الدفع والبحث الطويل.. “عدّة” استئجار المنازل في اسطنبول
“إيجارات المنازل لا ترحم. اضطررت لدفع ضعف الإيجار الشهري لصاحب المنزل حتى لا أخرج منه”، بهذه الكلمات نقل الشاب ماهر معاناته لعنب بلدي في البحث عن منزل جديد في منطقة الفاتح بمدينة اسطنبول، بعد طلب صاحب المنزل خروجه منه.
ومنح صاحب المنزل مهلة شهر للشاب الذي يعمل في محل تجاري لبيع الألبسة بمنطقة بيازيد، لإخلاء المنزل الذي يقيم فيه منذ سنتين، مع أصدقائه الثلاثة.
وأصبح البحث عن منزل للإيجار مشكلة يواجهها أغلب الأجانب في تركيا بشكل عام، وفي مدينة اسطنبول بشكل خاص، ترافقت مع ارتفاع الأسعار، وتحديد السكان الأجانب في كل منطقة.
العائلات استثناء.. “يابانجي يوك”
ماهر البالغ من العمر 25 عامًا، والمنحدر من مدينة إدلب، والمقيم في مدينة اسطنبول منذ سبع سنوات، وجد صعوبة كبيرة في تأمين سكن بديل للمنزل الذي يقطنه قرب محطة “بازار تكة” في منطقة الفاتح.
“بس يعرف صاحب البيت أنك أجنبي بيرفض فورًا”، أوضح الشاب أن الصعوبة لا تكمن في إيجاد منزل فقط، فحتى إن وُجد المنزل المناسب أو القريب من مكان العمل، يُقابَل طلبه بكلمة “يابانجي يوك”، ما يعني الرفض لأنه أجنبي.
والأمر بحسب ماهر لا يقتصر على مكاتب العقارات التي رأى ممن قابلهم إحجامًا عن معاملته أو الرغبة في تأمين منزل ليستأجره، بل يشمل تطبيق “sahibinden” الشهير بإيجاد شقق ومنازل للإيجار في تركيا بجميع الولايات.
تواصل الشاب مع أكثر من رقم متاح عبر التطبيق بعد أن وجد منزلًا ملائمًا، لكن قوبل طلبه بالرفض دون تردد، ليس لأنه أجنبي، إنما لأنهم أربعة شباب، وأصحاب المنازل يريدون تأجير السكن لعائلة فقط.
ضعف الإيجار
بعد عدة مكالمات، أقنع ماهر ورفاقه صاحب المنزل بألا يخرجهم منه، وسط محاولات ليغيّر قراره الذي اتخذه، لأنه يريد أن ينتقل مع عائلته التي تدفع إيجارًا مقابل منزل آخر تقطنه في منطقة إسنلر (Esenler) باسطنبول.
بداية الأمر طلب صاحب المنزل مبلغ أربعة آلاف ليرة تركية، ثم تنازل وطلب مبلغ 3500 ليرة، بعد إلحاح ومحاولات من ماهر ورفاقه.
زاد إيجار المنزل في الطابق الأرضي (قبو) ذي النوافذ المتساوية مع سطح الأرض 100%، ويتكون المنزل من أربع غرف صغيرة، لا تتسع الواحدة منها لمنامة شخصين، حسب وصف الشاب، وكل شاب يسكن في غرفة، فمبلغ 3500 ليرة تركية يعادل ضعف المبلغ الذي كان يدفعه ماهر ورفاقه في الأشهر السابقة.
“كثرة الشروط والتكاليف جعلت الخروج من المنزل بمنزلة تكاليف حياة جديدة”، فالردود التي حصل عليها ماهر ورفاقه في “رحلة” البحث عن منزل، والإيجارات التي وصلت إليها المنازل حاليًا، كانت أسبابًا كافية لقبول الشباب الأربعة بدفع ضعف الإيجار الحالي.
رغم تحديد السلطات التركية مقدارًا معينًا لزيادة إيجارات المنازل، وتعريض أي شخص يتجاوز القانون للمساءلة، لا تزال إيجارات بعض المنازل تشهد ارتفاعًا يفوق ما حددته السلطات.
وحددت هيئة الإحصاء التركية (TÜİK) معدل زيادة الإيجار لشهر حزيران الماضي بنسبة أقصاها 39.33% من قيمة الإيجار الأخيرة، وأي زيادة إضافية على النسبة المذكورة، تُعرّض صاحب العقار للمساءلة القانونية.
ويسمح معدل الزيادة الجديد لصاحب العقار الذي حدد إيجاره بـ1000 ليرة تركية برفعه إلى حد أقصاه 1393 ليرة تركية، وزادت نسبة معدل الزيادة على أيار الماضي بنحو 5%، إذ أُقرت حينها بـ34.46%، وتُحسب هذه النسبة لأي مستأجر سيجدد عقده القديم خلال حزيران الماضي لمدة سنة كاملة.
تغيير المنطقة صعب جدًا
“منطقة الفاتح قريبة ع شغلنا، إذا غيرناها رح يروح وقتنا بالمواصلات”، خشي ماهر ورفاقه خروجهم من المنزل، كون منطقة الفاتح تعتبر عقدة مواصلات، وقريبة من العديد من نقاط ومحطات ووسائل المواصلات.
بالإضافة إلى وجود بعض المخاوف لدى الشباب في حال خروجهم من المنزل، من تثبيت عنوان جديد، إذ لا يزال رفاق ماهر ينتظرون الحصول على إذن العمل ليستطيعوا البقاء في منطقة الفاتح، كون بعضهم لا يحمل “كملك” اسطنبول، ويخشى عدم قبوله مرة أخرى في عنوان بمنطقة الفاتح.
تحديد أحياء محظور على السوريين تثبيت عناوينهم فيها، وتأثير ذلك على مدى فعالية قيد وثيقة “الحماية المؤقتة” (الكملك) التي يحملونها، جعلهم مجبرين على البحث عن منزل في أحياء أخرى، وهي عقبة إضافية ظهرت أمام البحث عن منزل للإيجار في تركيا.
وفي شباط الماضي، أصدرت وزارة الداخلية التركية قرارًا بمنع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت “الحماية المؤقتة” من تقييد نفوسهم في 16 ولاية تركية، و800 حي في 52 ولاية.
وفي حال تجاوز عدد السوريين 25% من السكان في مكان ما، تُغلق أماكن الإقامة لاستقبال طلبات تقييد النفوس فيها، وجاء في القرار، أن الولايات الـ16 التي حُظرت هي: أنقرة، أنطاليا، أيدن، بورصة، تشاناكالي، دوزجة، أدرنة، هاتاي، اسطنبول، إزمير، كركلاريلي، كوجالي، موغلا، سكاريا، تكيرداغ، يالوفا.
وتواصلت عنب بلدي، حينها عبر مكالمة هاتفية مع “مركز التواصل للأجانب” (YİMER)، التابع لمديرية إدارة الهجرة التركية، للسؤال عن تفاصيل القرار، الذي أوضح وجود عدة استثناءات، منها استثناء أي لاجئ سوري يحمل هوية “الحماية المؤقتة” من هذا القرار، في حال تقدمه بطلب نقل من ولاية إلى أخرى، إذا كان لديه إذن عمل، أو قيد في الجامعة، أو يحتاج إلى علاج عاجل، أو عائلته أو أحد أقاربه يسكن في الولاية الراغب في الانتقال إليها.
تبعه إعلان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 11 من حزيران الماضي، تخفيض نسبة السوريين الذين سيقيمون في الأحياء من 25% إلى 20%، اعتبارًا من 1 تموز الحالي.
وأوضح صويلو أنه من أجل منع تمركز الأجانب في مناطق معيّنة، أُغلق ما مجموعه 781 حيًا في 54 ولاية أمام الإقامة لجميع الأجانب الحاملين لـ”الحماية المؤقتة” (الكملك) والإقامة، وكانت تجاوزت فيها نسبة عدد الأجانب إلى إجمالي عدد الأشخاص 25%.
وأفاد أنه مع تخفيض النسبة إلى 20% في بداية تموز الحالي، سيرتفع عدد الأحياء التي لن يُمنح الأجانب تراخيص بالإقامة فيها إلى 1200 حي.
ما الأسباب؟
وليد شاب يعمل في أحد مكاتب تأجير المنازل والعقارات بمنطقة أكسراي في اسطنبول، أوضح لعنب بلدي أن البحث عن منازل للإيجار في اسطنبول مشكلة لا تقتصر على السوريين أو الأجانب فحسب، إنما تواجه أبناء البلد أنفسهم مع تجنّب المقارنة التي تميل لمصلحة الأجانب، فبعض الطلاب الأتراك يواجهون نفس المشكلة أيضًا مع قدوم كل فصل دراسي أو سنة دراسية.
وأوضح وليد أن انخفاض قيمة الليرة التركية وارتفاع أسعار جميع المواد والمنتجات والسلع، أسهم في زيادة أسعار بيع وتأجير العقارات، بالإضافة إلى الإقبال الكبير على السكن في مدينة اسطنبول، والبحث اليومي عن منازل، كلها أسباب رفعت الإيجار الشهري للمنزل.
وسجلت قيمة الليرة التركية اليوم، الأربعاء 13 من تموز، أمام الدولار الواحد 16.43 ليرة تركية، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الصرف والعملات النقدية.
أشار الشاب إلى عدم التزام أو تقيّد بعض أصحاب المنازل بما تحدده السلطات التركية كنسبة زيادة على الإيجار الشهري للمنزل، فصاحب المنزل يحدد أسعارًا عالية لإيجار منزله في أثناء عرضه على المكتب أو على المستأجر، بنسبة زيادة قد تصل إلى أضعاف ما كان عليه إيجار المنزل قبل أشهر.
خشية المستأجرين الأجانب من الدخول في دوامة القانون في حال رفع شكوى ضد صاحب المنزل الذي يستغلهم، وعدم اندماجهم أو معرفتهم بقوانين الحكومة التركية، شكّلت عاملًا إضافيًا شجّع صاحب المنزل على “الاستغلال” ومضاعفة الأسعار.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :