مطبات قانونية في طريق “العودة الطوعية” إلى الشمال السوري

  • 2022/06/26
  • 10:03 ص

مارة في أحد أسواق مدينة اسطنبول التركية- 21 من أيار 2022 (عنب بلدي)

عنب بلدي- صالح ملص

تعد العودة الطوعية، الآمنة، الدائمة، والتي تُصان فيها الكرامة، أحد حلول قضايا التهجير واللجوء، وهي ضمن مبادئ نظام اللاجئين الدولي، إلا أن هذه العودة قد تكون في بعض الأحيان سابقة لأوانها، ضمن أفق مشوّش، وغير واضح الملامح القانونية.

خلال الفترة الأخيرة، اتخذت الحكومة التركية إجراءات أكثر تقييدًا تجاه اللاجئين السوريين فيها، من حيث فرض غرامة مالية أو الترحيل خارج البلاد، كعقوبة لمن يعمل من دون الوثيقة المطلوبة للعمل في تركيا، وسط حاجة أساسية للاجئين إلى عملهم بشكل قانوني، كون أغلبية اللاجئين السوريين هم من الشباب.

تزامنت تلك الإجراءات مع إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن مساعي الحكومة التركية لإعداد مشروع لضمان عودة مليون لاجئ سوري “عودة طوعية” إلى بلادهم، كان ذلك عبر مكالمة فيديو خلال مراسم تسليم مفاتيح منازل “الطوب” في مدينة إدلب، بالتنسيق مع إدارة الكوارث والطوارئ (أفاد)، وبحضور وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو.

وفي مقابل ذلك، تتزايد جهود حكومة النظام السوري لتشجيع عودة اللاجئين، من خلال عقد المؤتمرات في العاصمة دمشق بإشراف ورعاية روسيا، التي تعمل بدورها على تنشيط النقاش حول موضوع اللاجئين، في الوقت الذي ينقسم فيه الاتحاد الأوروبي حول هذا الملف.

هل العودة ممكنة؟

رغم جميع تلك الجهود لعودة اللاجئين، تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن “الظروف الحالية في سوريا ليست مواتية للعودة الطوعية بأمان وكرامة”، إذ لا تزال المناطق في سوريا تعيش حالة أمنية معقدة، وتواجه خطر العمليات العسكرية والاعتقالات التعسفية، مع غياب الاستقرار الأمني كأحد المرتكزات المهمة والممكِنة لكل من “التعافي المبكر” والعودة الآمنة للاجئين والنازحين.

هناك العديد من اللاجئين السوريين ممَن يتبنون موقف الأمم المتحدة نفسه فيما يتعلق بالعودة الطوعية إلى الشمال السوري، فيرى علي المصري (43 عامًا)، الذي يعمل داخل أحد متاجر بيع المواد الغذائية في منطقة شيرين إيفلار باسطنبول، أن “الوضع المعيشي في سوريا صعب جدًا، والذي بإمكانك أن تجمعه من المال في تركيا خلال فترة ستة أشهر مثلًا، تحتاج إلى أضعاف هذه المدة كي تجمعه في سوريا، بسبب فرق العملات وقلة فرص العمل”.

يحرص علي المصري على متابعة أوراقه الثبوتية في اسطنبول كي يكون وجوده في الولاية التركية قانونيًا، “لا توجد قائمة بالأوراق التي يجب عليك أن تملكها كي لا تتعرض للترحيل، أعرف أشخاصًا تم نقلهم إلى مراكز ترحيل عبر الحدود، وهم يملكون (كملك اسطنبول)، لكن يظل امتلاكك شيئًا يثبت نيتك بأن تكون ضمن القانون أمرًا مطمئنًا بالنسبة لي”.

كان لرأي علي المصري مَن يخالفه، إذ سألت عنب بلدي محمد شيخو (23 عامًا)، وهو عامل في ورشة خياطة، عن مدى استعداده لاتخاذ قرار العودة إلى الشمال السوري، فـ”تقييد التنقل بين الولايات من أجل البحث عن فرص عمل أفضل” يجعله يقع في مأزق قانوني عند توقيفه من قبل رجال الشرطة للتفتيش، فهو يحمل “كملك” ولاية أخرى، بالإضافة إلى “كثرة حوادث القتل أو التوترات بين العمال السوريين والأتراك” التي تجعله يفكر يوميًا في العودة إلى مناطق الشمال السوري.

حق العودة وليس واجب العودة

منسق منتدى “أصوات لأجل المهجرين السوريين” في تركيا، كنان دياب، قال لعنب بلدي، إن “العودة الطوعية هي أحد أهم محاور الحلول المستدامة في سوريا، والتي تعني توفير سبل العيش الكريم التي تضمن حصول الأشخاص العائدين إلى مناطقهم الأصلية على حقوقهم الأساسية”.

ومن أحد خيارات الحلول المستدامة فيما يخص قضايا اللجوء، توفير سبل الاندماج في المناطق الآمنة التي لجأ إليها اللاجئ، بحيث تُعالَج جميع مشكلاته المرتبطة باللجوء، أو إعادته طوعيًا إلى منطقته الأصلية، أو نقله إلى مكان ثالث ضمن عملية إعادة التوطين.

وبحسب ما قاله دياب، فإن “اختيار واحد من تلك الخيارات الثلاثة، لا يعني سقوط الحقوق، فهو يُطلق عليه اسم حق العودة، وليس واجب العودة، وبالتالي اللاجئ له الحق باختيار عودته إلى مناطقه الأصلية، وليس أن يُفرض عليه هذا الأمر، نحن كلاجئين لنا الحق بالعودة الطوعية، ولنا الحق باختيار التوقيت المناسب لاستخدام هذا الحق”.

مشكلة اللاجئين السوريين لا تُحل بمجرد العودة الفيزيائية للاجئ إلى مكانه الأصلي، بحسب ما أوضحه دياب، وإنما يجب أن يتم حل جميع المشكلات المرتبطة باللجوء، وإنهاؤها بشكل كامل.

وكي تُحل هذه المشكلات يجب توفر سياسات التنمية على المدى الطويل، والاستقرار، والسلم المجتمعي، لتسمح بعودة اللاجئ.

مكوّنات قانونية مفقودة

تعد المديرية العامة لإدارة الهجرة في تركيا الجهة المعنية بالتعامل مع حالات “العودة الطوعية” في البلاد، مستندة إلى قانون الأجانب والحماية الدولية التركي لعام 2013، دون التعاون المباشر مع أي منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة لتقييم هذا الملف.

تعتمد الأمم المتحدة على مكوّنات قانونية محددة للتأكد من سلامة العائدين من اللاجئين من تلقاء أنفسهم، وهي أن تكون العودة طوعية، وآمنة، وكريمة، ودائمة.

وشرط “الطوعية” يعني، بحسب ما أوضحه دياب، أن “تضمن حرية الحركة” بالنسبة للاجئين العائدين، و”حرية الحركة ليست موجودة في الشمال السوري حاليًا، لأنه فعليًا بين مناطق (هيئة تحرير الشام) ومناطق (الجيش الوطني) هناك معابر وحواجز”.

وفي شباط الماضي، جرت عملية إطلاق نار على سيدة تدعى فاطمة عبد الرحمن الحميد (28 عامًا)، بالقرب من مخيمات “أطمة- دير بلوط”، بسبب نقلها الوقود من مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” في ريف حلب باتجاه مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” في إدلب، عن طريق معبر “دير بلوط”.

كما يضمن شرط “الطوعية” ألا تكون العودة قسرية، و”كلمة قسرية تشمل عوامل الدفع”، بحسب دياب، أي “التضييق على اللاجئ في المكان الموجود فيه كي يعود إلى منطقته الآمنة، مثل الامتناع عن تأجيره مسكن ملائم، أو الامتناع عن توظيفه أو تشغيله”.

وشرط “الطوعية” أيضًا يتضمّن وجود “القرار المستنير لدى اللاجئ للعودة، أي تكون لدى اللاجئ معلومات كافية حول المكان الذي سيعود إليه طوعيًا، ويكون واقع الحياة في هذا المكان مطابقًا للمعلومات التي على أساسها اتخذ اللاجئ قراره بالعودة”.

أما بالنسبة لشرط الأمان، فينقسم إلى أمان جسدي، وأمان مادي، وأمان قانوني، وأمان نفسي- اجتماعي.

وبحسب إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فإن عدد حالات الاعتقال التعسفي في مناطق سيطرة فصائل “الجيش الوطني السوري” و”هيئة تحرير الشام” خلال أيار الماضي وحده بلغ 42 شخصًا.

والأمن القانوني يتضمّن “إمكانية الوصول إلى مؤسسات القضاء من أجل الحفاظ على الحقوق المدنية للاجئ، ووجود مستوى عالٍ من الثقة لديه تجاه تلك المؤسسات”، وفق ما أوضحه دياب.

وبحسب حديث سابق لعنب بلدي، قالت مديرة قسم المعتقلين والمختفين قسرًا في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، نور الخطيب، إن المشكلة الأساسية في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” هي عدم فعالية القضاء العسكري أو العادي في النظر بالقضايا التي تخص المتهمين بانتهاكات عدة.

وعادة ما يتم تحييد القضاء، ويُترك الأمر للفصائل والمجموعات المسلحة وما ينتج عنها من لجان تُشكّل للنظر بكل قضية على حدة، ووفق ما تتفق عليه تلك الفصائل، بحسب الخطيب.

أما شرط الكرامة، فيعني وفق حديث منسق منتدى “أصوات”، كنان دياب، أن “تتغير جميع الظروف التي أدت إلى حدوث اللجوء، وبالتالي لا يوجد ما يسمى عودة غير مشروطة”.

لا بد كي تكون إعادة اللاجئين إعادة تُصان فيها الكرامة أن تتحقق في البلد الأصلي ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية مقبولة، وينبغي استشارة المتضررين وإشراكهم في شؤون إعادتهم إلى بلدهم الأصلي، ولنشوء تلك الظروف ينبغي وقف إطلاق النار بشكل دائم، ضمن عملية سلام شاملة، وعند كثير منهم، نشوء هذه الظروف يكون بتغيير النظام سياسيًا.

كما يجب أن تكون العودة بوتيرتها، أي أن تكون عودة اللاجئ متناسقة مع ظروفه المعيشية والاقتصادية التي يعيش فيها، سواء في مكان إقامته الحالي أو مكانه الأصلي.

ويضرب دياب مثالًا لتوضيح ذلك، “العودة بوتيرتها يعني أن تكون عودة العائلات اللاجئة متوافقة مع انتهاء مدارس أبنائها، وليس أن يتم قطع دراسة الطالب اللاجئ كي يعود إلى منطقته الأصلية، أو أن تتم عودة الفلاح اللاجئ إلى مكانه الأصلي في وقت يستطيع فيه قطاف موسم حصاده كي يتمكّن من تأمين معيشته، أو في أي وقت يراه مناسبًا بناء على موسمه الزراعي”.

وبالتالي، فالحلول المرتبطة بعودة اللاجئ تكون ضمن “ما يفضّله ويختاره اللاجئ لنفسه وليس ما تفضّله الدولة المضيفة”.

كما يجب أن تكون العودة الطوعية دون تلاعب ودون أي أكاذيب.

ومن القرارات الصعبة والمعقدة التي يتخذها اللاجئون، قرار العودة أو عدمها إلى مناطقهم الأصلية داخل سوريا بعد قضاء مدة في البلد المضيف، وتقرير أوانها.

لكن عند اتخاذ اللاجئين شيئًا من هذه القرارات، ينبغي دعمهم إلى أن يصبحوا مستعدين قانونيًا للعودة، ويعني هذا أن يعوا حقوقهم والتزاماتهم واستحقاقاتهم، في كل من البلد المضيف وبلدهم سوريا، وأن يصل إليهم ما يحتاجون إليه من الدعم والوثائق كي يستطيعوا المطالبة بحقوقهم وتمكين أنفسهم أمام التحديات التي سيواجهونها في طريق العودة.

ويُدعم العائدون من اللاجئين بتمكينهم معيشيًا وحمايتهم أمنيًا، وإعادة أملاكهم العقارية (المنازل والأراضي) أو التعويض عن خسارتها أو تدميرها لتسيير حالات العودة.

مقالات متعلقة

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان