الغرب بحاجة إلى أردوغان الآن.. أكثر من أي وقت مضى
“فورين بوليسي”: أسباب تدفع الغرب للتحالف مع أردوغان
نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرًا حاولت من خلاله التطرق للأسباب التي قد تدفع الغرب لإقامة تحالف مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال الوقت الراهن.
وبحسب التقرير الصادر عن المجلة اليوم، الخميس، 23 من حزيران، وترجمته عنب بلدي، فإن الغرب يحتاج اليوم وبشكل عاجل إلى علاقات أفضل مع أردوغان، على الرغم من العديد من السلبيات التي أشارت إليها المجلة منها “قمع الأقلية الكردية في الداخل وفي سوريا المجاورة، ومساعدة إيران على انتهاك العقوبات الأمريكية”.
كما هدد في الأسابيع الأخيرة، بمنع إتمام عضوية السويد وفنلندا في “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو).
وأشارت الصحيفة إلى أنه وبالنظر إلى هذه السلبيات من المرجح أن يستغرق الغرب وقتًا طويلًا قبل الوثوق بالرئيس التركي مجددًا.
لكن على الرغم من كل ما سبق، لا يمكن نكران حقيقة أن الغرب بحاجة إلى أردوغان أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا أن “حرب روسيا الوحشية والشاملة ضد أوكرانيا” رفعت من مكانة تركيا إلى حد كبير على “رقعة الشطرنج الجيوستراتيجية”.
وبرزت أنقرة كمورد رئيسي للطائرات من دون طيار إلى كييف خلال الحرب الأخيرة، الشحنات التي لحسن الحظ لم تُظهر تركيا أي نية لوقفها، ما سيحسن فرص أوكرانيا في الفوز بالحرب بشكل كبير إذا جرى توسيعها.
“لاعب اقتصادي” ضد روسيا
يحتاج الغرب إلى تركيا بجانبه في الحرب الاقتصادية ضد روسيا، بحسب المجلة، إذ يمكن أن يؤدي دعم أنقرة وحده إلى تقييد تدفق البضائع الروسية الخاضعة للعقوبات من وإلى البحر الأسود، والذي سبق وحدت منه تركيا.
وأشارت المجلة إلى أن مساعدة أنقرة في تقليص الأموال الروسية باتت “أمرًا حاسمًا”، خصوصًا أنها أصبحت وجهة رئيسية للأموال الروسية، وخصوصًا من الطبقة الغنية الروسية التي فرت من العقوبات وتلعب دورًا متزايدًا في دعم الاقتصاد الذاتي الجديد للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
كما أن استمالة تركيا لجانب الغرب قد يقلل من احتمالية استغلال روسيا لجارتها والتي يمكنها من خلالها تقليل تأثير العقوبات المصرفية الغربية، إذ أن إدخال تركيا إلى الحلف الغربي ضد روسيا من شأنه أن يسد واحدة من أكبر الثغرات التي من الممكن أن تستغلها روسيا لخرق نظام العقوبات.
لكن الأهم من ذلك، هو أن أن تركيا ستكون مستقبلًا لاعبًا رئيسيًا في إعادة ترتيب إمدادات الطاقة الأوروبية، لأسباب ليس أقلها أنها تتحكم في الوصول إلى الطاقة من خلال عدد من خطوط الأنابيب المهمة.
ويعتبر اليوم بحسب المجلة أن المفتاح لاستراتيجية لممر الغاز الجنوبي في أوروبا ، هو الغاز القادم من أذربيجان والذي توفره تركيا عبر خطوط الأنابيب العابرة للأناضول الذي افتُتح بين عامي 2018 و2020، وتغذي شبكة الغاز هذه دول البلقان وإيطاليا، بحسب “فورين بوليسي”.
كما يسعى أردوغان بنشاط إلى تطوير موارد الغاز الخاصة بتركيا وربما حتى ربط حقول الغاز البحرية الإسرائيلية والقبرصية بشبكة خطوط الأنابيب الأوروبية بحسب المجلة.
ولم تعتقد المجلة أن تصبح تعقيدات الخلافات اليونانية التركية حول قبرص والمياه المحيطة بها عائقًا، فمن الممكن أن تكون إعادة إحياء الشراكة الأوروبية التركية اهي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها الاستفادة الكاملة من موارد الطاقة الغنية في شرق البحر الأبيض المتوسط.
كما قد تدفع مثل هذه الشراكة أردوغان أيضًا إلى إجراء تحول في مواجهة روسيا، إذ أشارت المجلة إلى أن افتتاح خط أنابيب “ترك ستريم” عام 2020، كان بمثابة نقطة انطلاق جديدة في العلاقات التركية- الروسية.
“الانجراف نحو موسكو”
عن الآلية التي من الواجب فهمها للتمكن من عكس ابتعاد تركيا عن الغرب وقربها من موسكو، من المهم فهم الدافع وراء ذلك، إذ اعتبرت المجلة الأمريكية أن الغرب يدفع اليوم ثمن عدم الاستماع إلى المخاوف التركية على مدار السنوات الماضية.
وبدأ الانجراف التركي باتجاه روسيا في عام 2011، عندما اجتاح “الربيع العربي” شمال إفريقيا والشرق الأوسط، إذ كان أردوغان متحمسًا له في البداية، خصوصًا أن الانتفاضات قدّمت احتمالية جلب إسلاميين إلى السلطة في جميع أنحاء المنطقة.
ومع فشل الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، في الالتزام بـ”خطوطه الحمراء” في سوريا، وتخليه عن الرئيس المصري السابق محمد مرسي، المنتسب إلى جماعة “الإخوان المسلمين” والمدعوم من قبل تركيا علنًا، أدركت تركيا أن أمريكا غير مستعدة للاستثمار في المنطقة، خصوصًا بعد أن أطاح الجيش المصري بمرسي في انقلاب.
ونقلت المجلة عن باحثين ومختصين دوليين، أن تركيا تعلمت بـ”الطريقة الصعبة” أن حلف “الناتو” كان غير مستعد “لينظر إلى مخاوف تركيا الأمنية على أنها قضية ذات صلة خاصة في جدول أعمال الحلف”.
ومن أهم الأمور التي سرّعت انجراف أردوغان بعيدًا عن الغرب وتحوله إلى موسكو كان “إحساسه بالخيانة بعد الانقلاب التركي الفاشل عام 2016″، الذي اتهم الولايات المتحدة علنًا برعايته.
كما شعر بتخلي حلفائه في “الناتو” عنه عندما سحبت واشنطن أنظمة الدفاع الصاروخي “باتريوت” من تركيا.
ولا بد من الإشارة هنا إلى موقف “الحلف الأطلسي” (ناتو) الذي يكاد لا يذكر، بعد أن أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية اقتحمت مجالها الجوي، وهو الحادث الذي يُصنف الأول من نوعه كصدام بين “الناتو” والقوات الجوية الروسية أو “السوفيتية” من حوالي 60 عامًا.
وهو ما دفع أردوغان للشعور أن موسكو تقدم طريقًا أفضل لتحسين وضعه الإقليمي والمحلي.
كيف يمكن أن تتخلى تركيا عن موسكو
قد تكون الأزمة الاقتصادية في تركيا مجرد فرصة بالنسبة للغرب، مع وصول التضخم السنوي إلى 73.5% خلال شهر حزيران الحالي، وقرب احتياطيات العملة من أدنى مستوياتها على الإطلاق منذ عدة سنوات، وانخفاض الليرة التركية بنسبة 30% مقابل الدولار منذ بداية العام حتى الآن.
الأمر الذي رفع من خطر “التخلف عن السداد في تركيا”، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب للهرب من السوق التركي، ما دفع تركيا لـ”بحث يائس عن رأس مال أجنبي جديد”، بحسب “فورين بوليسي”.
وهو ما اعتبرته المجلة سببًا رئيسيًا لإصلاح أردوغان اليوم علاقاته مع “منافسه الإقليمي الرئيسي”، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إذ بات من الأفضل للغرب اليوم أن يقدم لأردوغان شريان حياة اقتصادي، بدلًا من السماح لموسكو بالقيام بذلك.
فعلى سبيل المثال، يجب على البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي النظر في تقديم خط مقايضة العملات لأردوغان، وهو أداة قد تشكل استقرارًا كبيرًا بالنسبة لتركيا في في السنوات المقبلة.
وبحسب المجلة، يمكن أن يخفف وصول تركيا إلى الدولار واليورو بشكل أسهل من العديد من التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها ويمهد الطريق لمزيد من الشراكة التعاونية بينها وبين الغرب.
لكن ما بات واضحًا اليوم هو معرفة أردوغان أن يده باتت قوية ومن المرجح أن يقدم مطالب أخرى، وهو ما مارسه بالفعل على قضية انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”، وربط ذلك بمزيد من الحرية لتركيا ضد المُنظمات المُصنفة على قوائم الإرهاب لدى تركيا والمُتمركزة في سوريا، وهي من وصفتها المجلة الأمريكية بأنها تمثل “حلفاء الغرب البواسل في القتال ضد تنظيم (الدولة الإسلامية)”، والذين أعلنت تركيا عن خطط جديدة لشن عملية عسكرية ضدهم في سوريا مؤخرًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :