قالت “وكالة الطاقة الدولية” اليوم، الأربعاء 22 من حزيران، إن أوروبا يجب أن تتسابق لاستبدال إمدادات الطاقة الروسية الخاضعة للعقوبات والمقلصة، وينبغي أن تضاعف الكفاءة ومصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة النووية.
وصلت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية، إذ أدى تباطؤ التدفقات من روسيا في الأيام الأخيرة إلى تعميق المخاوف بشأن العرض في أشهر الشتاء التي يرتفع فيها الطلب.
وأوضحت “الوكالة” أن دعم البنية التحتية النووية المتقادمة قد يوفر فترة راحة لأسعار الطاقة المرتفعة وشح الإمدادات، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء “رويترز“.
في ضوء الاهتمام المتجدد بدور الطاقة النووية في تحولات الطاقة النظيفة، أكدت الحرب الحاجة إلى استكشاف خيارات الاستثمار في منشآت جديدة، بالإضافة إلى إعادة فتح محطات تخصيب اليورانيوم القائمة.
انتقام ناعم
خفضت روسيا الأسبوع الماضي إمدادات الغاز إلى خمس دول في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا، أكبر اقتصاد في الكتلة التي تضم 27 دولة، وتعتمد بشكل كبير على غاز موسكو لتوليد الكهرباء وصناعة الطاقة، ردًا على قرارها فرض عقوبات على “الكرملين” بسبب “غزو” أوكرانيا.
وقطعت شركة “غازبروم” الروسية العملاقة للطاقة، الإمدادات عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1” الذي يمر تحت بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا، وهو خط أنابيب الغاز الطبيعي الرئيس في أوروبا.
يأتي ذلك على رأس عمليات إغلاق الغاز لبولندا وبلغاريا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وهولندا في الأسابيع الأخيرة، وفقًا لوكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.
أدت هذه الخطوة إلى تقريب شبح الإغلاق الكامل للغاز الروسي، الذي سيجعل من المستحيل على أوروبا الحصول على كل الوقود الذي تحتاج إليه لفصل الشتاء.
ويُستخدم الغاز الطبيعي في العديد من الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة، بالإضافة إلى صناعة الزجاج والصلب، التي تواجه تكاليف أعلى واستخدامًا متكررًا، ما يساعد على إبطاء الاقتصاد الأوروبي.
قال المدير التنفيذي لـ”وكالة الطاقة الدولية”، فاتح بيرول، إن التخفيضات بالإمدادات في الأسابيع الأخيرة، والتي عزاها “الكرملين” إلى أعمال الصيانة، يمكن أن تكون في الواقع بداية تخفيضات أوسع تهدف إلى منع ملء مرافق التخزين استعدادًا لفصل الشتاء، حيث تسعى روسيا إلى كسب نفوذ على المنطقة.
ورقة رابحة
قالت “غازبروم”، إنها اضطرت إلى خفض التدفقات إلى أوروبا عبر “نورد ستريم 1″، لأن العقوبات الغربية أدت إلى احتجاز قطعة رئيسة من المعدات في كندا، حيث تم نقلها للصيانة، وهو ما لا تأخذه الحكومات الأوروبية بعين الاعتبار، وتصف تخفيضات الغاز بـ”السياسية”.
أدت خطوات “غازبروم” إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بشكل حاد بعد أن انخفضت في أعقاب موسم التدفئة الشتوي، ما أدى إلى زيادة عائدات روسيا، في وقت تتعرض فيه لضغوط من العقوبات الاقتصادية الغربية، ويزيد من الضغط على أوروبا، لتقديمها الدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا.
وشهدت ألمانيا وإيطاليا انقطاعًا في إمداداتهما، في الوقت الذي انضم فيه قادتهما إلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في كييف، للقاء الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ودعم وضع أوكرانيا كمرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وفقًا لكبير المحللين السياديين للأسواق الناشئة في “BlueBay Asset Management”، تيم آش، “يبدو من الواضح أن قطع تدفقات (نورد ستريم 1) إلى أوروبا محاولة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتعطيل جهود أوروبا لبناء مخزونات الغاز خلال الصيف، ومن المفترض أن تكون جاهزة لدفعة أخرى في حروب الطاقة الأوروبية هذا الشتاء”.
أدت حملة الضغط الغربي إلى انخفاض بنسبة 15% في إجمالي صادرات الوقود الروسية، في أيار الماضي، لكن الأسعار المرتفعة على مستوى العالم تعني أن روسيا جلبت 97 مليار دولار منذ بداية “الغزو” حتى أوائل حزيران الحالي، وفقًا لتقرير صادر عن مركز “البحث عن الطاقة والهواء النظيف” في 13 من حزيران الحالي.
مصير مجهول
تتسابق دول الاتحاد الأوروبي لإعادة ملء مواقع التخزين، وتأمل ألمانيا في الوصول إلى 90% من السعة بحلول تشرين الثاني المقبل، إذ إن المخازن نصف ممتلئة حاليًا، وفقًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية“.
في الوقت الحالي، فإن 57% من مستودعات التخزين تحت الأرض في أوروبا ممتلئة، والاقتراح الأخير للمفوضية الأوروبية هو أن تصل كل دولة إلى 80% بحلول تشرين الثاني المقبل، بينما حددت ألمانيا أهدافًا بنسبة 80% بحلول تشرين الأول و90% بحلول تشرين الثاني المقبلين.
تعمل الدول الأعضاء أيضًا على تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي، من خلال الحصول على الغاز من دول أخرى، بما في ذلك أمريكا، وتسريع التحول إلى الطاقة المتجددة، رغم اعتراف المسؤولين بأن السباق على التخلص التدريجي من النفط والغاز الروسيين، يعني حرق المزيد من الفحم والاستمرار في تشغيل المحطات النووية.
يعتبر الغاز مصدر الطاقة “المتأرجح” لإنتاج الكهرباء، الذي يبدأ عندما تولد مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمس طاقة أقل بسبب الطقس غير المتوقع، وعندما يرتفع استخدام الكهرباء في أثناء الطقس البارد أو الحار، مثل موجة الحرارة في نهاية الأسبوع الماضي.
يحذر المحللون بمركز أبحاث “Bruegel” في بروكسل، من أن بلغاريا والمجر ورومانيا لن تحقق هدف الاتحاد الأوروبي البالغ 80%، إذا استمرت بالسرعة الحالية، بينما ستجد ألمانيا والنمسا وسلوفاكيا صعوبة كبيرة في ملء مرافق التخزين الخاصة بها إذا توقف تدفق الغاز من روسيا.
تتواتر جهود الاتحاد للحصول على المزيد من الغاز عبر خطوط الأنابيب من النرويج وأذربيجان، بينما من المتوقع أن يؤدي الانتشار السريع للطاقة المتجددة والحفاظ عليها أدوارًا أصغر، وستأتي ألمانيا، التي ليست لديها محطات استيراد للغاز الطبيعي المسال، بأربع محطات عائمة، منها اثنتان ستعملان هذا العام.
خطوات شائكة
حدد الاتحاد الأوروبي، الذي حصل قبل الحرب على 40% من احتياجاته من الغاز من روسيا، خططًا لخفض الواردات بمقدار الثلثين بحلول نهاية العام، والتخلص التدريجي من الغاز الروسي بالكامل بحلول 2027.
في خطوة لم تكن متوقعة قبل أشهر قليلة، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي، في 30 من أيار الماضي، على خفض حوالي 90% من جميع واردات النفط الروسية خلال الأشهر الستة المقبلة، والهدف من ذلك، هو حرمان روسيا من مبلغ 850 مليون دولار، تجنيه يوميًا من مبيعات النفط والغاز إلى أوروبا، لمنع تمويل حربها في أوكرانيا.
رغم التركيز على الطاقة المتجددة، فإن الأزمة تدفع البلدان إلى العودة إلى الوقود الأحفوري، وتسرع ألمانيا في إصدار تشريعات لإعادة تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم كإصلاح مؤقت، مع وجود خطط سابقة للخروج من الفحم بالكامل بحلول 2030.
قال نائب المستشار الألماني، روبرت هابيك، إن من “المرير” اللجوء إلى الفحم، ولكن “في هذه الحالة، إنها ضرورة مطلقة”، وتخطط الحكومة لتدابير لتحفيز الصناعة والمرافق على استخدام كميات أقل من الغاز الطبيعي، كما حث هابيك الألمان على الحفاظ على الطاقة.
وستسمح الحكومة الهولندية لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم بالعمل بكامل طاقتها مرة أخرى للحفاظ على الغاز الطبيعي، الذي كان سيحرق لولا ذلك، لإنتاج الكهرباء.
قال محلل السلع كارستن فريتش، في “كومرتس بنك ريسيرش”، إن الوضع في سوق الغاز الطبيعي الأوروبي يتصاعد أكثر، مشيرًا إلى إغلاق الصيانة المجدول لـ”نورد ستريم 1″، ما يعني عدم تدفق الغاز عبر خط الأنابيب في الفترة من 11 إلى 21 من تموز المقبل، “وبالتالي، قد يتعثر التراكم المطلوب بشكل عاجل لمخزونات الغاز لأشهر الشتاء، ومن المرجح أن ترتفع الأسعار أكثر من ذلك”.
–