شكّل الزلزال المدمر الذي ضرب إمارة بكتيكا شرقي أفغانستان، في 22 من حزيران الحالي، وأسفر عن مقتل 1150 شخصًا، اختبارًا كبيرًا لحكومة حركة “طالبان”، التي استولت على السلطة قبل ما يقارب عشرة أشهر.
وما زاد المشهد تعقيدًا مغادرة العديد من وكالات الإغاثة الدولية البلاد، بعد سيطرة الحركة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم الحكومات حذرة من التعامل المباشر مع “طالبان”، وهو إحجام أدى إلى تباطؤ نشر مساعدات الطوارئ الذي يحدث عادة بعد مثل هذه الكوارث الطبيعية، وفقًا لوكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.
كشف الزلزال عن قيود إدارة معزولة إلى حد كبير عن العالم الخارجي، مع افتقارها بشدة إلى الأموال والموارد للتعامل مع مثل هذه الحالات، التي تكاد تكون العقد الأخير في خنق الشعب الأفغاني الذي يعاني من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية.
اختبار “طالبان”
يواجه الملايين في الدولة البالغ عدد سكانها 38 مليون نسمة، الجوع والفقر المتزايد بعد قطع التمويل الدولي عن “طالبان”، إذ يعتمد أكثر من 60% من السكان على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة.
ودفع ذلك إلى برنامج مساعدات ضخم، ولكن لتجنب وضع الأموال في أيدي “طالبان”، وجّه العالم التمويل من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى، وهو نظام بطيء للاستجابة الطارئة.
توقفت المساعدات اللازمة للتنمية الطويلة المدى في أفغانستان، عندما اقتحمت “طالبان” العاصمة كابل في آب 2021، ولا تزال المساعدات الإنسانية قائمة، كما تواجه وكالات الأمم المتحدة عجزًا في تمويل أفغانستان بقيمة ثلاثة مليارات دولار هذا العام، وفقًا لوكالة الأنباء “رويترز“.
دفع استيلاء “طالبان” على البلاد إدارة بايدن إلى تجميد حوالي 9.5 مليار دولار لدى البنك المركزي الأفغاني في البنوك الأمريكية، في محاولة للحصول على تنازلات في مجال حقوق الإنسان، ما عاق جهود الحكام الجدد لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية واستيراد البضائع.
وتأسف مجموعات الإغاثة لاضطرارها لدفع أجور الموظفين المحليين بأكياس نقدية يتم تسليمها يدويًا، إذ ترفض الدول التعامل مباشرة مع “طالبان”.
قال نائب وزير الدولة لإدارة الكوارث، شرف الدين مسلم، “عندما يقع مثل هذا الحادث الكبير في أي بلد، هناك حاجة إلى المساعدة من الدول الأخرى، من الصعب جدًا علينا أن نكون قادرين على الرد على هذا الحادث الضخم”.
دعوات للمساعدة
في أعقاب الكارثة، دعت بعض منظمات الإغاثة المجتمع الدولي إلى إنهاء عزلة “طالبان”، بحجة أن المساعدات الإنسانية لم تكن كافية لإخراج البلاد من الأزمة، لكن ما يجعل دمج “طالبان” بالمجتمع الدولي أمرًا معقدًا، خضوع بعض القادة لعقوبات بتهم “الإرهاب”.
تساءل المدير المشارك لمركز “الجماعات المسلحة” والخبير في العلاقة بين “طالبان” والمدنيين، أشلي جاكسون، عما إذا كانت الكارثة تجعل المجتمع الدولي يتساءل عن التكاليف الضارة لسياساته على الأفغان العاديين.
وقال إن العقوبات المفروضة بعد استيلاء “طالبان” على السلطة، والانهيار الاقتصادي، سيجعل من الصعب للغاية الاستجابة للمساعدات الطبية والغذائية الضرورية، ودعم إعادة الإعمار.
وأكد نائب رئيس “لجنة الإنقاذ الدولية” لآسيا، عدنان جنيد، ضرورة وضع المجتمع الدولي خارطة طريق تحدد استراتيجيات لاستئناف المساعدة الإنمائية، وتقديم الدعم الفني للبنك المركزي، وإطلاق احتياطيات النقد الأجنبي لأفغانستان في نهاية المطاف.
في خطوة نادرة، دعا المرشد الأعلى لـ”طالبان”، هبة الله آخوند زاده، الذي لم يظهر علنًا تقريبًا، المجتمع الدولي وجميع المنظمات الإنسانية لمساعدة الشعب الأفغاني المتضرر من هذه المأساة الكبرى، وعدم ادخار أي جهد لمساعدة المتضررين.
ومع ذلك، بدا السكان وكأنهم بمفردهم إلى حد كبير للتعامل مع تداعيات الكارثة، إذ فاقمت الطرق الجبلية الرديئة المؤدية إلى المناطق المتضررة من صعوبة وصول فرق الإنقاذ الحكومية، بينما كان القرويون يدفنون موتاهم ويحفرون بين الأنقاض باليد، بحثًا عن ناجين.
مبادرات إنسانية
أعلنت ألمانيا والنرويج وعدة دول أخرى، من بينها اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والإمارات العربية المتحدة، أنها سترسل مساعدات لمواجهة الزلزال، لكنها أكدت أنها لن تعمل إلا من خلال وكالات الأمم المتحدة، وليس مع “طالبان”، التي لم تعترف بها أي حكومة رسميًا حتى الآن.
لدى “لجنة الإنقاذ الدولية” فرق صحية طارئة في المقاطعتين اللتين ضربهما الزلزال، لتقديم الإسعافات الأولية الأساسية، وقالت إنها تقدم الدعم النقدي للأسر التي فقدت منازلها وسبل عيشها.
ودعت المنظمة، التي تعمل في أفغانستان منذ عام 1988، إلى خارطة طريق دولية للإفراج عن احتياطيات أفغانستان من النقد الأجنبي في نهاية المطاف.
ووصلت شاحنات الغذاء والضروريات الأخرى من باكستان، وهبطت طائرات مليئة بالمساعدات الإنسانية من إيران وقطر، ووصل فريق الإغاثة الإنسانية الهندي وفريق فني إلى العاصمة كابل لتنسيق إيصال المساعدات الإنسانية.
وقالت الهند، التي توترت علاقاتها مع “طالبان”، إنها أرسلت 27 طنًا من الإمدادات في رحلتين سيتم تسليمها لوكالات الإغاثة الدولية، وإلى جمعية “الهلال الأحمر الأفغاني”.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن هذا الخطر قد يؤدي إلى تفاقم تفشي الكوليرا المنتشر بالفعل في جميع أنحاء أفغانستان.
وأكد الدكتور دابينج لو، ممثل المنظمة في أفغانستان، أن حوالي 500 ألف شخص كانوا يعانون بالفعل من أعراض الكوليرا في أيار الماضي.
“الجغرافيا قدر”
كان مركز الزلزال في منطقة جبال قاحلة تتخللها مستوطنات صغيرة، كانت في كثير من الأحيان مسرحًا للاشتباكات خلال عقود من الحرب في أفغانستان.
وقال نائب مبعوث الأمم المتحدة في أفغانستان، رامز الاكبروف، الذي ينسق العمليات الإنسانية، إن “الأمم المتحدة ليست لديها قدرات بحث وإنقاذ في أفغانستان، وتركيا هي أفضل موقع لتقديمها”.
لطالما كانت أفغانستان الجبلية والمنطقة الكبرى من جنوب آسيا على طول جبال “هندو كوش”، حيث تصطدم الصفيحة التكتونية الهندية مع الصفيحة الأوراسية في الشمال، عُرضة للزلازل المدمرة، بالإضافة إلى البناء السيئ للمنازل والمستشفيات والمباني الأخرى، الذي يعرّضها لخطر الانهيار في الزلازل، بينما لا تزال الانهيارات الأرضية شائعة عبر جبال أفغانستان.
قال عالم الزلازل في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية روبرت ساندرز، إنه في معظم الأماكن بالعالم، لن يتسبب زلزال بهذه القوة في إحداث مثل هذا الدمار الشامل، لكن عدد القتلى في الزلزال غالبًا ما يرجع إلى الجغرافيا ونوعية البناء والكثافة السكانية.
في عام 1998، تسبب زلزال بقوة 6.1 درجة في شمال شرقي أفغانستان النائي، بمقتل ما لا يقل عن 4500 شخص.
وتسبب زلزال كبير عام 2015، ضرب شمال شرقي البلاد أيضًا، بمقتل أكثر من 200 شخص في أفغانستان وشمال باكستان المجاورة، وقتل زلزال مماثل بقوة 6.1 عام 2002 حوالي ألف شخص شمالي أفغانستان.
–