وبحسب نص القانون، تُحدث هيئة عامة ذات طابع إداري باسم المدينة الجامعية، تتمتع بـ”الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري”، في كل محافظة محدث فيها جامعة من الجامعات الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الجامعات رقم “6” لعام 2006 وتعديلاته، وترتبط برئيس الجامعة.

ويتولى إدارة المدينة الجامعية مدير عام للمدينة (يسمى بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير التعليم العالي)، ومجلس إدارة عام (مؤلف من: رئيس الجامعة، نائب رئيس الجامعة لشؤون الطلاب، المدير العام، معاون المدير العام، ممثل عن “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” يسميه المكتب التنفيذي للاتحاد سنويًا).

القرار نتج عن مقترحات متراكمة

بموجب القانون، يعتبر مجلس الإدارة السلطة المختصة برسم السياسة العامة للمدينة الجامعية، ووضع الخطط التي تحقق أهدافها، ويعد مسؤولًا عن إقرارها وحسن تنفيذها ضمن أحكام القوانين والأنظمة النافذة، منها أنظمة قبول الطلاب، وشروط الإقامة ونظام الانضباط في المدينة، ووضع قواعد المفاضلة بين الطلاب للإقامة، والموافقة على بناء وحدات سكنية أو مرافق ملحقة بالمدينة الجامعية، بالإضافة إلى إقرار الموازنة السنوية للمدينة الجامعية، وتوزيع الاعتمادات المخصصة لها على مختلف البنود، ورفعها إلى وزارة التعليم العالي.

واعتبر المستشار السابق لوزير التعليم العالي، الدكتور أحمد الحسين، أن القانون جاء بناء على مقترحات متراكمة منذ عشرات السنوات، نتيجة الفساد الكبير في المدن الجامعية وطريقة إدارتها والتدخلات الأمنية التي تعتبر أن من حقها فرض إرادتها على مديري المدن الجامعية في عموم المحافظات.

ويرى الحسين، في حديث إلى عنب بلدي، أن المدن الجامعية هي سكن للطلاب، لكنها في الوقت نفسه كانت خلال السنوات الماضية تضم في وحداتها السكنية أكثر من 10% من الأشخاص الذين لم يكونوا طلابًا يدرسون في الجامعات.

ومن شأن التوصيف الإداري الجديد للمدن الجامعية، بحسب الحسين، أن يتيح “الحرية” لإدارة المدينة الجامعية للاهتمام بشؤونها الخاصة وتطوير مرافقها وضبطها بعيدًا عن ميزانية الجامعة.

كما يمكن أن يسهم القانون الجديد بأن تكون الصلاحيات والتوصيف الإداري للهيئة العامة مختلفًا عن الوضع السابق، الذي كان فيه مدير المدينة الجامعية موظفًا يُقترح اسمه من فرع حزب “البعث”، ويُدار من قبل الأجهزة الأمنية.

نظريًا “جيد”.. عمليًا “لن يحدث فرق”

أوضح الدكتور أحمد الحسين، أن القانون “نظريًا” من شأنه تطوير العمل الإداري والخدمي في المدن الجامعية، الأمر الذي من الممكن أن ينعكس بشكل إيجابي على الطلاب، كون مجلس الإدارة مهمته رسم السياسات العامة، بينما يترتب على المدير التنفيذ، وهي سياسة متبعة في عدد كبير من المعامل والهيئات والمؤسسات في سوريا.

لكن ذلك كله لن يطور العمل في المدن الجامعية بمناطق سيطرة النظام، بحسب ما أوضحه الدكتور الحسين، لسببين رئيسين، أولهما “ثقافة الفساد” المرتبطة بالمدن الجامعية والتي من أبرز سلوكياتها: تأمين سكن لطالب بدلًا من طالب آخر، تخصيص غرفة كاملة لطالب واحد، منح الغرف لغير مستحقيها، تشكيل عصابات لـ”تطفيش” الطلبة المتميزين، بالإضافة إلى السمسرة والرشى والواسطات والمحسوبيات.

بينما يتجلى السبب الثاني، برأي الحسين، بأن سوريا بلد خارج من آثار حرب ودمار قاده النظام السوري، وفي مثل هذه الحالة في مراحل ما بعد النزاع، لا يمكن أن تنتج مؤسسات صحيحة أو سليمة أو صحية، لأن ثقافة النزاع وما بعده هي ثقافة “ميليشياوية وحربية”، تكون الكلمة الأبرز فيها هي لصاحب البندقية، ومن يقف بوجهه تتم تصفيته، بحسب تعبيره.

تقع سوريا في المرتبة 178 في قائمة التقرير السنوي لمؤشرات “مدركات الفساد” الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد في 180 دولة حول العالم.

وتعاني معظم الوحدات السكنية في المدن الجامعية بمناطق سيطرة النظام من ضعف في الخدمات، وهي بحاجة إلى عمليات ترميم.

ويدفع الطالب المقيم في السكن الجامعي رسمًا سنويًا رمزيًا، لكن الطلاب يشتكون من تدني مستوى النظافة في المباني، بالإضافة إلى حصول أشخاص على غرف في السكن من دون أن يكونوا طلابًا، وذلك عن طريق معارفهم في “اتحاد الطلبة”.

ويتشارك ثلاثة طلاب على الأقل غرفة واحدة ضمن السكن، وربما يصل العدد إلى خمسة طلاب في ظل خدمات متدنية، ما يدفع طلابًا وافدين إلى الجامعة من المحافظات الأخرى إلى استئجار منازل خارجها.

تعزيز كفاءة الإدارة أم نهج لتعويض الديون؟

في دراسة لمركز “جسور للدراسات”، أشارت إلى هدف النظام السوري من تحويل المدن الجامعية إلى “هيئات مستقلة” قد يكون جزءًا من سياسته المتبعة للبحث عن آليات لتنويع مصادر الحكومة “في سبيل رد الدين المتراكم لحلفائه، وتعزيز قدرة الحكومة على الاستمرار في تقديم أعمالها”.

وشهدت مرحلة إنشاء الهيئات العامة انقطاعًا ملحوظًا في سوريا، وهي تقسم إلى مرحلتين، الأولى كانت تتعلق بتحسين كفاءة مؤسسات الحكومة وتحسين قدرتها على الإدارة، والثانية تمثّلت بتحسين موارد الدولة، بحسب الدراسة، مستدلة بذلك على أمرين هما:

طبيعة الهيئات المنشأة قبل 2011 والتي حملت طبيعة إدارية لتحسين واقع القطاع، كما هي الحال في “هيئة التمويل العقاري” و”هيئة تنمية البادية السورية”، وطبيعة الهيئات المنشأة مؤخرًا كهيئة لإدارة كل مدينة جامعية، وهيئة لإدارة مستشفى بحد ذاته، وهيئة لإدارة الثروات السمكية على مستوى فرعي في كل منطقة.
السياق العام الذي حمله تأسيس الهيئات العامة مؤخرًا، والذي يأتي وسط حملة إصلاح مالي وتنويع مصادر الحكومة من خلال تخفيض الدعم ورفع الضرائب واستحداث رسوم عامة.
وأشارت الدراسة إلى أن الهيئة العامة تعد وكالة منشأة من قِبل الحكومة في سبيل تعزيز الاقتصاد لتحقيق أغراض عامة، ووفقًا لهذا المبدأ، تعمل الهيئة العامة خارج الإطار الحكومي “المُعقّد” في سبيل تحقيق موارد وخدمات جيدة وذات كفاءة تنعكس على المستفيدين خدميًا، وعلى الحكومة ماليًا، وعلى الاقتصاد من ناحية استحداث قطاعات جديدة.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع