العَدّاءة المصرية بسنت والسلفيون

  • 2022/07/10
  • 10:15 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

حينما تلحُّ على مواطن مصري، وتعيدُ عليه نفس الأسطوانة المملة، كل يوم، وكل دقيقة، وكل ثانية، فإنه يزفر، ويقول لك: وبعدين معاك؟

أول سؤال يمكن أن يخطر ببالك، أيها القارئ الكريم، هو: شو المناسبة؟ ولمن نقول الآن: بعدين معاك؟ يا سيدي، إنني جائيك بالحديث، ففي الأسبوع الماضي، وبعدما انتهت محاكمة قاتل الفتاة المصرية نيرة أشرف، عاد أعداء المرأة، المدافعون عن ضرورة الإجرام بحقها، إلى تحريك القضية بطريقة مراوغة، ففجأة، صار أهل المغدورة نيرة يتلقون اتصالات هاتفية من أرقام مجهولة، والمتصلون يعرضون عليهم مبلغًا كبيرًا من المال، وصل إلى خمسة ملايين جنيه، لقاء تنازلهم عن هذه القضية. (كيف يتنازلون والحكم بإعدام القاتل صدر؟).

المهم، ضمن هذه “المعميكة” الرهيبة، فازت العَدّاءة المصرية بسنت حميدة بالجائزة الذهبية في منافسات الجري 100 متر، بدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي أُقيمت مؤخرًا في الجزائر. تصور يا رعاك الله، لم ينل هذا الفوزُ إعجاب الإخوة السلفيين في مصر، ولم يسرهم أن تحقق بلدُهم فوزًا رياضيًا مهمًا، ولا رفعُ علم مصر في مسابقة دولية مهمة كهذه، كل ما هَمَّهم، في هذا الأمر، أن السيدة بسنت شاركت في المسابقة وهي ترتدي “الشورت”!

المضحك في هذا الموضوع، سيدي، هو أن حضرتك تتخيل المتسابقة العَدّاءة بسنت تركض مثل السهم المنطلق من قوسه، وهي ترتدي الملاءة اللف، أو الملحفة التي يسميها أهل إدلب “الخراطة”، أو بنطالًا قماشيًا فضفاضًا، فالجينز عند السلفيين ممنوع، لأنه يظهر المفاتن، وخصوصًا الكعبين، وفي أثناء الجري تتفشكل المسكينة، وتتكعبل، وتقع على وجهها، وإلى حين وصول سيارة الإسعاف لحملها، يكون الذي فاز قد فاز، والذي خسر قد خسر.

لو سألت أي واحد من الإخوة السلفيين الذين شاركوا في الحملة على بسنت، وزوجها المدرب محمد عباس، لأجابك حالًا بأن هذا اللباس مثير للرجال! وهكذا نكون قد عدنا إلى المربع الأول، على حد تعبير السيناتور خالد العبود، مربع الشيخ مبروك عطية الذي نصح نساء مصر بأن يرتدين الأعدال والقفف، ليتحاشين الوقوع في براثن الشاب الذي يجري ريقه، فإن جرى ريقه، اللهم عافنا، قتلهن، وهذا يطرح أمامنا سؤالًا آخر مهمًا، هو: اشمعنى تلعب كل السيدات المشاركات في بطولة البحر الأبيض المتوسط وهن يرتدين الشورت والبلوزة المشلحة، وكل محطات التلفزة تنقل صورهن إلى العالم، بينما بسنت وحدها التي يجب أن ترتدي الملحفة الخراطة؟

وبعدين معاك؟ عبارة يجب أن تُقال لكل إنسان يعادي الأدب، والثقافة، والفن، والرياضة، وحرية اللباس، وقيادة النساء للسيارات والموتوسيكلات والقوارب البخارية. وإن كانت معظم الدول العربية لا يوجد فيها لجان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى السعودية التي كانت لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها تُحصي على النساء أنفاسهن، حولتها إلى لجنه للترفيه، لذا أصبح من الطبيعي أن نقول لكل من يتبرع للعمل بصفة مطوع، ليفرض على الناس رؤيته الشخصية ورؤيةَ حزبه المتشدد على الآخرين بالقوة: وبعدين معاك؟ أما آن لهذا الاستبداد الغريب من نوعه أن ينتهي؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي