زرع جمعة النجم (47 عامًا) وهو مزارع من ريف الرقة الشرقي، هكتارًا ونصف هكتار بالقطن على غير عادته منذ سنوات، بعد أن كانت المساحة التي يزرع بها القطن أكبر بكثير من أصل مجموع أرضه الزراعية البالغة نحو 25 هكتارًا.
وقال جمعة، لعنب بلدي، إن معظم مزارعي أرياف الرقة توجهوا للتخلي كليًا عن زراعة القطن أو زراعة مساحة صغيرة جدًا على غير عادة سكان وادي الفرات الذي اشتهر بمساحات القطن قبل اندلاع الثورة السورية.
ورصدت عنب بلدي تراجعًا ملحوظًا في المساحات المزروعة بالقطن في أرياف الرقة، وأرجع مزارعون أسباب التراجع إلى التكاليف الباهظة لزراعة القطن ونقص مياه الري والآفات الحشرية التي سببت تلف المحصول خلال السنوات الماضية.
لا سماد ولا مبيدات ولا محروقات
وقال مزارعون من ريف الرقة لعنب بلدي إن تأخر “الإدارة الذاتية” في توزيع الأسمدة والمبيدات الزراعية والمحروقات على المزارعين ساهم أيضًا في عزوف المزارعين عن زراعة القطن والتوجه نحو زراعاتٍ صيفية أقل تكلفة.
وقال عضو اتحاد الفلاحين في الرقة، سلمان الإبراهيم، لعنب بلدي إنه مضى على زراعة القطن أكثر من 40 يومًا، ورغم ذلك لم يحصل المزارعون حتى الآن على مخصصاتهم من الأسمدة أو حتى مادة المازوت لري أراضيهم التي زرعوها.
وأشار سلمان، إلى أن “شركة تطوير المجتمع الزراعي” تتأخر في توزيع مخصصات المزارعين من الأسمدة والمبيدات بينما تتأخر “مديرية المحروقات” في الرقة في توزيع مادة المازوت ويضطر المزارعين لشرائها من السوق السوداء بأسعار أعلى من السعر الذي من الممكن شرائها به من مؤسسات “الإدارة الذاتية”.
وكان القطن يحتل ثاني أهم المحاصيل الاستراتيجية بعد القمح في الجزيرة السورية من حيث المساحة المزروعة والمردود الاقتصادي، لكن هذا المحصول فقد هذه الميزة ليتقدم محصول الذرة خلال العاميين الماضيين وتزيد مساحات زراعته على مساحات القطن.
وتبلغ تكلفة زراعة الدونم الواحد للقطن هذا العام، بحسب تقديرات مزارعين تحدثوا لعنب بلدي، بين 400 ألف و500 ألف ليرة سورية، تتضمّن تكاليف البذار والأسمدة والري وأجور الأيدي العاملة والحصاد.
وانخفضت إنتاجية دونم القطن العام الماضي إلى 100 كيلو غرام في أرياف الرقة، بينما كانت المساحة نفسها تنتج ما يزيد على 400 إلى 500 كيلو غرام في السنوات السابقة.
بذور غير مناسبة
ولا تتوافق أنواع بذور القطن المستخدمة في المنطقة مع مناخ مناطق شمال شرقي سوريا وأغلبها من الأنواع المهجنة لمناطق يختلف طقسها بشكل كبير عن طقس المنطقة، حسبما شرحه المهندس الزراعي حسين الرجب من الرقة لعنب بلدي.
وهو ما تسبب بتلف محصول القطن خلال العاميين الماضيين وانتشار الآفات الحشرية التي تسببت بخسائر فادحة للمزارعين، بحسب المهندس، الذي اعتبر أن “الإدارة الذاتية” مسؤولة عن تأمين البذار المناسبة لظروف الطقس.
وتفتقد مناطق شمال شرقي سوريا لمختبرات لتحليل البذار ومراقبة جودته وملائمته للطقس، ومعظم الاختبارات التي تجرى على أنواع البذار هي اختبارات بدائية تشتمل على التغطيس بالماء وإضافة بعض أنواع الأسمدة لاختبار البذار على حد قول عضو في “لجنة الزراعة والري” في “مجلس الرقة المدني”، (تحفظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية).
واعتبر عضو “اللجنة”، في حديث مع عنب بلدي، أن “الإدارة الذاتية” يجب أن تولي اهتمامًا أكبر لمحصول القطن وزيادة دعم مزارعيه، لا سيما بعد افتتاح معمل الزيت في مدينة القامشلي ومعمل الغزل والنسيج في الحسكة خلال العام الماضي، وحاجة هذين المعملين للقطن لضمان استمرارية عملهما.
وأقر عضو “لجنة الزراعة والري” بالتقصير من قبل مؤسسات “الإدارة الذاتية” في دعم المحاصيل الزراعية، لكنه تذرع بالإمكانيات المحدودة لـ”الإدارة” والوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه مناطقها والضغط الكبير على الموارد الاقتصادية التي بحوزة الإدارة، على حد قوله.
وبلغ مجموع المساحات المزروعة بالقطن العام الماضي 49 ألف هكتار، بحسب التقارير الصادرة عن لجان وهيئات الزراعة في مناطق شمال شرقي سوريا، بينما تعذر على عنب بلدي الحصول على إحصائية رسمية للمساحات المزروعة بالقطن هذا العام.