عنب بلدي- حمص
بالقرب من الكراج الشمالي في حمص، الذي أغلق أبوابه في وقت مبكر، على بداية أوتوستراد حمص- حماة شمال الكراج بـ200 متر، يقف ما لا يقل عن 50 شخصًا بانتظار سيارة توصل كلًا منهم إلى وجهته.
يحمل محمود حقيبته وكمية كبيرة من الأوراق التي تخص دراسته في كلية الهندسة المعمارية، يقول لعنب بلدي، “خلصت امتحان العملي في الكلية الساعة الثالثة، وصلت إلى الكراج بعد ساعة ونص، ما لقيت ولا سرفيس، أنا هون من ساعة ويمكن استنى لساعتين كمان لأوصل على بيتي”.
وتشهد محافظة حمص أزمة في المواصلات العامة، بعد توقف محطة المحروقات في كراجات الانطلاق عن تزويد “السرافيس” والباصات التي تعمل على خطوط الأرياف بالمازوت المخصص لرحلاتها.
وشهدت أسواق المحروقات ارتفاعًا غير مسبوق بالأسعار، تزامن منذ بداية حزيران الحالي مع موسم الحصاد والامتحانات للشهادتين الإعدادية والثانوية وامتحانات الفصل الثاني في الجامعات، حيث وصل سعر ليتر المازوت في السوق السوداء إلى ستة آلاف ليرة في حال توفره، أما البنزين فقد استقر على سعر السبعة آلاف بعد أن قارب سعره الثمانية آلاف.
وفي 5 من نيسان الماضي، أعلنت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات)، العاملة في مناطق سيطرة النظام، عن زيادة الفترة المحددة لتسلّم مخصصات مادة البنزين للسيارات العاملة عليها إلى عشرة أيام للسيارات الخاصة بدلًا من سبعة، وستة أيام للسيارات العمومية بدلًا من أربعة، وعشرة أيام للدراجات النارية، بكمية تعبئة واحدة لم تتغير (25 ليترًا).
ورغم أن قرار الشركة لا ينصّ حرفيًا على تخفيض المخصصات، فإنه يقضي بذلك، بحكم أن المخصصات يجب أن تكفي المستخدمين وقتًا أطول من السابق.
ارتفاع أجور نقل محصول القمح
يعاني المزارعون من ارتفاع أجور نقل محصول القمح، الذي تحتكر تسويقه “المؤسسة العامة للحبوب”، من المزارع إلى صوامع الحبوب، إذ وصل سعر النقلة الواحدة إلى 200 ألف ليرة بعد ارتفاع أسعار المازوت وفقدانه.
“أبو محمد” (53 عامًا) مزارع من مدينة الرستن، قال لعنب بلدي، إن أسعار نقل القمح ارتفعت بشكل كبير منذ بداية الموسم حتى الآن، ففي البداية كانت أجور النقل تتراوح بين 120 ألفًا و150 ألف ليرة، أما الآن فارتفعت إلى 200 ألف بالحد الأدنى.
وأشار “أبو محمد” إلى أن سعر المازوت ارتفع من أربعة آلاف إلى ستة آلاف ليرة، وذلك وسط صعوبة توفره خلال الأيام الماضية، ما رفع أجور النقل والحصاد على حد سواء.
ويعاني أصحاب سيارات النقل من صعوبة في تأمين المازوت رغم ارتفاع ثمنه، بعد توقف وصول رسائل حول مخصصاتهم من المازوت لسياراتهم، عبر “البطاقة الذكية”.
نصر (45 عامًا) من مدينة تلبيسة، وهو أحد أصحاب سيارات النقل، قال لعنب بلدي، إن رسالة المازوت لم تصله منذ أكثر من 25 يومًا، ما اضطره إلى تعبئته من السوق السوداء.
وأضاف أن أسعار المازوت ارتفعت بشكل غير مسبوق بسبب الكميات الكبيرة التي تستهلكها الحصادات والجرارات الزراعية، مع توقف الجمعيات الزراعية واتحاد الفلاحين عن تزويدهم بالمازوت، ما رفع سعره إلى ستة آلاف ليرة، وبالتالي ارتفعت أجور النقل إلى 200 ألف ليرة للنقلة الواحدة.
رفع “خلّبي” لاحق لتعرفة المواصلات
في 13 من حزيران الحالي، أصدر مجلس محافظة حمص قرارًا يقضي برفع تعرفة أجور النقل على كل الخطوط الداخلية في المحافظة، من 150 إلى 200 ليرة، واستثنى القرار خطوط نقل الأرياف.
هشام (28 عامًا) موظف من سكان حي الوعر، قال لعنب بلدي، إن قرار الرفع هو قرار وهمي “خلّبي” تقريبًا، فأصحاب “السرافيس” وسائقو باصات النقل لا يعيدون الـ50 ليرة للركاب، لعدم توفرها أغلب الأحيان، ولعدم وجود قيمة كبيرة لها في الأسواق، والركاب بالأساس لا يطالبون بها.
أما بالنسبة لخطوط نقل الأرياف، فلم يصدر أي قرار برفع تعرفة ركوبها، مع تخفيض مخصصات المازوت من 70 إلى 20 ليترًا يوميًا، ما أخرج معظم “سرافيسها” عن الخدمة.
عبد الله، سائق أحد “السرافيس” على خط حمص- الحولة، قال لعنب بلدي، إن أصحاب شركات النقل داخل المدينة يستطيعون الضغط على المحافظة لرفع التسعيرة، أما في خطوط الأرياف فلا أحد يمثّل أصحاب “السرافيس”، والتوقف عن العمل هو السبيل الوحيد للضغط على مجلس المحافظة لرفع التسعيرة.
وبدأت أزمة المحروقات في مناطق سيطرة النظام منذ شباط الماضي، تزامنًا مع بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا، لتتقلص بعدها مخصصات المواطنين من المازوت، ومخصصات العاملين على وسائل النقل من مادتي المازوت والبنزين، ما دفع بأسعار المحروقات في السوق السوداء للارتفاع إلى مستويات غير مسبوقة.
وتعتبر قلة كميات المحروقات الأزمة الأساسية التي تفتح الباب على أزمات مرافقة، كتخفيض وصل التيار الكهربائي، وحدوث أزمة في المواصلات، إذ لا يستطيع سائقو وسائل النقل العمل في ظل عدم حصولهم على مخصصاتهم من المحروقات.
وصل النفط.. المحروقات لا تزال غائبة
في 16 من حزيران الحالي، أعلن مدير عام مصفاة “بانياس”، محمود قاسم، أن حكومة النظام السوري بانتظار ناقلة نفط خام جديدة ثالثة (محمّلة بحوالي 300 ألف برميل نفط) كان من المفترض أن تصل خلال 48 ساعة منذ ذلك الوقت.
التصريح جاء بعد ثلاثة أيام على وصول ناقلتين إيرانيتين تحملان النفط إلى الشواطئ السورية.
وبحسب قاسم، تصل سعة الناقلة النفطية الأولى إلى نحو 250 ألف برميل، بينما تحمل الناقلة الثانية على متنها مليونًا ونصف المليون برميل نفط خام.
ورغم تكرار وعود المسؤولين منذ ذلك الوقت بحدوث انفراجات في أزمة النفط تنعكس على معظم القطاعات الأخرى، لم تتحسن واردات المشتقات النفطية إلى المحافظات، كما لم يلحظ المقيمون في مناطق سيطرة النظام أي تحسن بوجود البنزين والمازوت، أو انخفاض أسعار المحروقات في السوق السوداء، بحسب ما رصدته عنب بلدي.