الثورة السورية وجامع الصادق النيهوم
ملاذ الزعبي
في كتابه ذائع الصيت “الإسلام في الأسر: من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة؟”، يحاول الكاتب الليبي الراحل الصادق النيهوم أن يطرح أفكارًا مغايرة وخلّاقة للأزمات التي يعيشها العالمان الإسلامي والعربي اليوم. وإن كنت شخصيًا أرى أن كتابات النيهوم لا تخلو من رغبوية تتخلل عددًا من مقالاته فإنني لم أستطع أن أمنع نفسي من المقارنة بين دور “الجامع” في الثورة السورية والفكرة اللافتة التي طرحها في مقال له بعنوان “كيف نستطيع أن نكون عربًا ومعاصرين”.
يرى النيهوم أن كلمة الديموقراطية لا تصلح للاستعارة في بلادنا لأنها نشأت في المجتمع الرأسمالي، معتبرًا أن “الكلام عن الديموقراطية في مجتمع من دون عمال، ومن دون رأسمال، مجرد كلام غير ضروري، بين ناس غير ضروريين”.
في مقابل ذلك يطرح الكاتب الليبي بديلًا استثنائيًا وهو الجامع، فالجامع، برأيه، “صيغة أخرى من صيغ السلطة الجماعية. إنه مقر مفتوح في كل محلة. يرتاده الناس خمس مرات كل يوم، لهم حق الاجتماع فيه، حتى خلال ساعات حظر التجول. تحت سقفه مكفولة حرية القول، وحرية العقيدة، وسلطة الأغلبية”.
كان الجامع في الأشهر الأولى للثورة السورية الحاضن الأساسي لها ولمظاهراتها، وهو في الوقت الذي كان بمثابة اتهام توصم به الثورة من مناهضيها باعتبارها “ثورة انطلقت من الجوامع”، كان للمفارقة المكان الذي استضاف فعلًا في أيام الجمع مناصري الثورة من مختلف الطوائف، مسلمين وغير مسلمين، متدينين وغير متدينين كافلًا تحت سقفه “حرية العقيدة”. ومن الجوامع نفسها انطلقت مظاهرات بعد صلوات يوم الجمعة التي عرفت خطبها في العديد من المرات “حرية القول” بعيدًا عن قمع النظام وخطبه المكتوبة سلفًا في مكاتب الأفرع الأمنية. كانت تلك المظاهرات تنطلق من الجوامع باحثة عن استعادة “سلطة الأغلبية”، الأغلبية السياسية لا الطائفية.
في الكتاب ذاته، يعود النيهوم في مقال آخر ليصف صلاة الجمعة بأنها “مؤتمر يوم الجمعة” التي هي في الأساس لقاء أسبوعي للناس “كي يحاسبوا حكوماتهم أول فأول”، مشيرًا إلى أن “أفضل الجهاد عند الله كلمة حق ضد سلطان ظالم”. ويعود ليدعو إلى “إحياء الحوار السياسي في الجامع، وتحرير المنبر من شخصية الواعظ، وإفساح المكان للمواطن الحاضر، لكي يتحدث عن عالمه الحاضر، ويناقش مشاكله الحاضرة، ويبحث عن حلولها مع مواطنيه الحاضرين”.
كانت صلاة الجمعة بالفعل خلال الثورة السورية، وما زالت في بعض الأماكن، تلعب دورًا مشابهًا إلى حد ما لما ورد أعلاه. فالشأن السياسي مثله مثل تفاصيل الحياة اليومية والشؤون الخدمية، كانت تجد طريقها إلى لقاءات يوم الجمعة المتحررة من سلطة النظام. لكن هذا الدور تراجع رويدًا رويدًا حد اختفائه في مناطق خرجت عن سيطرة النظام فيما الإشارة غدت نافلة إلى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية.
لذا يبقى سؤال الصادق النيهوم حيًّا وصالحًا: من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :