طارق أبو زياد – حلب
فرضت أعباء الحياة في سوريا مصاريف إضافية على السوريين، الأمر الذي يجعل تكاليف العيش في المناطق المحررة منهكة، ولذلك منحت الرواتب أو المكافآت المالية لمقاتلي الفصائل العسكرية لإعانتهم على التحديات في ظل استمرار ارتفاع الأسعار .
لكن ورغم تخصيص الرواتب الشهرية يبقى دخل المقاتل قليلًا جدًا بالنسبة لمتطلبات الحياة اليومية، إذ يبلغ دخل العنصر 40 دولارًا كمعدل وسطي في جميع الفصائل، بينما يتطلب العيش في المناطق المحررة، وبمستوى تحت المتوسط ولعائلة مكونة من شخصين، حوالي 100 دولار شهريًا كحد أدنى.
هجرة العمل العسكري
يعتبر طارق الحموي، المسؤول المالي السابق في أحد الفصائل العسكرية، أن ما تقدمه الفصائل للمقاتلين قليل جدًا، وأنه لا يمكن للمقاتل العيش بهذه المبالغ، ما سبب مشاكل لم تكن في الحسبان، من سرقة و”تشليح” وغيرها، ولربما كانت المشكلة الأكبر توجه المقاتلين للعمل المدني، وترك الفصائل والثورة بشكل كامل لتأمين حاجاتهم.
وفي بعض الأحيان تتشكل فصائل جديدة تعتمد على الدعم الخارجي، إذ تعمل على تفعيلها “أياد خارجية” وينضوي تحتها عدد كبير من المقاتلين لأنها تعرض عليهم رواتب مرتفعة، تصل أحيانًا إلى 500 دولار شهريًا ما يجعلها هدفًا لكل من يعاني الفقر من المقاتلين، لكن هذه الكتائب تظهر بشكل مفاجئ وغالبًا ما تختفي بشكل مفاجئ أيضًا.
سياسية التجويع للتحكم بالمقاتلين
لا يمكن إنكار أن ما يدخل للفصيل من غنائم وأرباح من المشاريع التجارية وغيرها قد تكون كافية لسد حاجات مقاتليه، لكن سياسة التجويع تبقى سائدة للتحكم بالمقاتلين، أو كما يزعم البعض أنه “إن شبع المقاتل واكتفى سيصعب عليه تحمل التعب والجوع وغيره من المتاعب التي ربما تواجهنا بحال تعرضنا لحصار أو ما شابه”، كما يقول الحموي لعنب بلدي.
وهناك نوعان من المقاتلين، بعضهم من أهالي المناطق المحررة، والقسم الآخر من مناطق سيطرة النظام كمدينة حماة وحمص وغيرها.
ويختلف وضعهم المادي بين منطقة وأخرى، فأهالي المنطقة أغلبهم يملكون أراض زراعية ومصالح تعينهم على الحياة، أما النازحون من مناطق النظام فلا يملكون إلا الدخل المقدم من الفصيل الذي يعملون معه، لذلك تجد بعض الفصائل تتبع سياسية مالية مختلفة بين النازحين والمقيمين.
إيقاف الدعم واستنزاف المخزون
توقف الدعم المادي بشكل شبه كامل عن أغلب الفصائل منذ أكثر من عام ونصف، وأصبح الاعتماد الرئيسي للرواتب والمصاريف على الغنائم فقط.
وهذا دعا الفصائل الكبيرة إلى ادخار كل ما تملك وجعله مخزونًا احتياطيًا لأوقات مقبلة، قد تكون عصيبة، وبحسب وجهة نظر المسؤول المالي السابق فإن “المرحلة الصعبة قد اقتربت فالضغوطات التي نتعرض لها عسكريًا كبيرة جدًا وقد تكلفنا الكثير من الذخائر والأسلحة، وأعتقد أن الفصائل بدأت باستخدام المخزون الاحتياطي”.
حلول مقترحة ووعود خائبة
يعرض القائد العسكري في أجناد الشام محمد شكري في حديث مع عنب بلدي بعض الأفكار التي يمكن أن تساهم في حل هذه المشكلة، ويقول “المشاريع الإنتاجية هي من أقوى الأفكار التي يمكنها تخفيف الثقل عن المقاتل، وذلك يتم عن طريق تفعيل مشاريع وجعل المقاتلين يعملون فيها بنظام لا يتضارب مع عملهم القتالي وتكون المشاريع منوعة بحيث تستوعب أكبر عدد من المقاتلين كل حسب مجاله وخبرته، ويمكننا أيضًا عمل مشاريع تخدم أهالي المقاتلين وتقديمها مجانًا كمولدة كهرباء كبيرة أو نشر صهاريج لتوزيع الماء والطبابة وغيرها”.
أما المقاتل السابق أبو إبراهيم، والذي يعمل الآن في بيع المحروقات فيعتبر أنه لو وزعت الغنائم بشكل متساو ولم تخف لكان الوضع مختلفًا تمامًا، “ولوجدنا الجميع في اكتفاء”.
ويضيف متحسرًا “الوعود والقصص التي تروى لنا من زيادات قادمة ومنح وغيرها لم نعد نصدقها.. الأمر لم يعد يحتمل وأنا تركت الجهاد لهذا السبب.. أطفالي بحاجة للطعام”.
ورغم هذه الصعوبات يبقى المقاتل في حيرة من أمره، راكضًا وراء لقمة عيشه على أمل أن يتحسّن الوضع ويتم إيجاد حل جذري لهذه المشكلة التي تهدد الثورة السورية.