ما هدف الصين من استحواذها على الحصة الكبرى لواردات الطاقة الروسية؟

  • 2022/06/21
  • 11:28 م

سجلت واردات الصين من النفط الخام الروسي رقمًا قياسيًا في أيار الماضي، حيث استغل المشترون الصينيون الأسعار المخفضة بعد أن تعهدت بكين بمواصلة العلاقات الاقتصادية الطبيعية مع موسكو، رغم التداعيات الجيوسياسية “لغزو” روسيا لأوكرانيا.

تشير بيانات الجمارك الصينية الصادرة في 17 من حزيران الحالي، إلى أن الارتفاع السنوي بنسبة 55% في أيار الماضي، إلى 8.42 مليون طن، يعني أن الواردات من روسيا تجاوزت تلك الواردة من المملكة العربية السعودية لتصبح أكبر مصدر منفرد للصين من النفط الخام.

وهذا يعادل حوالي 1.98 مليون برميل يوميًا وبزيادة ربع من 1.59 مليون برميل يوميًا في نيسان الماضي، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء “رويترز“.

في نيسان الماضي، شكّل النفط السعودي 21% من إجمالي واردات الصين، مقارنة بـ15% للوقود من مصادر روسية، وفقًا لتحليل أجرته شركة “سيندا” للأوراق المالية.

تشير البيانات التي تظهر أن روسيا أعادت ترتيب كبار الموردين بعد فجوة استمرت 19 شهرًا، إلى أن موسكو قادرة على إيجاد مشترين لنفطها رغم العقوبات الغربية، واضطرارها إلى خفض الأسعار.

ورقة “الغزو” الرابحة

على مدار المئة يوم الأولى من الحرب في أوكرانيا، أصبحت الصين المشتري الأول في العالم للوقود الأحفوري الروسي، في حين خفّضت العديد من الدول الغربية مشترياتها لفرض تكاليف اقتصادية على “الكرملين”.

أدت الزيادة الأخيرة في الواردات إلى عكس فترة انخفاض المشتريات مباشرة بعد “غزو” روسيا لأوكرانيا، عندما ظل المشترون الصينيون حذرين بشأن مخاطر التعرض للعقوبات.

أدت حملة الضغط الغربي إلى انخفاض بنسبة 15% في إجمالي صادرات الوقود الروسية في أيار الماضي، لكن الأسعار المرتفعة على مستوى العالم تعني أن روسيا جلبت 97 مليار دولار منذ بداية “الغزو” حتى أوائل حزيران الحالي، وفقًا لتقرير صادر عن مركز “البحث عن الطاقة والهواء النظيف” في 13 من حزيران الحالي.

وجد مركز الأبحاث في فنلندا، أنه على مدار المئة يوم الأولى من الحرب، كانت فرنسا أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال الروسي، بينما اشترت ألمانيا معظم خطوط الأنابيب الروسية، واستوردت الصين معظم النفط من روسيا، واستوردت اليابان معظم الفحم.

وبينما سعت الحكومات الغربية للضغط على موسكو وسارعت دول كثيرة للتخلص من الطاقة الروسية، انخفض حجم صادرات الوقود الروسية بنسبة 15% في أيار الماضي، مقارنة بالفترة التي سبقت “الغزو”.

لكن التقرير قال إن ارتفاع أسعار الوقود الناجم عن زيادة الطلب العالمي أبقى الأموال تتدفق إلى خزائن موسكو، مشيرًا إلى أن أسعار الصادرات الروسية كانت في المتوسط ​​أعلى بنسبة 60% من العام الماضي.

ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، “يخوض حرب استنزاف طويلة”، ويسعى لاستخدام الضغط الاقتصادي، مثل حظر صادرات الحبوب الأوكرانية، لتقويض الدعم الغربي لكييف، وفقًا لأعضاء النخبة الاقتصادية الروسية.

ويأمل “الكرملين” في أن يفقد الغرب التركيز في محاولة مواجهة “الغزو”، خاصة مع ارتفاع تكاليف الطاقة العالمية.

ألمحت مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية، أفريل هينز، إلى مثل هذه المخاوف الشهر الماضي، عندما أخبرت أعضاء مجلس الشيوخ، أن بوتين مستعد لصراع طويل الأمد، “وربما يعتمد على ضعف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع تفاقم نقص الغذاء والتضخم ونقص الطاقة”.

شراكة وثيقة تتحدى الغرب

رغم موقفها الرسمي الحيادي بشأن الحرب في أوكرانيا، صرحت الصين أن شراكتها الوثيقة مع روسيا لم تتغير.

وتلقي وزارة الخارجية الصينية بانتظام باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الحرب، وتصف العقوبات الغربية ضد روسيا بأنها غير قانونية.

ومع ذلك، تراجعت الشحنات الصينية لروسيا من السلع التكنولوجية، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، منذ بدء الحرب، وأفادت صحيفة “واشنطن بوست” أن المسؤولين الصينيين يقولون إن بكين على استعداد لتقديم المساعدة لروسيا على انفراد طالما أنها لا تخضع لعقوبات.

في منتدى “سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي”، في 15 من حزيران الحالي، قدم الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وبوتين عرضًا للتضامن من خلال مكالمة هاتفية في عيد ميلاد جين بينغ، وأشاد الزعيم الصيني بالتقدم المطّرد في العلاقات الثنائية، وأكد دعمه “المصالح الأساسية لروسيا فيما يتعلق بالسيادة والأمن”.

ورد بوتين بالقول، إن العلاقة مدعومة بآفاق طويلة الأجل بدلًا من “الأحداث الجيوسياسية الأخيرة”.

تلقت إعادة التأكيد على العلاقات الوثيقة توبيخًا من الولايات المتحدة، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، “إن الدول في هذا الجانب مع فلاديمير بوتين ستجد نفسها حتمًا في الجانب الخطأ من التاريخ”.

تُسلّم معظم صادرات النفط الروسية إلى الصين عن طريق خط أنابيب نفط شرق سيبيريا والمحيط الهادئ، الذي تديره شركة “Transneft Far East” التابعة لـ”الكرملين”، كما ارتفعت الشحنات المنقولة بحرًا في الأشهر الأخيرة حيث تسعى المصافي للاستفادة من الأسعار المنخفضة نسبيًا.

خلقت شحنات النفط الروسية المخفضة فرصة للصين لإعادة تخزين احتياطيات النفط الاستراتيجية الوطنية، وذكرت “بلومبرج نيوز” في أيار الماضي، أن المحادثات بين الحكومتين لتجديد المخزونات مستمرة.

دروس مجانية للصين

منذ بدء “الغزو” الروسي، في 24 من شباط الماضي، سعى الغرب إلى جعل موسكو تدفع اقتصاديًا مقابل العمليات العسكرية، لكن استهداف قطاع الطاقة المربح كان يُنظر إليه على أنه الملاذ الأخير في أوروبا، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.

في خطوة لم تكن متوقعة قبل أشهر قليلة، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي، في 30 من أيار الماضي، على خفض حوالي 90% من جميع واردات النفط الروسية خلال الأشهر الستة المقبلة، في إطار عقوبات جديدة على موسكو، بسبب الأدلة المتزايدة على جرائم الحرب والصور “المروعة” لجثث ملقاة في ضواحي كييف.

قال رئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل، إن صفقة إنهاء الشحنات المنقولة بحرًا في غضون أشهر ستغطي أكثر من ثلثي واردات النفط من روسيا، ما يقطع “مصدرًا ضخمًا للتمويل” عن “آلة الحرب” الروسية.

حظرت الولايات المتحدة واردات النفط الروسي في آذار الماضي، وألقى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال عطلة نهاية الأسبوع، باللوم على “الغزو” الروسي لأوكرانيا، في ارتفاع أسعار الوقود، التي تجاوزت خمسة دولارات لـ”الغالون” (3.78 ليتر) في المتوسط، وقال للصحفيين إن ما تسببه الحرب في أوكرانيا أمر فظيع.

ومع ذلك، أخبر مبعوث الولايات المتحدة لشؤون الطاقة، آموس هوكستين، المشرعين الأسبوع الماضي أن روسيا ربما تجني عائدات من الوقود الأحفوري أكثر مما كانت عليه قبل “الغزو”، مع زيادات غير متوقعة في الأسعار العالمية تتعارض مع تأثير العقوبات الغربية.

من جهة الصين، تسعى الحكومة لتجنب معاناة روسيا من عزلها عن النظام المالي العالمي وتجميد احتياطياتها النقدية الأجنبية، في حال “غزوها” لجزيرة تايوان، المتمتعة بالحكم الذاتي والتي تدعي الصين أنها مقاطعة منشقة عنها.

لأجل ذلك، سيكون لدى الرئيس الصيني الحافز لمضاعفة جهوده لجعل الصين اقتصادًا “يعتمد على الذات”، من خلال فصل سلاسل التوريد بشكل انتقائي عن الغرب، ودعم الاكتفاء الذاتي التكنولوجي المحلي، وضمان أمن الغذاء والطاقة.

وهذا سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة وحلفائها مصادرة الأصول الصينية أكثر من تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي، وفقًا لمنظمة “بروجيكت سنديكيت” الصحفية.

مقالات متعلقة

  1. السعودية أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين في 2022 وروسيا ثانيًا
  2. "أسطول الظل" والصين.. بدائل روسيا بعد تحديد أسعار النفط
  3. صادرات روسيا النفطية تقفز إلى 5.5 مليون برميل يوميًا
  4. الصين ترفض طلب واشنطن بوقف استيراد النفط الإيراني

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية