عمر الحلبي – عنب بلدي
على غير العادة لن يتمكن قسم كبير من السوريين هذه الأيام من شراء الحلويات في ظل الارتفاع المستمر للأسعار على وقع ارتفاع الدولار، وارتفاع أسعار المواد الأولية التي تدخل في هذه الصناعة، كما يقول أبو محمد، صاحب أحد محلات الحلويات في منطقة الميدان بدمشق، فالطحين والسكر والفستق وغيره، مواد ارتفعت أسعارها أكثر من 3 أضعاف مقارنة بالعام الماضي.
وتتسابق محال الحلويات في رفع الأسعار في ظل انعدام الرقابة، وغياب من قبل جمعية حماية المستهلك ووزارة التجارة الداخلية التابعة لحكومة النظام، والتي يقتصر دورها على إصدار لوائح أسعار جديدة بين الفترة والأخرى.
آخر نشرة رسمية صدرت عن مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك تعود لشهر تموز الماضي، وتضمنت تحديد أسعار 11 نوعًا من الحلويات ضمن صنفين، الأول بالسمن النباتي والثاني بالسمن الحيواني، وكانت هذه الأسعار تقارب أسعار السوق، وتزيد عنها في بعض الأنواع، وبالنسبة لسعر المبرومة بالسمن النباتي حدّد سعر الكيلو منها بـ 2500 ليرة، وبلغ كيلو الآسية والبلورية وعش البلبل بـ 2150 ليرة، وبلغ سعر كيلو البرازق دون فستق 900 ليرة والغريبة دون فستق 700 ليرة، والعجوة بـ 950 ليرة، والهريسة باللوز والكاجو 500 ليرة.
لكن هذه الأسعار التي تعود لستة أشهر مضت ارتفعت اليوم لأكثر من ضعفين، مع وصول سعر الدولار في السوق إلى 390 ليرة.
عائلات سوريّة كان شراء الحلويات أحد أهم طقوسها السنوية بالتزامن مع نهاية السنة الميلادية واحتفالات عيد الميلاد، هجرت الحلوى ولجأت إلى منتجات أقل سعرًا كالسكاكر، التي لم تسلم هي الأخرى من الارتفاع بسبب تضاعف الأجور وارتفاع أسعار السكر أيضًا.
وتختلف أسعار الحلويات من محل إلى آخر تبعًا لجودة المنتج وما يضاف عليه من السمن والجبن والفستق والمكسرات وغيرها، وكذلك تتفاوت الأسعار بين المحال عادية والماركات المعروفة مثل حلويات نبيل نفسية، ودمشق وعلوان وغيرها.
حسرة على الأسعار السابقة
سعر كيلو الكنافة في الميدان أو باب الجابية يتراوح بين 9 إلى 10 آلاف ليرة سورية، وهذا الصنف نوع أول ومحتوياته من المواد تعد الأعلى تكلفة، وخاصة الفستق واللوز والجبن والسمن البلدي وغيرها. في المقابل تنتشر حلويات بأسعار أقل بنحو 5 آلاف ليرة لكنها تستخدم مواد أقل جودة وتكلفة كالسمن والمكسرات الرخيصة.
ويبلغ سعر كيلو الفستق الحلبي نحو 7 آلاف ليرة، والجوز 4 آلاف ليرة، والسمن النباتي 3 آلاف ليرة.
ووصل سعر كيلو النابلسية إلى ألفي ليرة، وفي بعض المحال وصل إلى 3 آلاف، نظرًا لارتفاع أسعار مكونات هذا الصنف من الحلويات وخاصة الجبنة والسمن البلدي، التي يتراوح سعر الكيلو منها بين ألف و1200 ليرة، أما الكنافة المصنوعة من السمن الحيواني فيصل سعر الكيلو إلى 1800.
وعلق أحد المواطنين على صفحته في فيسبوك متندرًا بعدما نشر صورة واجهة أحد محال الحلويات في دمشق، مبرزًا الأسعار “هذه أسعار الأيام.. يجب أن نحكي لأولادنا كان عندنا حلويات شامية، لم يكن لها مثيل في العالم”.
لماذا ترتفع أسعار الحلويات؟
كثيرة هي المبررات التي يسوقها الباعة إذا ما سألت عن سبب ارتفاع أسعار الحلويات في الأسواق مقارنة بالعام الماضي، أو النصف الأول من هذا العام. فالتكاليف التشغيلية مرتفعة جدًا كما يقول بائع، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، متابعًا “الكهرباء تنقطع 16 ساعة يوميًا ونستخدم المولدات التي تعمل على البنزين.. سعر الليتر اليوم إن وجد بحدود 200 ليرة، وهذه نفقات لا بد لنا من تحميلها للأسعار حتى نتمكن من العمل والاستمرارية، وكذلك ارتفعت أجرة المحلات التي نشغلها بنسبة 200% تقريبًا مقارنة بالعام الماضي، ولا ننسى أجور العمال التي ارتفعت هي الأخرى مع موجة الأسعار وتراجع دخل المواطنين”.
وبحسب البائع، فإن أجرة المحل التي كانت في 2010 نحو 15 ألف ليرة (300 دولار) أصبحت اليوم 60 إلى 70 ألف ليرة. وهذا لا يمكن أن يدفعه بموجب أسعار منخفضة أو قديمة.
مشكلة الأسعار بالنسبة للبائع الدمشقي بسيطة، فهي تواكب “المود” العام للأسعار، ووفق قوله “الدولار اليوم بحدود 390 ليرة، وكان قبل عام 2011 بحدود 48 ليرة”. مضيفًا “الأسعار منطقية جدًا، لكن ما هو غير منطقي بقاء أجور العمال والموظفين على حالها”، مشيرًا إلى أن الإضافات الجديدة والبالغة 2500 ليرة، حصّلتها الحكومة عبر رفع سعر الخبز والمحروقات والنقل وغيرها.
ويبلغ متوسط الأجور حاليًا في القطاعين العام والخاص في سوريا بحدود 30 ألف ليرة، (80 دولارًا)، وقدرت دراسات وإحصائيات حديثة أن الأسرة السورية المكونة من 5 أشخاص تحتاج شهريًا نحو 80 ألف ليرة، من أجل تأمين مستلزمات يومية ومعيشية.
السكر مفقود والطحين يرفع
أسعار الحلويات
يعتبر باعة الحلويات أن تكلفة مكوناتها كالسكر والطحين والمكسرات، هي السبب الأساسي في ارتفاع أسعار الحلويات وحرمان السوريين منها خلال فترة الأعياد، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل والشحن وغيره. ويبلغ سعر كيلو الطحين الأبيض 200 ليرة والسكر 250 ليرة.
وخلال الشهر الماضي أكدت المؤسسة العامة الاستهلاكية التابعة للنظام في دمشق عدم توفر مادة السكر بموجب البطاقات التموينية وأنه لا موعد محدد لاستلام المادة، إذ حرم حوالي 80% من المواطنين من الحصول على المادة عبر القسائم التموينية، وفق مصدر رسمي. أما معاون مدير المؤسسة الاستهلاكية فقد كشف عن حاجة إسعافية لـ 40 ألف طن من السكر المقنن في حين تبلغ حاجات سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، في الربع الجاري، وفي الربع الأول من العام المقبل، 138 ألف طن.
وتبلغ حاجة مدينة دمشق من السكر وفق القسائم التموينية بين 15 – 20 ألف طن، لكن مدير عام المؤسسة الاستهلاكية طلال حمود، أكد أن ما تم توزيعه حتى الآن عبر مراكز المؤسسة لا يغطي أكثر من 15% من هذه الاحتياجات، إذ انخفضت عمليات التوزيع بشكل كبير في الآونة الأخيرة بسبب عدم توافر المادة.
ومع إعلان الجهات الرسمية مرارًا عدم نيتها استيراد الطحين بسبب الاكتفاء، لم تنخفض الأسعار، وأوضح مدير عام المطاحن زياد بله لوسائل إعلام محلية، أنه مع دخول مطحنة الكسوة الحديثة حيز العمل وقدرتها على تأمين كامل احتياجات المنطقة الجنوبية وهي دمشق وريفها ودرعا والسويداء والقنيطرة، والمقدرة احتياجاتها بـ 1200 طن يوميًا، أصبحت الشركة قادرة على توفير جميع الاحتياجات من مادة الطحين محليًا، والاستغناء عن الاستيراد مع الاستعانة بمطاحن القطاع الخاص في المناطق التي فيها نقص، لاسيما محافظات حمص وحلب وطرطوس والقامشلي.
يذكر أن آخر كميات الطحين المستوردة تم استلامها عبر الخط الائتماني الإيراني وكانت 40 ألف طن في 2015، وتم التعاقد عليها في 2014.
أمام لوائح الأسعار المعروضة على واجهات محلات الحلويات، يقف المواطنون، يلقون نظرة ثم سرعان ما ينصرفون كلٌ إلى وجهته بعدما حرمهم الغلاء من شرائها، ولكن باتت الحلول البديلة مطروحة، وخاصة في الأصناف الأقل سعرًا كالسكاكر والملبس وغيرها. كما تلجأ السيدات حاليًا لصنع الحلويات المنزلية علها تخفف من وطأة تلك الأسعار التي تفوق قدرة المواطنين الشرائية، وتكون بديلًا مقبولًا، لكن المعاناة مع أسعار المواد تبقى مستمرة وخاصة السكر والسمن والطحين.. لكنها تبقى أرخص أوفر.