كان عنصر الشرطة على بُعد بضع خطوات عن بوابة الزنزانة عندما بدأ خطابًا موجهًا للاجئين السوريين الموقوفين في سجن “توزلا” في ضواحي ولاية اسطنبول، قائلًا، “هل تعتقدون أن الأتراك سيفرون في حال نشوب حرب هنا، لقد شهدنا حربًا كبيرة في تركيا في أحداث 15 من تموز (أحداث الإنقلاب الفاشل في تركيا) لكن أحدًا لم يفارق تركيا، لماذا لا تعودون للقتال في بلدكم”.
عابد (24 عامًا)، أوقف ليومين في سجن “توزلا”، سبقها توقيف ليومين في سجن”تقسيم” باسطنبول (المنطقة التي أوقفته الشرطة في أحد شوارعها)، ورُحّل بعدها إلى الحدود السورية- التركية، ومن ثم أُطلق سراحه ليعود إلى العاصمة التركية أنقرة، ثبت قيوده فيها.
وبحسب عابد، فإن القرارات التركية بحق اللاجئين، لا تراعي حقوقهم، ولو بنسبة طفيفة، إذ يُجبر اللاجئ على الإقامة في منطقة مُعينة، حتى ولو لم يتمكن من الحصول على عمل أو طعام أو شراب، “ما يهم هنا هو تطبيق القوانين، لا تسهيل حياة اللاجئين أو قوننة وجودهم”.
ومنذ مُنتصف شباط الماضي، صدر على لسان مسؤولين في الحكومية التركية تصريحات عن خطة لتوزيع اللاجئين السوريين في تركيا على الولايات والمدن، في محاولة منهم لمنع إنشاء تجمعات من قبل السوريين في مدن وأحياء معينة.
وأغلقت الحكومة التركية عددًا من الأحياء والمدن أمام السوريين على جميع الأصعدة، منها السكن والإقامة وتثبيت القيود، إذ تُرفض طلبات تثبيت السكن في مناطق مثل “الفاتح” في اسطنبول على سبيل المثال لا الحصر، حتى ولو كان الشخص يعمل في المنطقة ذاتها.
لا جوانب قانونية
بحسب سوريين قابلتهم عنب بلدي، ممن تعرضو لترحيل من ولاية اسطنبول إلى الولايات التي استخرجوا قيودهم منها، فإن “انتهاكات جسيمة” تعرضوا لها خلال رحلة نقلهم من اسطنبول إلى الحدود السورية، ومحاولة إقناعهم بالعودة إلى سوريا هناك، ومن ثم إطلاق سراحهم.
وتصل هذه الانتهاكات إلى حد الاعتداء الجسدي أو اللفظي، وبحسب عابد الذي مكث في سجن “توزلا” ليومين، فإن شابًا سوريًا تعرض للضرب المُبرح مرتين، لأنه حاول إدخال “ولاعة سجائر” إلى ساحة السجن، أثناء إنتظار عملية فرز الموقوفين على مجموعات لإرسالهم إلى الزنازين.
الناشط الحقوقي والمُتابع لقضايا السوريين في تركيا طه الغازي، نفى أن تكون خطة دائرة الهجرة التركية مُسندة إلى أي قانون يهدف إلى تنظيم وجود السوريين في تركيا، ولو كان الهدف هو التنظيم لتمكنت “الهجرة” من تنظيم هذا الوجود منذ السنوات الأولى لحدوثه بين عامي 2012 و2013.
الناشط الغازي قال لعنب بلدي، إن هذا النوع من القوانين المُستحدثة مؤخرًا، لا يهدف سوى للضغط على اللاجئ السوري المُقيم في تركيا، لدفعه إلى العودة أو التفكير بأمر العودة إلى سوريا مستقبلًا “بشكل طوعي”.
القرارات الأخيرة لدائرة الهجرة التركية، تزامنت مع موجة من الخطاب العنصري الذي طال اللاجئين السوريين من قبل سياسيين أتراكًا، الأمر أوحى بأن الهدف من هذه القرارات، هو إرضاء بعض الآراء ، قبل الانتخابات الرئاسية التركية التي ستجري العام القادم.
لكن الناشط طه الغازي اعتبر أن هذه القرارات ليست محاولة لإرضاء هذه الآراء فحسب، إنما باتت تتماشى معها مؤخرًا، من خلال سلسلة من القوانين التي استحدثتها الحكومة التركية، أولها منح سائقي سيارات الأجرة الصلاحية لتفقد أوراق اللاجئين الثبوتية، وصولًا إلى إغلاق مجموعة من الأحياء والمدن أمام اللاجئين، الأمر الذي يُعتبر بحد ذاته “انتهاكًا لحقوق الفرد بالتنقل والسكن”، وهو أمر لا يمكن الإشارة إليه على أنه يهدف لتنظيم الوجود السوري في تركيا، بحسب الغازي.
وسبق أن نقلت صحيفة “حرييت” التركية في 23 من شباط الماضي، قرارًا عن وزارة الداخلية التركية، بمنع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت “الحماية المؤقتة”، من تقييد نفوسهم في 16 ولاية تركية، و800 حي في 52 ولاية.
انتهاكات لا يضبطها قانون
عبدالله (26 عامًا)، مقيم في ولاية اسطنبول منذ عدة سنوات قادمًا من أورفا التي تعذر عليه العمل فيها، قال لعنب بلدي، إن عمله في مجال صناعة الألبسة لعدة سنوات أمّن له استقرارًا نسبيًا بالنسبة للاجئ فار من الحرب الدائرة في بلده، إلا أن إلقاء القبص عليه من قبل الشرطة التركية، أثناء ذهابه للعمل، دفعه لإعادة التفكير فيما إذا كان قد تمكن من تأمين استقرار نسبي في تركيا فعلًا.
وبحسب عبدالله، الذي تمكن من إبلاغ أسرته بأنه متوجه إلى سجن “توزلا” عبر منشور كتبه في صفحته الشخصية بموقع “فيس بوك”، فإن عملية الاعتقال لم تشهد انتهاكًا خلال تنقله بين سجن “كاتانا” وسجن “تشاغلايان” في اسطنبول، إلا أن سجن “توزلا” لم يكن كسابقيه.
وصل عبدالله إلى “توزلا” مع 33 شخصًا من حاملي بطاقة “الحماية المؤقتة” الصادرة عن إدارة الهجرة في أورفا، بينهم طفلان أحدهما بعمر 16 عامًا، وأُلقي القبض عليه في مستشفى بمنطقة إسنيورت الذي توجه إليه بعد تعرضه لحادث سير.
وبحسب عبدالله، فإن الطفل، رغم أنه مصاب في قدمه إثر الحادث، إلا أن الأمر لم يشفع له، فقضى بالسجن مع أقرانه من السوريين الأيام الخمسة، ومن ثم رُحّل إلى أورفا، وطلب فيها ترحيله إلى سوريا طوعًا، بحسب ما رواه عبدالله لعنب بلدي.
الطفل الآخر تعرض لإصابة عن طريق الخطأ، أثناء محاولة عنصر في الشرطة فك قيده “كلبشة” بأداة حادة، بحسب عبدالله، ورغم محاولات متكررة لإقناع الشاب القاصر لتقديم شكوى، إلا أنه رفض خوفًا من الترحيل.
الناشط الحقوقي طه الغازي، أشار إلى أن العديد من الانتهاكات الجسدية واللفظية رُصدت في بعض مراكز احتجاز المُهاجرين في تركيا، والتي وصفها بأنها خارجة عن نطاق قوانين حقوق الانسان، خصوصًا في ظل عدم وجود رادع لها.
لكن في المُقابل، اعتبر الغازي أن الجهات الحقوقية التركية جاهزة للتنسيق مع نظيرتها السورية، للحد من هذه الانتهاكات، وهو ما تعمل عليه جهات سورية عدة اليوم لتشكيل هيئة حقوقية قد تحد من الانتهاكات التي يوجهها السوريون.
ويقتصر عمل هذه الهيئة الحقوقية والتي تُعتبر قيد الإنشاء، على النظر في أمور السوريين الموقوفين في مراكز احتجاز المهاجرين حصرًا للحيلولة دون وقوع انتهاكات بحقهم، بحسب الغازي.
إجراءات تعسفية
وفي 9 من حزيران الحالي، صرّح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، خلال اجتماع مجلس الهجرة، أن الداخلية سترسل مكتوبًا إلى الولايات التركية، يحتوي على قرارت جديدة متعلقة بسائقي التكاسي والشاحنات، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء التركية “DHA“.
وأفاد أن سائقي التكاسي سيمنحون صلاحية طلب إذن السفر من الركاب الأجانب الذين سينقلونهم إلى خارج الولاية، مشيرًا إلى وجوب عدم نقل هؤلاء الأجانب في حال عدم حصولهم على إذن السفر من ولايتهم.
وهو ما اعتبره الناشط طه الغازي منافيًا لقوانين حقوق اللاجئين، إذ من غير المنطقي أن تُمنح سلطة أمنية لمدنيين وأشخاص عاملين في القطاع الخاص، يمكنهم استخدامها ضد طالبي اللجوء.
في 15 من شباط الماضي، أعلنت رئاسة دائرة الهجرة التركية عبر موقعها الرسمي، عن قرارات جديدة تخص تصريح الإقامة للأجانب ومن ضمنهم السوريين.
وجاء في القرار، “يلزم الأجانب الذين يرغبون بالإقامة في تركيا، بتقديم نسخة من عقد إيجار المنزل، موثقة من الكاتب العدل في طلبات تصريح الإقامة الخاصة بهم، بدءًا من تاريخ 15 من شباط 2022″.
كما يجب “توثيق عقود الإيجار من قبل صاحب العقار أو المؤجر، وليس من قبل المواطن الأجنبي الذي يرغب في الحصول على تصريح الإقامة، وتدرج معلومات الهوية في نموذج العقد”.
ولفتت الإدارة إلى إلزامية تقديم طلبات تصاريح الإقامة عن طريق نظام الإقامة الإلكترونية من داخل تركيا، ولن تُقبل طلبات تصاريح الإقامة المقدمة من الخارج.
كما تشترط السلطات التركية منذ عام 2016، على السوريين الحاملين لبطاقات “الحماية المؤقتة” الإقامة في الولاية المسجلة فيها بياناتهم وعناوينهم، ومن غير المسموح لهم التنقل بحرية بين الولايات التركية إلا بالحصول على إذن سفر بشكل مجاني.
يجد السوريون المقيمون في تركيا، وخاصة في الولايات الحدودية، صعوبة بالغة في الحصول على إذن سفر، وخاصة إلى ولاية اسطنبول التي تحاول السلطات التركية تخفيف وجود السوريين فيها، ما يتركهم عرضة لاستغلال “سماسرة” يستخرجون لهم إذنًا مقابل مبالغ مالية.
التضييق يدفع كثيرين إلى التنقل بشكل مخالف (تهريب)، من خلال سيارات أجرة لا يمر سائقوها من الطرقات التي يعرفون مسبقًا بوجود حواجز تفتيش عليها، أو عن طريق “بولمانات” السفر التي يحجزون تذاكرها عبر الإنترنت، ويتركون إمكانية غض طرف عناصر الأمن في حواجز التفتيش عن غياب إذن السفر للحظ.
بينما تمنع المطارات منعًا باتًا سفر السوريين داخليًا في تركيا، في حال عدم وجود إذن سفر ساري الصلاحية.