“النصر التركي” في قمة “الناتو” يخلط أوراق “الإدارة الذاتية” في سوريا
عنب بلدي- مأمون البستاني
أنهى التوصل إلى “مذكرة تفاهم” بين تركيا والسويد وفنلندا خلال قمة عُقدت في العاصمة الإسبانية مدريد على هامش اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في 29 و30 من حزيران الماضي، حالة المخاض العسير الذي استمر لأسابيع عدة، بسبب إبداء أنقرة تحفظها على تقديم الدولتين الاسكندنافيتين طلبًا رسميًا للانضمام إلى الحلف، وذلك عقب “الغزو” الروسي لأوكرانيا في شباط الماضي.
وبموجب المذكرة، وافقت تركيا، العضو في حلف “الناتو” منذ 70 عامًا، على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، مقابل تعهد الدولتين بمعالجة المخاوف الأمنية التركية، المتمثلة على وجه الخصوص بوقف دعمهما لحزب “العمال الكردستاني” (PKK) وذراعه في سوريا “وحدات حماية الشعب” الكردية (YPG) التي تشكّل العمود الفقري لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والتي بدورها تشكّل الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا.
وتفتح الموافقة التركية على انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”، وعودة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، “منتصرًا” من قمة “الناتو”، بحسب ما عنونت وسائل إعلام غربية، الباب أمام التكهنات حول مآلات ذلك على “الإدارة الذاتية”، وعلى مستقبل العلاقات الروسية- التركية، وكذلك الأمريكية-التركية، والانعكاسات على الأرض السورية، خاصة أن الولايات المتحدة وروسيا وتركيا هي من تتحكم على أرض الواقع بالسلطات المسيطرة على المناطق السورية المختلفة.
“الإدارة الذاتية”: المذكرة تعادي الكرد
تنص “مذكرة التفاهم” الثلاثية، على تعهد السويد وفنلندا بالتعاون التام مع تركيا في مكافحة التنظيمات الإرهابية، مقابل موافقة أنقرة على انضمامهما إلى “الناتو”.
ويجب أن تتعاون الدولتان مع تركيا، بحسب بنود المذكرة، على مكافحة “PKK” وعدم دعم “YPG” وحزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) اللذين تعتبرهما أنقرة امتدادًا عسكريًا وسياسيًا لـ”PKK” في سوريا.
كما تتعهد الدولتان بالتعامل بسرعة مع طلبات ترحيل أو تسليم مشتبهين بـ”الإرهاب”، عبر مراعاة المعلومات والأدلة المقدّمة من تركيا.
“الإدارة الذاتية” انتقدت توقيع المذكرة، إذ صرح نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لـ”الإدارة”، بدران جيا كرد، أنها ما هي إلا “رضوخ تركي لإرادة القوى المهيمنة مقابل تراجع حكومتي السويد وفنلندا عن قيمهما الديمقراطية”، بحسب ما نقلته وكالة “هاوار“، في 30 من حزيران الماضي.
وقال جيا كرد، إن المذكرة “اتفاق على معاداة الكرد”، مشيرًا إلى أن “التهديدات التركية لم تتوقف لحظة ضد مناطق شمال شرقي سوريا”.
واعتبر أن الرئيس التركي يحاول دائمًا تهيئة الأجواء لشن هجوم على مناطق “الإدارة الذاتية”، لافتًا إلى أنه لا يمكن التكهن بما إذا كانت هناك موافقة أمريكية أم لا لشن هجوم تركي، خلال الاجتماع الذي جرى بين أردوغان ونظيره الأمريكي، جو بايدن، على هامش اجتماع “الناتو” في مدريد.
كما أشار جيا كرد إلى أنه يجب أن يكون هناك موقف واضح للنظام السوري، إذ يوجد بين “(الإدارة الذاتية) وحكومة دمشق تفاهم على حماية الحدود السورية- التركية، وهم يناقشون توسيع التفاهم لردع أي هجوم تركي محتمل”.
وفي 1 من تموز الحالي، قال أردوغان للصحفيين عقب اختتام اجتماع “الناتو”، في رد على سؤال حول تصريحاته بشأن القيام بعمليات جديدة لاستكمال الحزام الأمني شمالي سوريا، بمجرد الانتهاء من التحضيرات، وهل المقصود التحضيرات العسكرية أم الدبلوماسية، وهل ثمة تحفظات روسية؟ بـ”قد نأتي على حين غرة ذات ليلة”.
وأكد أنه “ليس هناك داعٍ للاستعجال، نحن نعمل بالفعل في تلك المنطقة في الوقت الحالي”، مشيرًا إلى أن القوات التركية تعمل حاليًا في شمالي العراق، وفي عفرين شمالي سوريا، وأن العملية الجديدة ستجري “حينما يحين الوقت المناسب”.
مساومات ومقايضات
من جانبه، هاجم حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) تركيا والسويد وفنلندا، بعد توقيع “مذكرة التفاهم”، وقال في بيان صادر عنه، في 30 من حزيران الماضي، إن تركيا استغلت الانشغال العالمي بالحرب الأوكرانية لتمارس “الابتزاز” فيما يتعلق بانضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”.
وانتقد الحزب ما وصفه بـ”مساومات ومقايضات بعيدة عن المعايير الديمقراطية ومعاهدات حقوق الإنسان، التي تتبجح بها أوروبا ومنها السويد وفنلندا”، معتبرًا أن ذكر اسم “YPG” و”PYD” وحركة “الحرية الكردستانية” في المذكرة “أمر مؤسف ومجحف بحق الكرد”.
وأشار الحزب في بيانه إلى أن “جميع القوى الكردية في أوروبا بما فيها السويد وفنلندا، لم تمارس أي نشاط يتعارض مع القوانين والقواعد المعمول بها في تلك البلدان”.
الباحث في الشأن الكردي بدر ملا رشيد، قال لعنب بلدي، إن “من الصعب حصر وتحديد مآلات مذكرة التفاهم على (الإدارة الذاتية) في السويد على المدى المنظور، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار انتماء مناصري حزب (العمال الكردستاني) لعدة جنسيات”.
ويمكن حصر الآثار المباشرة لتوقيع المذكرة، بحسب ملا رشيد، “بالتضييق على حزب (العمال) والأحزاب الرديفة له من ناحية الدعاية والتحشيد الإعلامي والاقتصادي في السويد وفنلندا، كما أن من الممكن أن تقوم الدولتان بتسليم بعض الشخصيات لتركيا، خاصة ممن يحملون الجنسية التركية”.
وأشار ملا رشيد إلى أن “من الممكن أن تخسر (الإدارة الذاتية) بعض الميزات الدبلوماسية التي كانت تحصل عليها شخصيات ومنظمات من (الإدارة) هناك، بالأخص إذا لم تفصل بين نشاطاتها ونشاطات حزب (العمال)”.
الرد الروسي والنهج المتوازن
يوسّع انضمام فنلندا والسويد المحتمل لحلف “الناتو” الحدود المشتركة بين الأخير وروسيا من 700 كيلومتر إلى أكثر من 1900 كيلومتر، الأمر الذي يجعل من موافقة تركيا على انضمام البلدين إلى الحلف خطوة “مخيّبة للآمال” لروسيا، التي تعارض توسع الحلف على حدودها الغربية.
وهدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 29 من حزيران الماضي، بأن بلاده سترد إذا تم نشر البنية التحتية العسكرية لـ”الناتو” في فنلندا والسويد، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.
وقال بوتين، “ليست لدينا مشكلات مع السويد وفنلندا، كما لدينا مع أوكرانيا”.
أما رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الروسي (الدوما)، ليونيد سلوتسكي، فقد حذر من عواقب انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”.
وعن توقيع المذكرة الثلاثية، قال سلوتسكي، “في الإشارة إلى ما تلقته تركيا من تطمينات لكيلا تعارض ضم السويد وفنلندا إلى الحلف، فإن الرئيس السوفييتي غورباتشوف تلقى في حينه تطمينات تَعِد بعدم توسع الحلف، ولكن تلك الوعود تم نكثها”.
وفي 1 من تموز الحالي، أكد الرئيس التركي حرص بلاده على مواصلة نهجها المتوازن في علاقاتها مع روسيا، وذلك في رد على سؤال فيما إذا كان اعتبار روسيا “أكبر تهديد مباشر” للحلف في المفهوم الاستراتيجي الجديد لـ”الناتو”، من شأنه إلحاق الضرر بالعلاقات بين أنقرة وموسكو.
وأشار أردوغان إلى وجود روابط معيّنة بين أنقرة وموسكو، إذ إن تركيا تستورد نحو 40% من الغاز الذي تستهلكه من روسيا، كما لفت إلى التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والصناعات الدفاعية.
وأوضح الباحث بدر ملا رشيد، أن “تركيا تحاول تقسيم ملفات تفاهماتها الإقليمية والدولية، ولا يمكن توقع أن تؤثر على علاقات تركيا مع روسيا، بقدر إمكانية تأثيرها على بعض التفاهمات في سوريا”.
وأشار إلى أن من الممكن أن “تقوم روسيا بإغلاق الفرص أمام تنفيذ تركيا عملية جديدة شمالي سوريا، وعادة لا تمانع في تجزئة بعض القضايا بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المكاسب”.
“تقارب” أمريكي- تركي
ظهرت مؤشرات على “تقارب” بين تركيا والولايات المتحدة، العضوين في حلف “الناتو” عقب توقيع “مذكرة التفاهم” في مدريد، خاصة أن الولايات المتحدة كانت من أبرز الداعمين لانضمام السويد وفنلندا للحلف.
وأعلن أردوغان، في 30 من حزيران الماضي، أنه سيرسل وفدًا إلى الولايات المتحدة، بشأن شراء مقاتلات حربية من طراز “F-16”.
وقال إن “الجهود الصادقة للرئيس (الأمريكي) بايدن ستحظى بدعم كبير. سأرسل وفدًا إلى الولايات المتحدة دون تأخير”.
من جانبه، قال بايدن، إن بلاده تدعم بيع طائرات”F-16″ لتركيا، وإنه واثق من إمكانية الحصول على موافقة “الكونجرس” اللازمة لعملية البيع.
ورفض بايدن تلميحات بأن دعم واشنطن لعملية البيع كان مقابل موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”.
ويأتي هذا التبدل في الموقف الأمريكي بعد أن اتخذ “الكونجرس” خلال السنوات الماضية موقفًا رافضًا للسياسات التركية، عقب حصول أنقرة على أنظمة صواريخ دفاعية روسية الصنع، ما أدى إلى فرض عقوبات أمريكية، وكذلك إزالة تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة “F-35”.
واعتبر الباحث بدر ملا رشيد، أن الخلافات التركية- الأمريكية تكمن في معظم الحالات بملفات تتعلق بهواجس الطرفين الأمنية، لافتًا إلى أنه “رغم فتور علاقة الطرفين خاصة مع مجيء بايدن للرئاسة، يحافظ الجانبان على علاقات جيدة على مستويات عدة، وهو ما شهدناه في أرمينيا، وليبيا، وحتى في الصومال”.
وقال ملا رشيد لعنب بلدي، إن “الحالة الرئيسة للخلاف تمثلت بالوضع في شمالي سوريا، لذا من الممكن أن يقوم الطرفان بالتقدم بخطوات متقاربة أكثر في بعض القضايا السورية، إلى جانب إمكانية قيام واشنطن بتخفيف لهجتها تجاه تركيا في قضايا تتعلق بالنفط والغاز في البحر المتوسط”.
وتبقى احتمالات التقارب أو التوتر بين تركيا والولايات المتحدة بمعظمها غامضة، وفق ملا رشيد، نتيجة “تعدد الأطراف المؤثرة بهذه الملفات مثل اليونان، ومصر وإسرائيل والخليج، لذا أي تحسن للعلاقة بين الطرفين سيكون بالغالب نتيجة تقارب إقليمي بين تركيا ودول محورية أخرى في المنطقة”.
تحذير من المماطلة
في 1 من تموز الحالي، حذر أردوغان السويد وفنلندا من اللجوء إلى المماطلة بشأن تنفيذ بنود “مذكرة التفاهم”، بحسب ما نقلته وكالة “الأناضول”.
وهدد الرئيس التركي بعودة بلاده إلى موقفها السابق إذا لمست أي مماطلة أو نفاق من السويد وفنلندا بشأن تنفيذ التزاماتهما وفق المذكرة.
وأكد أن عملية انضمام الدولتين إلى الحلف ما زالت في مرحلة الدعوة، وهذا لا يعني موافقة أنقرة بالضرورة على عضويتهما.
وكشف أردوغان أن السويد سلّمت بلاده “أربعة إرهابيين من أصل 73 إرهابيًا مطلوبين من قبل السلطات الأمنية التركية”.
وكان وزير العدل السويدي، مورغن يوهانسون، قال، في 30 من حزيران الماضي، إن القرارات المتعلقة بتسليم مطلوبين إلى دول أخرى يُصدرها “قضاء مستقل”.
وأضاف يوهانسون، “يمكن تسليم أشخاص غير سويديين إلى دول أخرى بناء على طلبها، لكن حصرًا حين يكون هذا الأمر متوافقًا مع القانون السويدي والاتفاقية الأوروبية حول عمليات الترحيل”، مذكّرًا بتعذّر تسليم أيّ مواطن سويدي، بحسب ما نقلته وكالة “فرانس برس“.
وكان الباحث السويدي المختص بالشأن السوري آرون لوند، قال في حديث إلى عنب بلدي بوقت سابق، إن القانون السويدي صارم للغاية فيما يتعلق بقضايا اللجوء والتسليم، التي تخضع بشكل أساسي للمحاكم.
وأضاف لوند حينها أن “من المستحيل تقريبًا على أي حكومة سويدية تلبية طلب التسليم، حتى لو أرادت ذلك. ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة التركية تدرك مدى تعقيد قضية التسليم من وجهة النظر القانونية السويدية”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :