ماذا عن التكاليف وظروف العمل والتعليم؟
بعد التضييق في تركيا.. سوريون يهاجرون إلى مصر
عنب بلدي- أمل رنتيسي
“اعتدت الحياة والعمل في اسطنبول، وكنت أشعر ببعض الاستقرار مقارنة بغيري من أصدقائي العاملين هنا، لكن التضييق الأخير في الحصول على إذن العمل، وصعوبة إحضار خطيبتي من سوريا إلى تركيا، جعلني أختار مصر، حيث أقربائي، وهي، نوعًا ما، أفضل بلد احتوت السوريين”.
يبرر الشاب السوري “أيهم” (36 عامًا)، اسم مستعار لأسباب أمنية، أسباب مغادرته اسطنبول إلى القاهرة بحثًا عن مستقبل أفضل له ولعائلته التي يريد تكوينها في بلد جديد رآه أفضل للاستقرار.
وقال “أيهم” الذي وجد صعوبة في إحضار خطيبته، “عندما خطبت من سوريا لم يكن هناك تدقيق زائد على موضوع الإقامات والمعاملات والدعوة والتأشيرة، إذ كان من المتعارف عليه أن السوري يستطيع دعوة أقاربه من سوريا إلى تركيا بطريقة أقل تعقيدًا”.
يعمل “أيهم” بمجال خياطة فساتين الأعراس، وكانت لديه في تركيا إقامة سياحية، وحاولت الشركة التي كان يعمل فيها استصدار إقامة عمل له و”قوننة” وضعه، وباءت ثلاث محاولات بالفشل، بعد رفض منحه الإقامة من قبل الدوائر المتخصصة.
“لم أجد حينها حلًا سوى إحضار خطيبتي بفيزا، تقدّر تكلفتها بحدود 4800 إلى 5000 دولار بحسب ما استفسرت عنه في المكاتب المختصة، كان أمامي خيار أن أدفع هذا المبلغ في ظل مستقبل مجهول ينتظرها في تركيا بما يخص استصدار بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) أو حتى إقامة سياحية”، قال “أيهم” لعنب بلدي، مضيفًا أن خيارًا ثانيًا كان أمامه، وهو “السفر من تركيا وبدء حياة جديدة في مكان آخر مع تزايد خطاب العنصرية في قضايا الحياة اليومية، والتي أبسطها استئجار منزل”.
ويتيح القانون التركي للأجانب المقيمين في تركيا إمكانية تقديم طلب زيارة للأقارب أو الأصدقاء، تمكّنهم من الحصول على تأشيرة دخول، شرط أن يحمل السوري مُقدّم الدعوة “إقامة عمل”.
تصاعد خطاب الكراهية من مسؤولين وسياسيين معارضين ضد اللاجئين في تركيا خلال الأشهر الأخيرة، والتضييق المتزايد من قبل الهجرة التركية في منح إقامة سياحية أو “الكملك” للسوريين الوافدين حديثًا، وحتى نقل “الكملك” من ولاية إلى أخرى، دفع بعض السوريين للتفكير برحلة جديدة بحثًا عن ظروف أكثر استقرارًا في بلد آخر، وهربًا من دوامة الأوراق الثبوتية والتصريحات العنصرية.
إلى مصر عبر “موافقة أمنية”
بدأت مصر بفرض “الفيزا” على السوريين منذ عام 2013، ومنذ ذلك الوقت يلجأ أغلب السوريين إلى دفع مبالغ كبيرة للسماسرة لتسهيل إجراءات الدخول إلى البلاد.
ولا يوجد تأشيرة دخول (فيزا) للسوري الراغب بالسفر إلى مصر، ويستعاض عنها بـ”موافقة أمنية” يتم على أساسها وضع اسم المسافر في لوائح الأمن بالمطار، وفق ما أوضحه “أيهم” لعنب بلدي.
ويوجد نوعان لهذه الموافقة، موافقة أمنية من جهاز “المخابرات”، وأخرى من جهة “الأمن الوطني” التي تعتبر أقوى، لكن تكلفتها أعلى خاصة للسوريين الموجودين في تركيا، ويستغرق إصدارها قرابة 15 يومًا.
وللقادمين من سوريا، تبلغ تكلفة موافقة “المخابرات” 1200 دولار أمريكي، و”الأمن الوطني” 1300 دولار، بينما تبلغ الأخيرة للسوريين في تركيا 1500 دولار.
أضاف “أيهم”، “بالنسبة لي تواصلت مع سمسار، وهو شاب سوري لديه علاقاته، إذ عادة هؤلاء الأشخاص هم صلة الوصل بين المسافر وأحد الضباط في المطار أو الجهات الأمنية التي تعطي الموافقة، وكل منهم يأخذ نسبته من الأموال”.
بلغت التكلفة الإجمالية بالنسبة لـ”أيهم” إلى أن وصل إلى الأراضي المصرية 1725 دولارًا أمريكيًا، 1500 دولار موافقة “أمن وطني” و225 دولارًا تذكرة الطيران.
لماذا مصر؟
بالنسبة للشاب، فإن مجال عمله في فساتين الأعراس يلقى رواجًا في مصر، كما ذكر أن غياب المضايقات من المصريين وتقبّلهم للشعب السوري هو ما شجعه على السفر إلى تلك البلاد.
ولم يكن “أيهم” الوحيد ضمن العائلة الذي اختار السفر إلى مصر، فأخوه “إسماعيل” (39 عامًا)، اسم مستعار لأسباب أمنية، سلك نفس الطريق ليستقر في القاهرة أيضًا، بعد أن أصبح يشعر بأنه “منبوذ”، حسب وصفه، وأبعد زوجته التي كانت تقيم في سوريا عن دوامة الأوراق.
“إسماعيل” تحدث لعنب بلدي حول غلاء تكلفة تجديد الإقامات واستخراجها في تركيا إن قوبلت أصلًا بالموافقة، إضافة إلى تخوفه من تزايد خطاب العنصرية ضد اللاجئين، وغلاء إيجارات المنازل والمعيشة بشكل عام.
أديب ملّا، وهو خريج حقوق منذ عام 2010 من جامعة “حلب”، ويقيم في تركيا منذ عام 2014، يبحث هو الآخر عن سبيل للسفر إلى مصر، وقال لعنب بلدي، “على الأقل أستطيع العمل بشهادتي في مجال المحاماة دون تعقيدات، ودون المتطلبات التركية لمعادلة الشهادة، فالقانون المدني الذي يعتبر عصب كلية الحقوق هو نسخة طبق الأصل من القانون المدني المصري، وقانون أصول المحاكمات المدنية والجزائية هو ذاته”، على حد تعبيره.
يعمل أديب الآن في مجال “ورشات كوي وتغليف جوارب”، ويقيم مع عائلته في مدينة اسطنبول.
وأضاف لعنب بلدي، “الآن أصبحت مكاتب السمسرة تؤمّن الموافقات إلى مصر، لكن ليس لدي جواز سفر ساري المفعول ولا هوية (بطاقة شخصية)”.
لم يستطع أديب مزاولة مهنة المحاماة في سوريا، أو حتى فترة التدريب لمدة سنتين المتعارف عليها بعد التخرج، حيث التحق بالخدمة الإلزامية ومن ثم لجأ إلى تركيا عام 2014، كما يمنع القانون التركي مزاولة العمل بالمحاماة بالنسبة لحملة شهادة الحقوق غير التركية إلا بعد معادلتها، وهو الخيار الذي لم يكن متاحًا لأديب بسبب عدم وجود معيل مادي يسمح له بالتفرغ للدراسة.
وأشار الشاب إلى أن أحد الأسباب الجوهرية الآن التي تجعله يفكر باللجوء إلى مصر، هو شعوره بـ”الرعب والتهديد بالترحيل”، على حد قوله، إذ يحمل بطاقة “الكملك” لكنه يعمل “بالأسود” بسبب عدم وجود إذن عمل.
“أنا قاعد مهدد صرلي ثماني سنوات، والعمر والوقت عم يضيع على الفاضي”، ختم أديب كلامه.
وأجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي على مجموعة مغلقة تخص اللاجئين السوريين في تركيا عبر “فيسبوك”، حول خيار السفر إلى تركيا، وأظهرت النتائج تفاوتًا في الآراء، إذ رأى بعض المعلقين أن “الشعب المصري طيب” و”من أكثر الشعوب التي تحب السوريين وتساعدهم”، وأن في مصر تبسيط “لجهة الوثائق”، ولا توجد “صعوبات وقوانين جائرة”.
بينما تحفّظ آخرون على السفر إليها لأسباب سياسية، منها طبيعة الحكم وقمع الحريات، بينما تخللت التعليقات بعض الآراء ما بين العودة إلى سوريا أو السفر إلى أي دولة في العالم لا تطلب “تحديث بيانات”، بإشارة تهكمية إلى ما يعانيه السوريون في تركيا من صعوبات للحصول على موعد لتحديث بياناتهم وعناوين سكنهم في الولايات التركية.
ما الوثائق التي يحصل عليها اللاجئ السوري في مصر؟
العامل في المجال الإنساني ومع اللاجئين والمهاجرين في مصر محمد الحسن، شرح لعنب بلدي طبيعة الوثائق التي يحصل عليها السوريون اللاجئون في مصر.
وأوضح أن هناك خياران للسوريين الجدد القادمين إلى مصر، إما التسجيل بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر ليحصلوا على ما يُعرف بـ”الكرت الأصفر”، وهو بطاقة تُمنح للاجئين تحت مسمى “Asylum Seeker” (طالب لجوء).
وإما أن يحتفظ بجواز السفر ويستخرج إقامة سياحية مدتها ستة أشهر، أو إقامة سنوية يحصل عليها الطالب وعائلته وينجز عبرها المعاملات، وفي هذه الحالة تُرفع عنه صفة اللجوء ويصبح في وضع “مهاجر”، وليس لاجئًا، إن لم يكن لديه “الكرت الأصفر”.
ويستطيع السوري أن يحصل على إقامة بموجب “الكرت الأصفر” كل ستة أشهر، وتُعرف بـ”إقامة لجوء”، كما يستطيع الحصول بموجبه على مساعدات نقدية أو غذائية سنوية أو شهرية من المفوضية.
ومصر هي من الدول الموقعة على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع حماية اللاجئين، إلا أن لديها تحفظات على الكثير من بنودها، فالبند الوحيد الذي تعتبر مصر موافقة عليه هو “قانون عدم العودة” أو “حق عدم العودة”، أي عدم الترحيل، إذ لا ترحّل السلطات المصرية أي حامل لـ”البطاقة الصفراء”، وفق الحسن، الذي أشار إلى وجود بعض حالات الاستثناء من الدول الإفريقية.
لكن بالنسبة للسوريين، لم يصدر قرار ترحيل بحق أي شخص، إلا في بعض حالات التجار السوريين أو من لديهم فقط جواز سفر وعليهم مشكلات أمنية، حسب الحسن.
هل حق العمل متاح؟
أما من ناحية قانون اللجوء وحق العمل في مصر، فلا يوجد شكل قانوني لممارسة العمل، فكل أنواع الأعمال التي يعمل فيها اللاجئون السوريون هي غير قانونية.
ونوّه الحسن إلى أنه حتى من لديه فقط جواز سفر من السوريين، والذين لا يصنفون كلاجئين، لا يحق لهم أيضًا العمل كموظفين لديهم “إذن عمل”، فهذه الحالة غير مدرَجة في القانون المصري، والمجالات الوحيدة التي يستطيعون العمل فيها بشكل قانوني هي فتح متجر أو مشروع أو شركة.
وأيضًا حملة الشهادات السوريون ممن أتوا إلى مصر، ليس لديهم أي حق أو قانون بحكم قانون المعادلة، فهم لا يستطيعون معادلة شهاداتهم، ولا يستطيعون الانتساب للنقابات، كنقابة المحامين ونقابة الأطباء أو المهندسين، فخريجو الجامعات غير المصرية ليس لديهم “حق ممارسة المهنة”، كما لا يستطيعون التقدم لوزارة العمل، وأغلب الأطباء أو المحامين والمهندسين السوريين يعملون بشكل غير قانوني تحت إشراف مصريين، وفق الحسن.
واعتبر الحسن أن جزئية “حق العمل” هي من ضمن تحفظات مصر في قضية اللاجئين، “لكن على أرض الواقع هذا الأمر معكوس بشكل سيئ، لأن كل أصحاب الشهادات والراغبين في العمل يعملون بشكل غير قانوني دون حماية ودون حفظ حقوقهم، وهذا واقع سيئ جدًا من ناحية العمل”، حسب قوله.
ماذا عن حق التعليم؟
أشار محمد الحسن إلى أنه بالنسبة للتسجيل في المدارس والتعليم، فهو في مصر مجاني للاجئين السوريين بكل المراحل الدراسية.
أما التسجيل في الجامعات، فيشترط الحصول على شهادة ثانوية عامة (بكالوريا) مصرية، حتى يستطيع الطالب التسجيل بالجامعات مجانًا، وهو قانون ليس ثابتًا، إذ يتم تجديده كل عام، فمن لديه شهادة أجنبية يعامَل معاملة الأجنبي، ويضطر لدفع آلاف الدولارات للتسجيل في الجامعة.
التسجيل في الجامعات يتم حصرًا عبر ما يُعرف بـ”مكتب الوافدين”، وهذا المكتب لا يعترف بـ”الكرت الأصفر”، وهو يطلب حصريًا أن يكون لدى الطالب السوري جواز سفر ساري المفعول، وإلا فهو لا يستطيع التسجيل في الجامعة، وهو فعليًا أحد التناقضات، إذ ينص القانون أن من لديه “الكرت الأصفر” يستطيع التسجيل في الجامعات المصرية.
وهذا يجبر معظم اللاجئين على تجديد الجواز بشكل مستمر، حتى يتمكنوا من التسجيل في الجامعات.
هل هناك انقسام في مصر حول اللاجئين؟
يرى محمد الحسن أن المجتمع المصري منقسم بشكل يصفه بـ”المريع” من حيث الطبقية، وموضوع تقبّل اللاجئين يختلف حسب المكان ومنطقة السكن، لكن، بشكل عام، لا يوجد نمط محدد، فتقبّل الشعب المصري للاجئين السوريين ممتاز، مقارنة مع بقية الجنسيات الموجودة في مصر، كأبناء الجنسيات الإفريقية الذين “يموتون بشكل يومي بسبب سوء المعاملة والضرب والفظائع الأخرى”، حسب تعبيره.
بشكل عام، السوري لا يواجه مشكلات بشكل يومي تستدعي تدخل منظمات أو جهات حقوقية، وحتى الحوادث التي يمكن أن تحصل، هي حالات فردية ولا تعكس رأي المجتمع المتقبّل للسوريين.
واعتبر أنه مقارنة مع تركيا، هنالك إيجابيات كبيرة بالنسبة للسوريين في مصر، مثل اللغة العربية والاندماج وسهولة المعيشة من حيث إيجاد عمل وتحقيق بعض الاكتفاء المادي، إضافة إلى عدم وجود مخيمات ورفض السلطات المصرية لهذا الاقتراح، وإبقاء اللاجئين في المدن، وهو ما منع وجود فصل كبير بين المجتمعين السوري والمصري.
ووفق أحدث إحصائية لأعداد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، والصادرة في كانون الثاني الماضي، شكّل السوريين ما يقارب نصف أعداد اللاجئين في مصر، إذ بلغ عددهم 137.599 لاجئًا من مجموع 273.152.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :