عنب بلدي – حسن إبراهيم
انخفضت وتيرة استهداف قيادات و”جهاديين” منضوين في تنظيم “حراس الدين” شمال غربي سوريا من قبل التحالف الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن ركّز الأخيران على استهداف “جهاديي” الفصيل، بإطلاق صواريخ ذكية سواء من الطائرات المسيّرة أو الحربية.
وخسر فصيل “حراس الدين”، وهو فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، ومن أبرز الجماعات “الجهادية”، أبرز القياديين والشرعيين في صفوفه، على مدار أعوام منذ نشأته في سوريا، عدا عن تضييق بعض الفصائل العسكرية الخناق عليه.
وبعد ارتفاع وتيرة الاستهدافات للفصيل ولقياداته وشرعييه، لم يتعرض منذ أكثر من ستة أشهر لأي استهداف من قبل التحالف الدولي، لكن ذلك لم يمنع من إضافة الفصيل من قبل عدة دول إلى لائحة التنظيمات “الإرهابية” المحظورة، ما طرح العديد من التساؤلات حول سياسة “حراس الدين” للحفاظ على البقاء، والمخاطر التي تهدد الفصيل وقياداته حاليًا، ومدى اعتبار شمال غربي سوريا بيئة مناسبة لاستمراره.
“الجولاني” أنهك “حراس الدين”
ترافق استهداف التحالف الدولي لـ”حراس الدين” مع تضييق وملاحقة من قبل “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ في محافظة إدلب وريف حلب الغربي وسهل الغاب شمالي حماة، وتلال وريف اللاذقية الشرقي، بقيادة “أبو محمد الجولاني”.
ومع كل استهداف لعناصر “حراس الدين”، تُتهم “تحرير الشام” بأنها تقف خلف هذه العمليات، وأنها تعطي معلومات استخباراتية للتحالف الدولي للخلاص من “الحراس”، رغم نفي “الهيئة” وجود سياسة ممنهجة تجاه المهاجرين “الأجانب” بشكل عام.
أصابع الاتهام نحو “تحرير الشام” عزّزتها خلافات سابقة بين الفصيلين، تجلّت بملاحقة “الهيئة” عناصر “حراس الدين” وزجّهم بالسجون، حتى وصلت الخلافات إلى الاشتباك المباشر في حزيران 2020.
كما جرت اشتباكات بين “تحرير الشام” وغرفة عمليات “فاثبتوا”، التي كانت تضم أبرز الفصائل “الجهادية” وعلى رأسها “حراس الدين” في حزيران 2020، موقعة قتلى من الطرفين.
وانتهت الاشتباكات حينها بتوقيع اتفاق نصّ على منع نشر أي حواجز أو شنّ أي عمل عسكري ضد قوات النظام إلا بعد التنسيق مع غرفة عمليات “الفتح المبين”، التي تضم “تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير” و”جيش العزة”، والمسؤولة عن العمليات العسكرية في المنطقة.
الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، أوضح في حديث إلى عنب بلدي أن “أبو محمد الجولاني” استطاع احتواء تنظيم “حراس الدين” واحتواء الخطر الذي يمثّله عليه، كما أنه استطاع منع أنشطته على الأراضي السورية، الأمر الذي جعل التنظيم غير فعال حتى لو بقي موجودًا.
وأضاف الدكتور الحاج أن استراتيجية “الجولاني” بخصوص المقاتلين الأجانب أوسع من تنظيم “حراس الدين” (القاعدة) وتنظيم “الدولة الإسلامية”، فكل المقاتلين من بلدان القوقاز والبلدان الغربية يمثّلون هدفًا له، وهذا مفتاح قبول “الجولاني” كقوة محلية يعوّل عليها من قبل الأمريكيين والدول الإقليمية المناهضة للنظام السوري.
ما تنظيم “حراس الدين”؟
“حراس الدين” هو فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، رغم عدم الإعلان الرسمي من جانب الأخير عن وجود جذور عسكرية له داخل الأراضي السورية.
وأصدرت القيادة العامة لتنظيم “القاعدة”، في كانون الثاني 2018، بيانًا تضمّن تأكيدًا ضمنيًا على انتشار عناصره في سوريا، لأول مرة منذ فك “جبهة النصرة” ارتباطها به.
ويضم “حراس الدين” كلًا من مجموعات “جيش الملاحم، جيش الساحل، جيش البادية، سرايا الساحل، سرية كابل، جند الشريعة”، فلول “جند الأقصى”، إضافة إلى عدد من الفصائل الصغيرة التي لها تاريخ من العلاقات الأيديولوجية والقيادية مع “القاعدة”.
بالإضافة إلى قيادات “القاعدة” في “مجلس الشورى”، الذي يضم حاليًا سامي العريدي و”أبو عبد الرحمن المكي” وعددًا من القيادات السابقة في “جبهة النصرة”، التي رفضت فك الارتباط بـ”القاعدة”.
وانضم العديد من المقاتلين الأجانب الأوروبيين إلى صفوف الفصيل منذ إنشائه.
ويعتبر سامي العريدي الزعيم الديني وكبير الهيئة الشرعية في “حراس الدين”، والرجل الثاني في الفصيل، بعد فاروق السوري.
ولا يملك التنظيم أرضًا أو منطقة محددة، ويستخدم إلى حد كبير الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة مثل بنادق “AK-47” وقذائف الهاون والقذائف الصاروخية في غاراته على مواقع النظام السوري.
عامان على مقتل “أبو القسام الأردني”
يوافق حزيران الحالي ذكرى مرور عامين على استهداف أبرز قياديي “حراس الدين”، ومنهم نائب القائد العام، الأردني خالد العاروري الملقب بـ”أبو القسام الأردني”، من قبل طائرة مسيّرة تتبع للتحالف الدولي في إدلب، في 15 من حزيران 2020.
وقُتل في ضربة الطائرة المسيّرة التي كانت تحمل صواريخ من نوع “نينجا” مرافقه بلال الصنعاني على الفور، في حين توفي “أبو القسام الأردني” متأثرًا بجروح أُصيب بها في 22 من الشهر نفسه.
وذكر بيان “حراس الدين”، حينها، أن العاروري استُهدف مع الصنعاني وهما يستقلان سيارة من نوع “سنتافيه”، خلال توجههما لتشكيل اللجنة العسكرية لغرفة عمليات “فاثبتوا”.
وفي 24 من الشهر ذاته، قُتل مسؤول الآليات في التنظيم الملقب بـ”أبو عدنان الحمصي”، إثر استهدافه بغارة من طيران التحالف الدولي على طريق بنش بريف إدلب الشرقي، بحسب ما أعلنته حسابات مقربة من التنظيم في “تلجرام”.
من هو “أبو القسام”؟
شغل خالد العاروري (أبو القسام)، المولود في 25 من تموز 1976 في مدينة رام الله بالضفة الغربية بفلسطين، منصب نائب القائد العام لـ”حراس الدين” قبل مقتله.
ونشأ في مدينة الزرقاء بالأردن بعد انتقال عائلته إليها، والتقى في أثناء وجوده في المدينة بالقيادي “أبو مصعب الزرقاوي” عضو تنظيم “القاعدة” السابق بالعراق، وسافرا إلى أفغانستان عام 1989، وبقيا حتى عام 1993.
سُجن القياديان في الأردن خمس سنوات، إذ دخلا السجن بتاريخ 29 من آذار 1994 إلى آذار 1999، وأسس “أبو مصعب” بعد الإفراج عنهما منظمة سُميت “بيعة الإمام”، وسافرا مرة ثانية إلى أفغانستان، وصار “القسام” قائدًا لمعسكر “أبو مصعب” للتدريب الجهادي غربي أفغانستان.
غادر “أبو مصعب” ورجاله من بينهم العاروري أفغانستان عام 2001، وكان العاروري أحد مستشاري “الزرقاوي” وصهره أيضًا (زوج أخته)، واشتهر بأنه كان نائبه، وإحدى حلقات الاتصال مع جماعة “أنصار الإسلام” التي تمركزت حينها شمالي العراق.
أصبح العاروري مسؤولًا عن معسكرات التدريب شمالي العراق، واجتمع مع “أنصار الإسلام” في شباط وآب 2003، واعتُقل بنفس العام في إيران.
أطلقت إيران سراحه عام 2015 مع قادة آخرين منهم قيادي “قاعدة الجهاد”، “سيف العدل”، الذي كان قد بنى العاروري علاقة معه، إذ ساعد تنظيم “القاعدة” وخصوصًا “الزرقاوي” في إنشاء معسكر خاص به في ولاية هرات الأفغانية عام 1999.
وأطلقت إيران سراحه حينها بعملية تبادل، إذ سلّم تنظيم “القاعدة”، في آذار 2015، دبلوماسيًا إيرانيًا اختطفه سابقًا مقابل الإفراج عن العاروري وعدد من قادة “القاعدة”، منهم “سيف العدل المصري”، و”أبو محمد المصري”، و”أبو الخير المصري” الذي قُتل بغارة للتحالف الدولي قرب معسكر المسطومة بإدلب شمال غربي سوريا، في شباط 2017.
توجه “أبو القسام الأردني” إلى سوريا لمقاتلة النظام السوري، وأسس مع بعض المقاتلين جماعة “حراس الدين” وأصبح أبرز القياديين “المخضرمين” في الفصيل، حتى قُتل في 22 من حزيران 2020.
مصعب كنان.. آخر الضربات
توالت ضربات التحالف الدولي التي استهدفت “جهاديين” في “حراس الدين”، وكان آخرها في كانون الأول 2021، باستهداف قيادي كشفت عن هويته وزارة الدفاع الأمريكية حينها.
في 3 من كانون الأول 2021، قُتل قيادي في تنظيم “حراس الدين” يدعى مصعب كنان، كان يستقل دراجة نارية بالقرب من قرية كفربطيخ جنوبي إدلب، إثر قصف بطائرة مسيّرة أمريكية استهدفه بشكل مباشر، وأُصيب سبعة مدنيين من عائلة واحدة في أثناء مرورهم بسيارة يستقلونها عبر الطريق.
وقال “الدفاع المدني السوري“، إن شخصًا قُتل، وأُصيب خمسة مدنيين من عائلة واحدة، بينهم ثلاث نساء وطفل بجروح خفيفة، بقصف طائرة استطلاع “مذخرة” استهدف دراجة نارية على طريق أريحا- المسطومة.
وفي حديث إلى عنب بلدي، قال “المرصد 20” المتخصص برصد حركة الطيران في مناطق الشمال السوري، إن الطائرة من نوع “MQ9 RAPER” أمريكية الصنع، استهدفت دراجة نارية شرقي محافظة إدلب بثلاثة صواريخ.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، جون كيربي، في مؤتمر صحفي، في 6 من كانون الأول 2021، إن الغارة لطائرة دون طيار استهدفت جماعة “حراس الدين”، فرع تنظيم “القاعدة”، وإن “القيادي المقتول يدعى مصعب كنان”.
ولم يقدم كيربي حينها أي معلومات إضافية عن هوية الشخص، وأضاف أن المراجعة الأولية للغارة الجوية “تشير بالفعل إلى احتمال وقوع خسائر مدنية محتملة”.
ويرى الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، أن عدم استهداف قيادات في “حراس الدين” منذ آخر ضربة، يعود إلى تراجع أنشطتهم وخطرهم ليس فقط على استقرار المنطقة شمال غربي سوريا، وإنما على إمكانية أن تتوسع شبكتهم وتشكّل خطرًا في شرق الفرات حيث توجد القوات الأمريكية.
ما سياسة “حراس الدين” اليوم؟
الوضع الحالي لا يسمح لـ”حراس الدين” بممارسة أنشطة خارج الحدود، ولا أنشطة داخل الحدود أيضًا، بحسب الدكتور الحاج، الذي تحدث عن مراقبة صارمة يتبعها “الجولاني” بالإضافة إلى عمليات أمنية مستمرة عند أدنى شعور بأنهم قد يتحركون.
وأضاف الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية أن السنوات الماضية أثبتت أن “الجولاني” جاد في تصفيتهم، ولذلك لا سبيل للبقاء إلا بالكف عن أي أنشطة مباشرة تشكّل تهديدًا لـ”تحرير الشام” أو تهديدًا للحلفاء الأتراك أو الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
واستطاع القائد العام لـ”تحرير الشام” تفكيك معظم شبكات “حراس الدين” في سوريا، ما يعني أن أي محاولة لبناء هذه الشبكات من جديد ستتطلّب عملًا طويل النفس، وضبطًا للنفس من أجل الاستمرار، بحسب الدكتور الحاج، الذي رجّح أن القناعة لدى “حراس الدين” بدأت تترسخ بأن البيئة لم تعد مواتية في سوريا.
ومضى وقت طويل على إعلان “حراس الدين” أو تبنيه أي عملية عسكرية أو استهداف شمال غربي سوريا، حاله كحال العديد من الفصائل بعد توقف العمليات العسكرية في المنطقة منذ اتفاق “موسكو” أو بما يُعرف بـ”وقف إطلاق النار” الموقّع بين روسيا وتركيا في 5 من آذار 2020، عدا عن بعض الاستهدافات التي تعلن عنها “الفتح المبين” لمناطق أو مواقع عسكرية تتبع للنظام السوري، والتي غالبًا ما تأتي كنوع من الرد على القصف التي تتعرض له المنطقة من قبل النظام وحلفائه.
الدكتور الحاج أكد أن ما سبق لا ينهي عملية مواجهة تنظيم “حراس الدين”، فهدف “الجولاني” ومصلحته تكمن في تفكيك الشبكة الجهادية للمهاجرين (الأجانب)، وتفكيك حلفائهم المحليين، وبالرغم من أن “الجولاني” قطع شوطًا طويلًا حتى الآن، لا يزال التنظيم موجودًا، وعليه فإن “الجولاني” سيستمر في مواجهتهم ومحاصرتهم حتى إخراجهم.
لم تعد سوريا مكانًا آمنًا لنشاط “حراس الدين”، ونجح قائد تحرير الشام، “أبو محمد الجولاني”، في تحقيق ذلك بالتنسيق غير المباشر مع الأمريكيين.
الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج |
“حراس الدين” خطر إقليمي
في 30 من أيار الماضي، أعلن مكتب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، إضافة جماعة “حراس الدين” وشخصين قياديين فيها إلى لائحة التنظيمات الإرهابية المحظورة.
وأعلن الاتحاد في بيان له عن إضافة الفصيل وقائده، فاروق السوري، وزعيمه الديني، سامي العريدي، إلى قائمة الخاضعين للتدابير التقييدية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” والأشخاص والجماعات والمشاريع والكيانات المرتبطة بهم.
ويعمل “حراس الدين” باسم تنظيم “القاعدة” وتحت مظلته، وشارك في التخطيط لعمليات إرهابية خارجية، ولتحقيق أهدافه، أقام معسكرات عمليات في سوريا توفر تدريبًا إرهابيًا لأعضائها، بحسب البيان.
وسيخضع ما مجموعه عشرة أشخاص لحظر السفر وتجميد الأصول، وثلاث مجموعات لتجميد الأصول، وسيمنع الأشخاص والكيانات في الاتحاد الأوروبي من توفير الأموال أو الموارد الاقتصادية للأشخاص والمجموعات المدرجة في القائمة.
وأشار البيان إلى أن للأنشطة الدعائية، التي لعبتها الجماعات والأفراد الخاضعون للعقوبات أيضًا، دورًا رئيسًا في تعزيز أيديولوجية “القاعدة” الجهادية العنيفة، وفي التحريض على الأعمال الإرهابية لدعم “القاعدة”.
وأنهى الاتحاد الأوروبي بيانه بأن “(حراس الدين) وزعماءه يشكّلون تهديدًا خطيرًا ومستمرًا على الاتحاد الأوروبي والاستقرار الإقليمي والدولي”.
بيان الاتحاد الأوروبي سبقه بحوالي أربعة أشهر إعلان أستراليا إدراج عدة فصائل وجماعات وأحزاب على لائحة التنظيمات الإرهابية المحظورة، من ضمنها فصيل “حراس الدين”.
وقالت وزيرة الداخلية الأسترالية، كارين أندروز، في بيان لها، إن بلادها أدرجت فصيل “حراس الدين” على قوائم الإرهاب، بتاريخ 17 من شباط الماضي.
واعتبرت أندروز أن “حراس الدين” هو “جماعة إسلامية سنية متطرفة عنيفة ذات دوافع دينية أُسست في إدلب بسوريا، في أوائل عام 2018، كجزء من شبكة (القاعدة) العالمية”.