علي عيد | خالد جرعتلي | حسن إبراهيم
رسائل محمولة على جثّة، هذا ما لم يكشف عن السلاح المستخدم في معركة “خازمة” بالسويداء، وكشفت عنه عبارات تُركت مع جثة سامر الحكيم، قائد “قوة مكافحة الإرهاب”، التي خُطفت من ثلاجة الموتى، ثم رُميت عند ساحة “المشنقة” في مدينة السويداء، مع شريطة حمراء، كُتب عليها ما يحمل معنى التشفّي من القتيل والجهة التي يتبع لها، وينتهي بكلمتي وعيد هما، “انتظروا القادم”.
محافظة السويداء، المتاخمة لمحافظة درعا، بجغرافيتها المتصلة مع البادية السورية إلى الشمال والشمال الشرقي عبر ريف دمشق، وحدودها الممتدة لنحو 65 كيلومترًا مع الأردن، باتت محور صراع إقليمي دولي، تحكمه رغبة إيران بالسيطرة والتمدد، وهو ما يقلق الجار الإقليمي الأردني، ويثير مخاوف الجار الغربي في درعا، مقابل موقف محلي كان يفضّل بأغلبيته الحياد منذ عام 2011، وانتهى إلى نسيج ممزّق، تتناهبه ميليشيات مدعومة من إيران، وبغطاء رسمي من أجهزة الأمن في الدولة السورية.
في هذا الملف، تسلّط عنب بلدي الضوء على تطورات الأوضاع في السويداء، وتصورات المحللين ومسؤولين من القوى المحلية، والمآلات المحتملة.
معركة “خازمة”
في 9 من حزيران الحالي، قامت مجموعة موالية لإيران وقوات “الأمن العسكري” التابع للنظام بمحاصرة مجموعة تتبع لـ”قوة مكافحة الإرهاب”، في بلدة خازمة بريف السويداء الجنوبي الشرقي.
وكانت “قوة مكافحة الإرهاب”، وهي فصيل محلّي مسلح، أعلنت مؤخرًا عن تحالفها مع القوات الأمريكية والمجموعات المحلية المدعومة من قبلها في منطقة الـ”55 كيلومترًا”، أو ما يُعرف باسم قاعدة “التنف”.
استمرت الاشتباكات في البلدة التي كان يتمركز فيها مقاتلو المجموعة لعدة ساعات، استُخدمت فيها أسلحة متوسطة وثقيلة، وانتهت بمقتل قائد المجموعة، سامر الحكيم، وانسحاب بقية عناصرها باتجاه بادية السويداء في محاولة منهم للوصول إلى قاعدة “التنف”.
من جانبها، قالت شبكة “السويداء ANS” المحلية، والمقربة من “مكافحة الإرهاب” عن مصدر عسكري في الفصيل، إن من بين القوات المهاجمة مقاتلين أجانب يتبعون لميليشيات تدعمها إيران.
سعت عنب بلدي للتثبت من هوية الجهة التي نفذت الهجوم، ونوع السلاح المستخدم، وعددها من المقاتلين، إذ ذكر مصدر مسؤول في حزب “اللواء” الحليف لـ”مكافحة الإرهاب” أن المعركة أدارتها إيران، وشاركت فيها أذرعها وميليشياتها، ومنها “الدفاع الوطني”، وعناصر جاؤوا من منطقة تل صحن، وهي نقطة تمركز للقوات الإيرانية، كما شارك عناصر يتبعون لـ”حزب الله” اللبناني، وآخرون من “الأمن العسكري”، وقطع من الجيش السوري.
كما شاركت في الهجوم مجموعات مسلحة تتبع لتجار المخدرات من البدو والدروز.
وذكر المسؤول، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن القوات المهاجمة استخدمت طائرات مسيّرة (درون).
مصدر محلّي مطّلع، ذكر أن أكثر من 500 عنصر تابع للنظام السوري وإيران و”حزب الله” شاركوا في الهجوم، وأن عدد قوات “المكافحة” التي تعرضت للهجوم لا يتجاوز 40 عنصرًا، وأن المعركة انتهت بقتل قائد “المكافحة” وأسر سبعة من عناصرها، وهو ما أكده المسؤول في حزب “اللواء”.
السويداء.. الجغرافيا والتركيبة السكانية
تقع محافظة السويداء في جنوبي سوريا، ويحدها من الشمال محافظة ريف دمشق، ومن الجنوب الأردن، ومن الغرب محافظة درعا، ومن الشرق بادية الشام.
تقوم المحافظة على سلسلة من الجبال والتلال، ويصل ارتفاع أعلى القمم الجبلية فيها إلى أكثر من 1800 متر عن سطح البحر، يطلق عليها اسم “جبل العرب”، مركزها مدينة السويداء، على بعد 100 كيلومتر جنوبي العاصمة السورية دمشق.
بلغ عدد سكان محافظة السويداء حوالي 770.000 نسمة وفق تعداد 2011.
تبلغ مساحة السويداء ستة آلاف و550 كيلومترًا مربعًا.
ولا تقوم المحافظة على خليط اجتماعي أو طبقي أو طائفي معقد، باعتبار أن الريف ليس بعيدًا عن المدينة، وليس منفصلًا زمنيًا وخدميًا، ما يردم الفجوة الاجتماعية بين ريف ومدينة، أمام وجود روابط أقوى وأعمق.
يشكّل الدروز السواد الأعظم من أبناء السويداء، إلى جانب نسبة صغيرة من البدو، والمسيحيين من الروم الأرثوذكس.
رسائل الجثث
في 19 من آذار 2018، اختطف مسلحون مجهولون واحدًا من واجهات تجارة المخدرات في الجنوب السوري، وهو أحمد جعفر، الملقب بـ”أبو ياسين”، وبعد نحو أسبوع، وعقب إعدامه برصاصة في الرأس، وُجدت جثته ملقاة على دوار “المشنقة”.
ونشرت “قوات شيخ الكرامة”، وقتها، منشورًا على “فيس بوك”، أعلنت فيه مسؤوليتها عن تصفية جعفر “المسؤول عن أكبر شبكة مخدرات في محافظة السويداء لمصلحة جهات خارجية”، مشيرة إلى اعترافه بمسؤولية “حزب الله” وفرع “الأمن العسكري” ورئيسه، العميد وفيق ناصر، عن اغتيال الشيخ وحيد البلعوس بتفجير سيارة مفخخة.
ينحدر “أبو ياسين” من مدينة بصرى الشام، وهو قريب من “حزب الله” اللبناني، لكونه واحدًا من أبناء الطائفة الشيعية التي اصطف معظم أبنائها إلى جانب النظام، واصطدموا مع قوى الثورة المدنية، وتسلحوا لاحقًا تحت إدارة ضباط من “حزب الله” و”الحرس الثوري”، لحين خروجهم من المدينة في 25 من آذار 2015، بعد معركة خاضتها فصائل مسلحة محلية، على رأسها “لواء شباب السنة”، الذي تحول لاحقًا إلى ما يسمى “اللواء الثامن” بقيادة أحمد العودة.
أحمد جعفر، الذي اختطف على طريق القريا- العفينة جنوبي محافظة السويداء، حسب مصادر وشبكات إعلامية محلية منها “السويداء 24″، هو والد زاهر جعفر، الموصوف بأنه رجل “حزب الله” وإيران الأول في ملف تهريب المخدرات بالجنوب السوري، كما أنه يدير عمليات تمويل وتسليح مجموعات موالية لإيران، عصبها عناصر من شيعة بصرى الشام، كما يتخذ من بلدة جديدة يابوس، على الحدود السورية- اللبنانية، مركزًا لعملياته، إضافة إلى امتلاكه مخازن للمخدرات والسلاح في البلدة الحدودية.
أشار مصدر من العاملين في مستشفى “السويداء الوطني” لعنب بلدي، إلى أن اثنين من عناصر ميليشيا تابعة لزاهر جعفر و”حزب الله” أقدما على سحب جثة قائد “قوة مكافحة الإرهاب”، سامر الحكيم، من ثلاجة الموتى في اليوم التالي لإيداع الجثة فيها، وقاما بترهيب الكادر الطبي في المستشفى.
عنب بلدي طابقت شهادة المصدر مع المسؤول في حزب “اللواء”، وأكد الأخير هذه التفاصيل، معتبرًا أنها رسالة انتقام وجهها زاهر جعفر، كما أنها رسالة تحذير من “حزب الله” وإيران لكل من يعرقل خطّتها في السويداء.
إلى “التنف”
تُعرف “قوة مكافحة الإرهاب” بأنها من الفصائل المتعاونة مع “جيش مغاوير الثورة” المدعوم من التحالف الدولي، والمتمركز في قاعدة “التنف” العسكرية شرقي حمص.
ويثير نشاط هذه القوة، رغم قلة عددها، استياء لدى عصابات تهريب المخدرات، المعروفة بأنها تُدار من قبل أجهزة الأمن وشخصيات على علاقة وثيقة بـ”حزب الله” ومن خلفه إيران.
وفي شباط الماضي، سلّمت “قوة المكافحة” من وصفته بأنه “عميل الأمن العسكري” جودت حمزة، للقاعدة العسكرية الأمريكية في منطقة التنف، لضلوعه بالعمل لمصلحة “حزب الله” اللبناني في نقل وترويج المخدرات داخل محافظة السويداء جنوبي سوريا.
وتكرر، قبلها، احتكاك “مكافحة الإرهاب” بجماعات وميليشيا قريبة من إيران، ففي 12 من أيلول 2021، شهدت محافظة السويداء مواجهات عسكرية بين فصائل محلية وعصابات تديرها شعبة “المخابرات العسكرية” التابعة للنظام، على خلفية اختطاف العصابة التي يقودها راجي فلحوط طالبًا جامعيًا وتاجرًا من أبناء مدينة السويداء، في محاولة منها لإجبار “مكافحة الإرهاب” على إطلاق سراح عنصرين من “المخابرات العسكرية” يعملان تحت إمرة فلحوط، كانا يخططان لتنفيذ اغتيالات بحق عناصر “المكافحة”.
معركة “خازمة” جاءت بالتزامن مع تسريبات متواترة عن دعم أمريكي محتمل لفصائل في الجنوب السوري لإيقاف التمدد الإيراني.
وكان فصيل “مكافحة الإرهاب” أعلن، في 23 من شباط الماضي، عن “اتفاق عمل مشترك” وتنسيق أمني مع القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة “التنف”.
وترجم هذا التعاون ما أكده المكتب الإعلامي لفصيل “مغاوير الثورة” المتمركز في “التنف”، والمدعوم من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، عبر الإعلان عن تسلّم “المغاوير” متعاونًا مع “حزب الله” اللبناني، متهمًا بضلوعه بعمليات تهريب المخدرات جنوبي سوريا، من “مكافحة الإرهاب”، في 24 من شباط الماضي.
وبالتزامن مع هجوم “خازمة”، حاولت الصفحات الرسمية لفصائل موالية للنظام وإيران، الترويج للهجوم على أنه إيقاف لخطة أمريكية مرسومة في المنطقة.
فصيل “مغاوير الثورة” أكّد أن التعاون مع “المكافحة” وحزب “اللواء السوري” يقتصر على تنسيق فيما يخص مكافحة الجريمة، ومنع انتشار تنظيم “الدولة” و”الميليشيات”، والحد من عمليات تهريب المخدرات.
وعن صيغة هذا التعاون، ذكر عضو المكتب الإعلامي في الفصيل أحمد الخضر، أن الهدف منه هو جعل المنطقة الجنوبية خالية من كل أشكال الجريمة.
مصدر مسؤول في حزب “اللواء” القريب من “قوة مكافحة الإرهاب”، نفى في اتصال أجرته عنب بلدي معه، أي علاقة للحزب بنشاط “المكافحة” العسكري، مؤكدًا أن التعاون ينحصر بتقديم “النصح السياسي”، والتشاور.
وحول طبيعة التعاون، والجانب العسكري فيه، ذكر المسؤول أن الهدف “مدني غير عنفي”.
وحول العلاقة مع الأمريكيين، قال المسؤول، “نحن (حزب اللواء السوري) قريبون من التحالف الدولي واجتمعنا مع الأمريكيين، وليست لدينا مشكلة في ذلك، خصوصًا أن لدينا هدفًا واضحًا في محاربة تنظيم (الدولة الإسلامية)”.
وأكد أن حزبه يعمل “ضدّ الوجود الإيراني” في السويداء، وضدّ ما أسماه “الفساد المنتشر”، مشيرًا إلى أن “إيران موجودة في الجنوب عبر المخدرات والفساد”، وأنها موجودة عسكريًا في المنطقة، “إلا أنها تسعى للسيطرة عبر تفكيك المجتمع”، نافيًا أن تكون “قادرة على تشييع البيئة المحلية”، بسبب التركيبة الخاصّة للمجتمع.
“نحن قريبون من التحالف الدولي واجتمعنا مع الأمريكيين، وليست لدينا مشكلة في ذلك، خصوصًا أن لدينا هدفًا واضحًا في محاربة تنظيم (الدولة الإسلامية)”
مسؤول في حزب “اللواء السوري” |
لا جديد من قبل الأمريكيين
الهجوم من قبل قوات مدعومة من النظام وإيران على مجموعة “المكافحة” المتحالفة مع قاعدة “التنف”، أعقبه، في 15 من حزيران الحالي، هجوم روسي على القاعدة ذاتها، نفذته طائرتان من طراز “سوخوي”.
وتأتي العمليتان (خازمة والتنف) في وقت يميل فيه الأمريكيون إلى التهدئة، حيث أكد الجنرال إريك كوريلا،، قائد القيادة المركزية الأمريكية، عقب الهجوم أن الولايات المتحدة تسعى لتجنب الصراع مع روسيا في سوريا.
وقال كوريلا في بيان، “نسعى لتجنب سوء التقدير أو مجموعة من الإجراءات التي قد تؤدي إلى صراع غير ضروري، “هذا يظل هدفنا، ومع ذلك، كان سلوك روسيا الأخير استفزازيًا وتصعيدًا”.
الهجومان يعتبران مؤشرًا على تقاطع مصالح بين الروس والإيرانيين، وهو تقاطع مدفوع تحت الضغط الأمريكي لعزل روسيا وتزويد أوكرانيا بالسلاح من جهة، والقصف الإسرائيلي لمواقع تديرها إيران في سوريا من جهة ثانية.
ويستغل الروس والإيرانيون عدم رغبة واشنطن بالتصعيد، إذ يرى الباحث العسكري في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام” النقيب رشيد محمود حوراني، أن رد الفعل الأمريكي “دون المستوى المطلوب” حيال تمدد إيران في السويداء، وهو ما يدفع الأخيرة إلى “المناورة على نفوذها في المنطقة”.
واعتبر حوراني أن أي مواجهة جديدة بين الأمريكيين والإيرانيين في الجنوب، هي رهن تصعيد إيران في تعزيز نفوذها بالمنطقة، إذ تعمل إيران عادة في مثل هذه الظروف على “امتصاص التصعيد بالمراقبة”، إلا أنها ستعود لتعزيز نفوذها عندما تجد الفرصة مُتاحة أمامها، بحسب حوراني.
باتجاه الأردن
يشكو الجانب الأردني خطرًا مزدوجًا للتمدد الإيراني في الجنوب السوري، الأول يتمثل في حرب المخدرات التي تخوضها قواته على طول الحدود الممتدة لنحو 375 كيلومترًا، والخطر الثاني يتمثّل بمحاولات زعزعة أمنه بعد تراجع أثر التفاهمات الأردنية- الروسية، التي تم تثبيتها في تموز 2018، بخصوص التهدئة ووقف النار ومنع تفاقم الوضع الإنساني في المنطقة الحدودية بين سوريا والأردن.
ثمة مؤشرات على أثر انشغال الروس في حربهم على أوكرانيا، وهو ما أتاح الفرصة أمام إيران لإعادة التموضع وتعزيز نفوذها العسكري في المنطقة.
وقال الصحفي الأردني أمجد العبسي، المتخصص في الشأن السياسي، إن هناك قلقًا شديدًا من تدفق كبير للميليشيات الإيرانية على مناطق الجنوب السوري.
وأضاف العبسي أن هناك تقديرات بوجود “أكثر من ثلاثمئة مجموعة جرمية مختصة بتهريب المخدرات والحشيش والسلاح، تعمل تحت إمرة إيران في الجنوب، بغطاء من (الفرقة الرابعة) التي يقودها ماهر الأسد”.
مسألة تهريب المخدرات ليست جديدة، إذ ضبطت السلطات الأردنية كميات كبيرة من المخدرات على الحدود مع سوريا في عام 2020، تتجاوز قيمتها السوقية 20 مليون دولار، حسب تحقيق استقصائي نشرته عنب بلدي، بالتعاون مع “Syria Indicator“.
وقال الجيش الأردني، إنه أحبط، خلال عام 2021، 361 محاولة تسلل وتهريب من سوريا إلى الأردن، وضبط ما يقارب 15.5 مليون حبة مخدرات، وما يقارب 760 كيلوغرامًا من الحشيش المخدّر.
ولم تنقطع عمليات التهريب في الأشهر الماضية من العام الحالي، إذ أحبطت القوات المسلحة الأردنية عمليات كبيرة، وطوّرت قواعد الاشتباك مع تصاعد عمليات التهريب، متوعدة في بيان لها، في 20 من أيار الماضي، بأنها ستتعامل بكل “قوة وحزم” مع أي محاولات تسلل أو تهريب لحماية الحدود، ومنع كل “من تسوّل له نفسه العبث بالأمن الوطني الأردني”.
الصحفي العبسي قال إن الجديد في تطورات الوضع على الأرض فيما يخص تغلغل الميليشيات الإيرانية، هو “أن الأردن رصد مؤخرًا تدفق أسلحة من النوع الثقيل والمتوسط إلى هذه الميليشيات، وكذلك تعزيزها بمئات الأفراد والعناصر، الأمر الذي دفع الملك عبد الله الثاني إلى إثارة هذه المخاوف أمام المؤسسات المختلفة في واشنطن وأمام الرئيس بايدن”.
“الأردن رصد مؤخرا تدفق أسلحة من النوع الثقيل والمتوسط إلى هذه الميليشيات، وكذلك تعزيزها بمئات الأفراد والعناصر، الأمر الذي دفع الملك عبد الله الثاني إلى إثارة هذه المخاوف أمام المؤسسات المختلفة في واشنطن وأمام الرئيس بايدن”
أمجد العبسي صحفي أردني متخصص في الشأن السياسي |
وحذر العاهل الأردني، عبد الله الثاني، في مقابلة تلفزيونية ضمن برنامج “معهد هوفر” التابع لجامعة “ستانفورد” الأمريكية، نُشرت في 18 من أيار الماضي، من أن تملأ إيران و”وكلاؤها” الفراغ الذي ستتركه روسيا في الجنوب السوري، وما قد ينتج عنه من تصعيد لمشكلات محتملة على حدود بلاده.
ويرى العبسي أن “هناك أسئلة مفتوحة بشأن الدور الروسي الذي ما زال الأردن يراهن عليه، ولو بالحدود الدنيا، لضبط الوضع في الجنوب السوري، رغم الحديث عن انسحابات متكررة منه لمصلحة إيران وميليشياتها”.
تراجع الرهان على دور روسي في الجنوب السوري، دفع بالأردن، بشكل متزايد، للكشف عن مخاوف من تحركات إيران، وهو ما يفسر دعم الملك عبد الله الثاني تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، وهو ما كشف عنه في مقابلة مع قناة “CNBC” الأمريكية،، في 24 من حزيران الحالي، مشيرًا إلى احتمالية تشكيل هذا الحلف الجديد من الدول التي لديها نفس التفكير، وفق تعبيره، دون أن يشير إلى تلك الدول بالاسم.
واعتبر الملك الأردني خلال المقابلة أن دور إيران في المنطقة هو محض “علامة استفهام”.
حفّارات أنفاق و”حماس” حاضرة
استفسرت عنب بلدي عن تحركات القوى القريبة من إيران على الأرض خلال الفترة الأخيرة، وحصلت على معلومات من مصدرَين محلّيين تفيد بدخول ثلاث حاملات شحن (لاودر)، على متنها آليات ثقيلة مخصصة لحفر الأنفاق، إلى مطار “الثعلة العسكري”، الذي يقع على مسافة 13 كيلومترًا غرب مدينة السويداء.
واستولى “حزب الله” اللبناني على أحد المباني داخل المطار الذي تعرض للاستهداف من قبل إسرائيل في كانون الثاني 2019، حيث ذكرت مصادر إعلامية دخول شاحنات “غريبة” في ظل حراسة مُشددة على مداخله.
تشير المعلومات من المصدرَين المحلّيين، إلى أن “حزب الله” أنشأ غرفة عمليات في مطار “الثعلة”، مهمتها الأساسية إدارة النشاط على الحدود مع الأردن، وأن هناك غرفة ثانية “مصغرة” تم إنشاؤها في منطقة قريبة من المطار بعد رصد تحرّكات الحزب، ويجري تفعيلها حاليًا بمنتهى السرية خشية استهدافها، مشيرًا إلى عدم وضوح دور هذه الغرفة، باستثناء أن نشاطها متّصل بنشاط غرفة العمليات في “الثعلة”.
وذكر مصدر قريب من “حزب الله” ومطّلع على نشاطاته في السويداء، أن المنطقة الحدودية بين جنوب السويداء والأردن، شهدت خلال الأسابيع الأخيرة زيارات فريق مسح، يضم خبراء في حفر الأنفاق، وأن خبيرًا من “حركة المقاومة الإسلامية” الفلسطينية (حماس) كان ضمن الفريق، ولم تتمكّن عنب بلدي من تحديد اسم الخبير، أو تأكيد المعلومة عبر مصدر آخر.
ونشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” تقريرًا، في 5 من آب 2014، ذكرت فيه أن “حزب الله” يتلقى معونة من “حماس” في تقنيات حفر الأنفاق.
ونقلت الصحيفة عن عيدو هيخت، المتخصص في العقيدة العسكرية بمركز “بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية” في جامعة “بار إيلان”، قوله، “تقوم (حماس) بنقل معلومات مهمة لـ(حزب الله) حول كيفية حفر الأنفاق عن طريق استخدام تقنيات مختلفة، نظرًا إلى الخبرة الواسعة التي تراكمت على مدى السنوات الماضية”.
وشهدت الأشهر الأخيرة تبدّلات في مواقف حركة “حماس”، حيث قررت إعادة العلاقات مع النظام السوري بعد عشر سنوات من ابتعاد قيادتها عن دمشق بسبب معارضتها لحملة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ضد الانتفاضة السورية.
وصرح مصدر من داخل الحركة (طلب عدم نشر اسمه)، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”، في 21 من حزيران الحالي، أن الجانبين عقدا عدة اجتماعات “رفيعة المستوى” للوصول إلى هذا القرار.
وبعد يوم من تصريحات المصدر، التقى الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، برئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، في لبنان.
وذكرت قناة “المنار” الناطقة باسم “حزب الله”، في 23 من حزيران الحالي، أن اللقاء تضمّن استعراض التطورات السياسية والميدانية في فلسطين ولبنان والمنطقة، وتطور “محور المقاومة”، والتهديدات والتحديات والفرص القائمة، مع التأكيد على تعاون كل أجزاء “المحور”.
المرجعية والموقف الشعبي
على غير العادة، وفي أعقاب أحداث “خازمة”، خرج الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، محمّلًا مسؤولية ما يجري على ساحة المحافظة لرؤساء الأفرع الأمنية التابعين للنظام، مطالبًا بعزلهم من مناصبهم بعدما تسببوا بـ”الفوضى وزرع الشقاق في المحافظة”، على حد تعبيره.
ورفض الهجري عبر مقابلة حصرية مع شبكة “الراصد” المحلية، في 10 من حزيران الحالي، “خدش الموروث الاجتماعي بين أهالي محافظة السويداء”.
وفي 11 من حزيران الحالي، وعبر تسجيل مصوّر لاجتماعه بوفود محلية متضامنة مع تصريحاته التي أطلقها عقب الاشتباكات، أكد الهجري ضرورة تفعيل دور أبناء المنطقة أمام “الأفعال الخاطئة” التي تهدف إلى تشتيت “اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي”، لافتًا إلى وجود فتنة تسعى لإدخال العائلات ببعضها.
الموقف المستجد لشيخ عقل الدروز في السويداء لم يتطرق لدور إيران وأذرعها في السويداء، لكنه حمل دلالات قد تعطّل مخطط زيادة التوتر وإلغاء مختلف القوى المعارضة للنظام والرافضة للوجود الإيراني على مساحة المحافظة، وكان المفترض، بحسب ما تسرب من معلومات أكدتها مصادر محلية لعنب بلدي، أن تمتد العملية العسكرية إلى بعض القرى الغربية في السويداء، وخصوصًا في محيط صلخد، لإنهاء وجود “قوة مكافحة الإرهاب” التي تمتلك مجموعات متفرقة في عدد من هذه القرى.
موقف الهجري الذي لاقى استحسانًا نسبيًا، وصفه البعض من أبناء السويداء بأنه غير واضح، وقال الناشط المدني يوسف نور الدين عبر مراسلة إلكترونية لعنب بلدي، إن الموقف الذي صدر عن “مشايخ العقل” بخصوص ما حدث في قرية خازمة، هو التهدئة دون الإعلان عن موقف واضح.
ونوّه نورالدين إلى الاتهامات الدائمة التي تطال “مشايخ العقل” بالتواطؤ مع النظام وعدم اتخاذهم موقفًا “شجاعًا”، مشيرًا إلى مواقف متقدمة من “المشايخ الشباب” وعلى رأسهم سليمان عبد الباقي.
وأصدر “المشايخ الشباب” بيانًا أدانوا فيه هجوم ما يسمى بـ”المقاومة الشعبية” المسيّرة والمدعومة من فرع “الأمن العسكري” والقيادات الإيرانية على بلدة خازمة، وارتكابها جرائم بحق الأهالي واعتقال مجموعة من أبنائها.
الناشط المدني أكد حالة إجماع لدى المراجع الدينية في السويداء على إدانة التمدد الإيراني، ولو أن الإدانة هي أضعف ردود الفعل، مشككًا بنجاح التمدد الإيراني في السويداء، كون الرأي العام يعلم النيات الخبيثة لإيران في سوريا وفي المنطقة.
الناشط الإعلامي المقيم في مدينة السويداء فادي الجبل، أوضح أن مكانة رجال الدين تراجعت لدى السواد الأعظم من أبناء الطائفة الدرزية، لاتخاذهم مواقف تتعارض مع الموقف العام لأهالي المحافظة.
واعتبر المسؤول في حزب “اللواء” أن الموقف الذي أبداه الشيخ الهجري مهم جدًا، وأن الهجري تحدث بوعي وفهم لما يحصل، “وهو ما لم يحصل سابقًا”.
إلى درعا.. مجددًا
تحدث ناشط سياسي من محافظة السويداء عن تفاهمات بين قوى محلية في الريف الغربي للمحافظة، مع أخرى في الريف الشرقي لمحافظة درعا، بهدف خفض التصعيد بجهود محلية.
ويرى الناشط، طلب عدم ذكر اسمه، أن هذه الجهود بين أبناء المحافظتين تثير غضب الميليشيا المدعومة من النظام وإيران، حيث تكررت محاولات زرع الفتنة والاقتتال بين الطرفين.
وذكر الناشط أن بصرى الشام، على وجه الخصوص، كمعقل لـ”اللواء الثامن” المدعوم من روسيا سابقًا، كانت معنيّة مع محيطها من القرى الشرقية في درعا بالرسالة التي تُركت على جثة قائد “قوة مكافحة الإرهاب” عند دوار “المشنقة” في السويداء.
وتابع أن القوى المدعومة من “حزب الله” اللبناني وإيران، تنشط في السويداء وعينها على بصرى الشام في الخطوة التالية.
قيادي في “اللواء الثامن”، اشترط عدم ذكر اسمه، أكد تأثر المجموعات التي تدعمها إيران بعد انسحاب “الفرقة الرابعة” من محافظة درعا، وانتهاء معركة درعا البلد في أيلول 2021، وتطبيق النظام السوري مفهوم “التسويات الأمنية”، حيث اقتصر وجودها على مكتب أمني في ضاحية درعا.
وتابع القيادي أنه “بهذا الانسحاب، فقدت إيران إحدى أهم أذرعها في الجنوب”، وتحولت للاعتماد على مجموعات محلية تعمل بشكل سري مع “حزب الله” اللبناني، تحت حماية “المخابرات الجوية”.
وأشار القيادي إلى حرب يخوضها “اللواء الثامن” ضد مجموعات سرية تعمل بغطاء “المخابرات الجوية” لتنفيذ الاغتيالات في درعا.
وداهم “اللواء الثامن”، في 5 من أيار الماضي، مقرًا أمنيًا لمجموعة سرية تعمل لمصلحة “المخابرات الجوية” في بلدة صيدا بالريف الجنوبي الأوسط للمحافظة، متهمًا إياها بالتخطيط لتنفيذ عمليات اغتيال بحق شخصيات قيادية تابعة لـ”اللواء”.
القيادي في “اللواء الثامن”، أكد لعنب بلدي أن هناك مجموعات سرية مجندة لمصلحة إيران و”حزب الله” معفاة من “التسوية”، وتحمل بطاقات “أمنية” يشرف على عملها “الحاج علي الخليل” المدعوم من إيران، ويتركز نشاطها بالريف الشرقي لمحافظة درعا، وعلى الحدود الإدارية لمحافظة السويداء.
واعتبر القيادي أن تراجع الدور الروسي في دعم “اللواء الثامن”، أسهم في زيادة نشاط هذه المجموعات التي تعمل جاهدة للتغلغل في الجنوب السوري لفرضها كأمر واقع في المنطقة، رغبة من إيران بأن تكون طرفًا في أي مفاوضات مقبلة.
شارك في إعداد هذا الملف مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد