عاد صالح مسلم ليتسلّم رئاسة حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) برفقة آسيا عبد الله، بحسب ما أعلنت عنه وسائل إعلام كردية خلال اجتماع للحزب انعقد على مدار اليومين الماضيين.
وقالت وكالة “هاوار” المقربة من الحزب، في 19 من حزيران الحالي، إن “المؤتمر التاسع لـ(PYD)، الذي عُقد على مدار يومين متواصلين، انتهى بانتخاب آسيا عبد الله وصالح مسلم رئيسين مشتركين للحزب، ومجلس عام مؤلف من 145 عضوًا، ولجنة انضباط”.
وتعتبر هذه المرة الثانية التي يتسلّم فيها صالح مسلم وآسيا عبد الله رئاسة الحزب مناصفة منذ قرابة العشر سنوات، إذ تسلّما رئاسة الحزب عام 2012، وبقيا فيها حتى عام 2017.
أما في عام 2017، فانتخب كل من شاهوز حسن وعائشة حسو للقيادة المشتركة للحزب، وبقي مسلم وعبد الله عضوين في الهيئة الرئاسية المشتركة فيه، ليعود اليوم مسلم إلى واجهة الحزب برفقة آسيا عبد الله.
ويأتي تصدير مسلم اليوم إلى الواجهة مجددًا، في ظل عدم إخفاء تركيا رفضها القاطع لوجود “PKK” و”PYD” على مقربة من حدودها الجغرافية مع سوريا، كما لا يخفي الأخيران عداءهما لتركيا أيضًا.
ويتخذ الطرفان الكرديان من الأراضي السورية منطلقًا لرفع شعارات معارضة لتركيا، والمطالبة بالإفراج عن زعيم “PKK” (تركي الجنسية)، عبد الله أوجلان، تحت راية ما يُعرف اليوم باسم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي يُعتبر “PYD” أحد أعمدتها الأساسية.
من صالح مسلم؟
ولد مسلم عام 1951 في قرية شيران بريف مدينة كوباني (عين العرب)، وتعلم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية بمسقط رأسه كوباني، وأكمل المرحلة الإعدادية في دمشق.
ثم أكمل المرحلة الثانوية في ثانوية “عبد الرحمن الكواكبي” بمدينة حلب لعدم وجود ثانوية في كوباني خلال تلك الفترة، وحصل على شهادته الثانوية في القسم العلمي عام 1969.
وتخرج في كلية الهندسة الكيميائية بجامعة “اسطنبول” عام 1977، كما درس اللغة الإنجليزية لمدة عام واحد في إحدى الجامعات البريطانية بمدينة لندن.
وفي نهاية عام 1990، اتجه صالح مسلم إلى سوريا عائدًا من السعودية التي عمل فيها لعدة سنوات في إحدى شركات النفط، إذ تعرف في سوريا إلى حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، كما شارك في تأسيس حزب “PYD” عام 2003، وأصبح عضوًا في لجنته التنفيذية، ورئيسًا له عام 2010.
سجين لدى النظام ورئيس لـ”PYD”
بحسب تقرير أعدته هيئة البث والإذاعة البريطانية (BBC) عن صالح مسلم عام 2018، فإنه اعتُقل لدى قوات النظام السوري خلال فترة شبابه عدة مرات، تعرض خلالها للتعذيب.
وفي أثناء انتفاضة القامشلي المناهضة للنظام في آذار 2003، كان صالح مسلم عضوًا في لجنة أعدت رسالة إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ومكلفًا بنقلها إليه، لكن رئيس شعبة “الأمن السياسي”، غازي كنعان، رفض تسلّمها، وأمر باعتقاله.
وفي إحدى المداهمات لمنزله في مدينة عين العرب، لم تعثر قوات النظام السوري الأمنية عليه، واعتقلت زوجته عوضًا عنه، وبقيت في السجن حينها تسعة أشهر.
وخلال مقابلة صحفية أجرتها صحيفة “الحياة” اللبنانية مع مسلم في تموز 2015، قال فيها إنه ظل متواريًا عن الأنظار حتى عام 2010، إثر ملاحقته من قبل غازي كنعان.
ومع مرور العام الأول من الثورة السورية، عاد مسلم إلى شمالي سوريا، وتبعه نحو ألف من أنصاره الذين دربهم حزب “PKK”، وهناك أنشؤوا “وحدات حماية الشعب” التي سيطرت على المناطق ذات الأغلبية الكردية، بعد أن أخلتها الوحدات العسكرية وشبه العسكرية التابعة للنظام.
وأوحى “الانسحاب السلمي” للنظام حينها بوجود تنسيق مسبق مع “PYD”، الذي طرد، في تموز 2012، مسؤولي النظام من مباني البلديات في خمسة من معاقله (عين العرب وعامودا والمالكية وعفرين وجنديرس)، وأنزل العلم السوري ورفع علمه فارضًا نفسه.
وهو ما نفاه مسلم خلال مقابلة مُنفصلة مع صحيفة “الحياة” اللبنانية، إذ أشار حينها إلى أن النظام أعاد تقييم أولوياته كمواقع انتشاره ووجوده.
وأشار مسلم حينها إلى أن قوات النظام السوري لم تكن موجودة فعليًا في المناطق الكردية شمالي سوريا، بموجب اتفاق معقود بين تركيا والنظام في 1952، يمنع وجود مراكز فعلية للجيش على مسافة ما يزيد على 25 كيلومترًا من الحدود بين البلدين.
موقوف في التشيك بطلب تركي
في عام 2018، أوقفت السلطات في جمهورية التشيك صالح مسلم، في أثناء زيارته إلى عاصمتها براغ لحضور مؤتمر دولي يناقش قضايا الشرق الأوسط، للحديث عن القضية الكردية.
وبحسب “BBC”، فإن السلطات التشيكية أوقفت مسلم بناء على مذكرة توقيف أصدرتها تركيا بحقه، إذ احتل خبر توقيفه حيزًا كبيرًا في وسائل الإعلام العربية والعالمية.
وقالت وزارة العدل التركية حينها، إن أنقرة بدأت جهودًا مع جمهورية التشيك لترحيل مسلم إليها، وهو ما لم يتم التوصل إلى توافق بخصوصه.
وبعد مرور أيام على إيقاف مسلم من قبل السلطات التشيكية، قضت محكمة في العاصمة براغ بإخلاء سبيله، ونقلت وكالة “رويترز” عن محامي مسلم قوله، “إن المحكمة التشيكية قضت بالإفراج عن موكله، رغم دعوات تركيا لاحتجازه حتى البت في طلب تسليمه إليها”.
وكانت تركيا أصدرت مذكرة توقيف بحق مسلم في كانون الأول 2016، إلى جانب 48 من قادة حزب “العمال الكردستاني” الذي تصنفه “إرهابيًا”.
كما صدرت مذكرات اعتقال بحق زبير أيدار ورمزي كارتال، القياديين بحزب “العمال الكردستاني” في أوروبا، وعناصر آخرين في الحزب، بينهم القياديون جميل باييك، ومراد كاراييلان، وفهمان حسين.
ووصف حينها مسلم مذكّرة اعتقاله من قبل تركيا بـ “الفرمان الصادر عن السلطان” (في إشارة منه إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان).
وتنظر تركيا إلى “الاتحاد الديمقراطي” بأنه تنظيم “إرهابي”، كما تتهمه المعارضة السورية وفصائل “الجيش الحر” بأنه حزب “انفصالي”، في الوقت الذي يدير فيه مساحة واسعة من شمال شرقي سوريا، تحت راية “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ”قسد”.
–