نشر “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” مقالًا ذكر فيه أسباب وصعوبات عدم إمكانية شطب وإزالة “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في عدة مناطق شمالي سوريا من قائمة “الإرهاب”.
وقال الباحث في الجماعات “الجهادية” في شمال إفريقيا وسوريا، هارون زيلين وهو زميل في معهد “واشنطن”، إن هناك ثلاثة أسباب لعدم احتمال إلغاء “الهيئة” من قائمة “الإرهاب” في أي وقت قريب، رغم تغيير سياساتها.
وتلخصت الأسباب التي وصفها الباحث بأنها خارجة عن إرادة “الهيئة”، بالأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، والاعتبارات السياسية لوزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين، والجمود المؤسسي العام.
ملف شائك
انفتاح الانقسامات الاستراتيجية والأيديولوجية بين القائد العام لـ”تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، وقيادة حلفائها، أولًا مع تنظيم “الدولة الإسلامية” ثم تنظيم “القاعدة” لاحقًا، جعل وضع “تحرير الشام” معقدًا من منظور السياسة الأمريكية، واحتفاظها بآراء متطرفة وعملها كنظام استبدادي في المناطق التي تسيطر عليها، رغم تنصلها من “الجهاد العالمي”.
وتعد ارتباطات “تحرير الشام” القديمة عائقًا رغم أنها تغيرت قليلًا منذ تأسيسها في كانون الثاني 2012، وانفصالها عن تنظيم “الدولة الإسلامية” في نيسان 2013، وعن تنظيم “القاعدة” في تموز 2016.
غياب الأولوية
إعادة النظر في مكانة “هيئة تحرير الشام” كجماعة “إرهابية” لا تشكل أولوية، من وجهة نظر الحكومة الأمريكية، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، حدث تحول في تركيز واشنطن ومواردها تجاه القضايا المتعلقة بالحركة “الجهادية.”
ولم تعد تتصدر الجماعات “الإرهابية” جدول الأعمال، بعد أن دام الحديث حولها ما يقارب 20 عامًا، ومع توجه المؤسسات نحو المنافسة مع الصين وروسيا، أصبح نطاق المجهود المخصص للتعامل مع المسائل المتعلقة بـ”الإرهاب” أضيق نطاقًا.
وتعتبر “تحرير الشام”، بحسب الباحث، أنها ذات أولوية منخفضة بشكل خاص في مجال مكافحة “الإرهاب” نفسه، مقارنة بتنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” اللذين لهما الأسبقية، لأنه يُنظر إليهما على أنهما جهتا تهديد فعليتان يمكنهما الضرر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها وأمنها بشكل مباشر.
اعتبارات سياسية أمريكية
رغم أن القرارات بشأن تصنيفات “الإرهاب” تستند إلى الحقائق، إلّا أن إخراج جماعة من القائمة يمكن أن يكون مثيرًا للجدل ويُنظر إليه على أنه قرار سياسي، خاصة إذا ظلت الجماعة نشطة، بحسب الباحث.
وأضاف زيلين أنه لا يريد أي شخص في الحكومة الأمريكية أن يُنظر إليه على أنه متساهل مع “الإرهاب”، ويمكن أن تخلق الطريقة التي تضخم بها وسائل الإعلام المتحالفة مع الحزب الجمهوري الانتقادات المتعلقة بالأمن، قضايا سياسية داخلية للحزب الديمقراطي.
ونقل الباحث في مقاله مخاوف بعض الأشخاص في الحكومة الأمريكية حول إزالة جماعة مثل “تحرير الشام” من قائمة “الإرهاب”، فالقلق موجود من احتمالية عودة الفصيل إلى اتباع تكتيكات التمرد و”الإرهاب”.
جمود وغياب معايير
أشار الباحث إلى عدم وجود معايير أو مقاييس واضحة للشطب والإزالة من قائمة “الإرهاب”، كما لا يوجد معيار للمدة التي تلي توقف الجماعة عن نشاطها، لأجل إعادة النظر من قبل الحكومة الأمريكية تجاهها.
وبحسب المقال قد يتم شطب منظمات “إرهابية” أخرى من القائمة على نحو مماثل، ولا يزال عدد من الجماعات “الجهادية” مدرجة في القائمة ولكنها غير موجودة على أرض الواقع، لأنها إما توقفت عن عملياتها أو اندمجت في جماعة أخرى.
ووفقًا للقانون، يُفترض أن يتم تخصيص مدة أقصاها خمس سنوات لإجراء عملية مراجعة لكل تصنيف، ويسلّط هذا التناقض في العملية الضوء على دور الجمود البيروقراطي وعدم وضع إعادة التقييم ضمن الأولويات المهمة.
تصنيف “غير عادل”
اعتبرت “تحرير الشام” عدة مرات أن إدراجها على قوائم “الإرهاب”، هو “تصنيف غير عادل”، آخرها إجابة المكتب الإعلامي لـ”الهيئة” في مراسلة إلكترونية عن أسئلة عنب بلدي حيال التصنيفات الأخيرة للفصيل وآخرها من أستراليا في 17 من شباط الماضي بكونه فصيلًا “إرهابيًا”.
وقال إن “(الهيئة) أوضحت في مناسبة سابقة أن تصنيفها على قوائم الإرهاب هو أمر سياسي محض لا يعبّر عن حقيقة الأمر وواقع الثورة السورية، وغير مبني على أدلة ملموسة”.
وأضاف المكتب الإعلامي أن من “ارتكب المجازر وقتل الشعب السوري بالسلاح الكيماوي وهجّر ثلاثة أرباع الشعب بمساندة إيران وروسيا، هو من يستحق التصنيف ولم يُصنف للأسف”.
وظهرت “تحرير الشام” لأول مرة في سوريا نهاية 2012، تحت مسمى “جبهة النصرة لأهل الشام”، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحمي “القاعدة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.
التمدد الأبرز لـ”تحرير الشام” وسيطرتها على منطقة إدلب، شمال غربي سوريا، جاء بعد المعارك التي خاضتها ضد “حركة أحرار الشام” و”حركة نور الدين زنكي” و”صقور الشام”، خلال العامين 2017 و2018.
وتسيطر “الهيئة” على محافظة إدلب، وجزء من أرياف حلب الغربية واللاذقية وسهل الغاب شمال غربي حماة، ولا تزال مصنّفة على لوائح “الإرهاب” في مجلس الأمن، وتضع روسيا الفصيل ذريعة للتقدم في شمال غربي سوريا.