وليد الآغا – دمشق
يستعد المئات من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” للخروج من مناطق سيطرة التنظيم، جنوب دمشق (الحجر الأسود معقل التنظيم الرئيسي وأحياء العسالي والتضامن ومخيم اليرموك بدرجات أقل).
الصفقة أبرمت برعاية الأمم المتحدة بين التنظيم والنظام السوري، واستمر التفاوض على شكلها النهائي عدة أشهر من المفاوضات بين الطرفين.
من سيخرج من المنطقة
عشراتٌ من المقاتلين التابعين لفصائل عسكرية أخرى سيرافقون مقاتلي التنظيم، معظمهم من عناصر لواء العز بن عبد السلام التابع للجيش الحر، والمُبايع “بشكل غير علني”، إضافة لمقاتلين من جماعة أنصار الحق، المقربة من التنظيم، والتي انشقت قبل فترة قصيرة عن جبهة النصرة في مخيم اليرموك وفقًا لمصادر مطلعة جنوب دمشق.
كما سيرافق مقاتلي التنظيم المئات من ذويهم، وبعض المدنيين من أهالي المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ليصبح العدد النهائي قرابة ثلاثة آلاف شخص، بحسب تقديرات المصادر المطلعة على تفاصيل الصفقة.
تجهيزات مسبقة للتنظيم
الحديث عن خروج مقاتلي التنظيم من جنوب دمشق ليس بالأمر الجديد، إذ انتشرت أخبار العام الماضي عن تفاوض قائم، وأكدته مؤخرًا أفعال دلت على نية عناصر الدولة الرحيل، كبيع ممتلكاتهم الشخصية.
وما قطع الشك باليقين وصول عشرات باصات النقل الداخلي، الخميس الماضي، وتجمعها قرب مخفر حي القدم في الجزء الخاضع لسيطرة النظام من الحي، والقريب من حاجز العسالي-دمشق (الطريق المُفترض لخروج عناصر التنظيم وذويهم منه).
وحتى لحظة نشر التقرير لم تخرج أي دفعة من عناصر التنظيم، إلا أن تلفزيون المنار، التابع لحزب الله اللبناني، قال السبت 26 كانون الأول، إن الاتفاق “انهار” بعد مقتل زهران علوش، قائد جيش الإسلام.
ما مصير مناطق سيطرة التنظيم جنوب دمشق
لا تفاصيل أو معلومات مؤكدة حول مصير المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم في جنوب دمشق عسكريًا وأمنيًا، حيث يسيطر التنظيم على حي الحجر الأسود بشكل كامل، ويُعد معقله الرئيسي في المنطقة، كما يتواجد بشكل أضعف في أحياء مخيم اليرموك والعسالي والتضامن ويشاركه فيها فصائل عسكرية أخرى رغم السيطرة الأمنية المطلقة له عليها.
قائدٌ ميداني في جيش الإسلام، من أبناء حي الحجر الأسود، قال إن أحد قادة المجموعات العسكرية في الحجر الأسود (تتواجد حاليًا في مناطق ببيلا ويلدا وبيت سحم بعد خروجها من مناطقها عقب سيطرة التنظيم عليها)، ويدعى “أبو الفدا”، التقى قبل عدة أيام بالأمير العام لتنظيم الدولة في جنوب دمشق “أبو صياح طيارة” واتفق معه على تسليم منطقة الحجر الأسود للكتائب العسكرية من أبناء الحي قبل خروج الدفعة الأخيرة من التنظيم بفترة قصيرة.
وأضاف المصدر أن اجتماعًا آخر جرى في دمشق بين شخصية عسكرية أخرى من حي الحجر الأسود يدعى “أبو فهد ميازة”، وبين رئيس فرع الدوريات في دمشق، محمد زمريني، للاتفاق حول بنود هدنة محتملة بعد خروج التنظيم من الحجر الأسود.
وكان النظام صرّح مؤخرًا أن من يرفض الخروج من المناطق المذكورة “سيسلّم سلاحه ويجري تسوية” تمهيدًا لعقد مصالحة فيها، ويرجح هذا الخيار على غيره خاصة مع ضعف إمكانية سدّ الفراغ الذي سيحدثه خروج التنظيم من قبل قوات النظام المُنهكة، وتماشيًا مع سياسية النظام في إجراء المصالحات.
الائتلاف السوري يدين الاتفاق ويصفه بـ “المشبوه”
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أدان، السبت 26 كانون الأول، ما وصفه باتفاق “مقايضة مع داعش في اليرموك بغطاء من بوتين”.
ونشر المكتب الإعلامي للائتلاف تصريحًا، “في الوقت الذي يستمر فيه طيران الأسد وبوتين بقصف المدنيين والمشافي والمدارس، ها هو تحالفهما الإرهابي يعقد صفقات تسليم ومقايضة مع تنظيم داعش، الذي تدّعي روسيا أنها جاءت لمحاربته”.
وأشار الائتلاف أن صفقة النقل “تشكل جزءًا من تعاون أوسع بين طرفين لديهما استخدام مماثل لأدوات القتل والإجرام بحق الشعب السوري”، كما اعتبره “تفاهمًا بين طرفين إرهابيين، بغطاء روسي، ولا يمكن أن ينجم عنه سوى نتائج إجرامية”.
مُهمة أُنجزت على أكمل وجه ولكن…
ثلاثُ سنين ونيّف من تواجد التنظيم في مناطق جنوب دمشق منذ بداية تحررها باسم النصرة أولًا والدولة الإسلامية لاحقًا، كان فيها “أداة مطواعة”، سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، بيد النظام، لتفتيت الثورة من الداخل بعد أن صعب القضاء عليها من الخارج، بحسب ناشطين.
ويعتبر النظام المستفيد الأول من أفعال التنظيم في المنطقة، بحسب الصحفي الميداني وعضو تجمع ربيع ثورة في جنوب دمشق، مطر إسماعيل، وقال “داعش أتم ما عليه من صفقة الانسحاب القديمة على ما يبدو والآن جاء دور النظام لينفّذ ما عليه”.
فكك التنظيم جنوب دمشق وقسّمه، بعد احتلال مخيم اليرموك والتضامن والعسالي، كما قتل رموزًا وشخصيات مركزية على المستويين المدني والعسكري وبالأخص في مخيم اليرموك، وفقًا لإسماعيل.
وأردف إسماعيل “نصرة جنوب دمشق كانت طوق النجاة لداعش الذي طعنها في الضهر، بعد أن ركبها من رحلة حصاره في يلدا والحجر الأسود إلى أن غدت بلا فائدة، فتخلص في ختام المسرحية من قاداتها كالأمير الحوراني وغيره، وأرداها بخنجر من حيث تعلم ولا تعلم”.
وقد يكون الجرح الذي أحدثه تنظيم “الدولة” وأعوانه في جنوب دمشق عميقًا جدًا، ويصعب التعافي منه، ولكن هل فات الوقت على تدارك ثوار جنوب دمشق أخطاء الماضي والنظر إلى مستقبل المنطقة بعقلانية دافعها الأول الحرص على مصلحة الثورة والحاضنة الشعبية لها.