حنين النقري – عنب بلدي
غالبًا ما تحمل البدايات الجديدة أملًا بنمط آخر مختلف، ويبدو أننا نتشارك هذا الأمل إنسانيًا، إذ يتفاءل الناس في أول أيام الأسبوع بأن يكون ما يليه أفضل، ويتمنون مع بداية العام الجديد أن يحمل فسحة أمل بالتغيير، وغالبًا ما نعاهد أنفسنا على مزيد من الالتزام بعادات جيدة نود اكتسابها أو ترسيخها، لغة جديدة، صحة أفضل، ممارسة رياضة جديدة وقراءة عدد من الكتب؛ لكن الحماسة تتضاءل تدريجيًا لنعود كما كنا، وننتظر بداية جديدة تحمل لنا نفسًا جديدًا.
في السياسة، الأمور أيضًا مشابهة، فغالبًا ما يُراهن على القرارات الصادرة مع الأعوام والمواسم الجديدة، ولسان حال المواطنين يقول: عسى خير.
لكن يبدو أن علينا إعادة التفكير قليلًا بهذا المنحى، فالعام الجديد هو جزء مقتطع من سياق العام الحالي، واليوم الجديد هو استمرار للبارحة، من هنا يبدو التفاؤل بأن يكون الغد خلافًا لليوم مع استمراره في ذات المضمار وذات الظروف أمرًا خارج حدود المنطق.
لذا، إن أفضل طريقة “للتنبؤ” بالسنة الجديدة وما تخفيه، هي النظر للخلف لا في كتب الأبراج، وإذا أردنا أن نعرف ماذا يخبئ 2016 لنا كسوريين، فعلينا أن ننظر على أي حال ختمنا عام 2015.
مقتل سمير القنطار وشيزوفرينيا عربية
“أغارت طائرات العدو الصهيوني على مبنىً سكني في مدينة جرمانا في ريف دمشق ما أدى إلى استشهاد عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية الأسير المحرر الأخ المقاوم والمجاهد سمير القنطار وعدد من المواطنين السوريين”، بهذه الكلمات أعلن حزب الله مقتل سمير القنطار، مساء السبت 19 كانون الأول 2015، ليشعل الخبر ردود أفعال واسعة على الساحتين السورية والعربية.
تقول سمر من حمص، طالبة في جامعة البعث، إن صدى الخبر تردد بين الطلاب بشكل كبير رغم مقتله في محافظة أخرى، وتضيف “أكثر ما يزعجني هو الالتباس الحاصل في التعامل مع مقتل القنطار، بالنسبة لنا كسوريين لا يوجد لبس، فالمؤيدون للنظام أبدوا حزنهم على القنطار بطبيعة الحال بعكس حالنا نحن المعارضين له”.
وتوضح سمر أن ردود الفعل العربيّة على مقتل قنطار عبر الإنترنت “مفاجئة وصادمة” حسب تعبيرها، “قرأت العديد من الردود التي تعتبره بطلًا لمجرّد مقتله بغارة إسرائيلية رغم أن إسرائيل لم تصرّح بذلك، هناك شيزوفرينيا عربية حقيقية أظهرها مقتل قنطار، مثل رد فعل المدونة المصرية نوارة نجم والتي تعتبر من نشطاء حقوق الإنسان وسواها كثير”.
وكانت نوارة نجم نشرت صورة قديمة لها بصحبة القنطار، متحدثةً عن سياق الصورة التاريخي ولقائها الباكي بسمير، وعقبّت عبر صفحتها في فيسبوك “وأنا فلحظتها ما كنت أتخيل الموازين تنقلب لدرجة تبقى الناس مترددة تقول على مجاهد مات في غارة إسرائيليه شهيد، أو تبقى مش عارفة تزعل عليه ولا لا”.
تضيف سمر مثالًا آخر تراه دليلًا على “شيزوفرينيا العرب” بموقف حركة حماس حين عزّى سامي أبو زهري، الناطق الرسمي باسم الحركة’ بقنطار، وتقول “هل من المعقول أن تغمض حركة قامت ضد المحتل والظلم أعينها عن احتلال شعوب أخرى؟ ألا ترى حماس في قنطار محتلًا آخر على أرض سورية تمامًا كما جنود الجيش الإسرائيلي الذين تحاربهم؟”.
بدت خيبة سمر ذاتها شائعة بين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي من مواقف حماس وبعض المثقفين العرب، فمثلًا يقول أبو عمرو الشامي متهكّمًا على موقع تويتر “بعد بيان العزاء الذي توجهت به حركة حماس في المجرم سمير قنطار، أقترح على قيادة حماس أن تبايع الولي الفقيه وأن ترسل ميلشياتها لتقاتل في سوريا”.
بدوره يقول المهندس نادر من حماة إن الناس حوله تلقوا الخبر بفرح مصحوب بحذر شديد، ويوضح “فرحنا في السابق للعديد من الأحداث كاغتيال خلية الأزمة، تحرير العديد من المدن والمطارات، تصريحات دولية اعتقدنا أنها مفصلية، وخطوط حمراء اعتقدنا أن الجرس سيقرع للنظام لما تجاوزها، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، لذا استقبلنا خبر الغارة بحذر من باب الله يسترنا، فقد تعودنا على أن يكون منقلب الأمور دوليًا علينا لا لنا، وسيكون ردّ حسن زميرة في الزمان والمكان المناسب، على أرض سوريا لا إسرائيل”.
“الأسد” يحتفل بمولد النبي
وكأي “رئيس” يخترق من يعتبره عدوّه الأساسي أجواء بلده ويغير عليه قاتلًا أحد القياديين في صفوف حليفه الأول، خرج بشار الأسد وكأن شيئًا لم يكن ليحتفل بمولد النبي في جامع الأكرم بالمزة في 22 كانون الأول، بعد ثلاثة أيام فقط من مقتل القنطار.
يفترش “السيد الرئيس” الأرض محاطًا بأصحاب العمائم على ألوانها، لتبدأ المراسم بعد استئذانه بتلاوة آيات انتقيت بعناية “يا أيها النبي لا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلًا”.
بعد خطبة طويلة مليئة بالمترادفات والتشابيه، والسجع المقفى على الوجع، ما بين عروش الإرهاب في الجزيرة العربية وخناجره في بلاد الشام، ينتقل بنا الخطيب محمد عبد الستار السيد وزير أوقاف النظام في تسلسل الأحداث من عهد الإسلام وصحابة الرسول الكرام إلى حافظ الأسد قائد مسيرة التصحيح هكذا دفعة واحدة.
تقول الآنسة سمر من حمص تعقيبًا على مراسيم المولد النبوي “شعرنا أن الخطيب يحيي ذكرى مولد بشار لا ذكرى مولد النبي، حتى تكاد تشعر أنه أخطأ عندما نادى في الختام: يا سيدي يا رسول الله، بدل أن يقول: يا سيدي الرئيس”.
وكان السيد وصف بشار “بحامل لواء السالفين وقائد جحافل المرابطين”، واصفًا شهداء الجيش السوري وجنات خلدهم، ولم يكن ليفوت فرصة المولد النبوي دون شكر “أصدقاء سوريا كروسيا وإيران، يقفون مع الحق على الجانب الصحيح”.
الآنسة لينا مدرّسة من دمشق لم تشاهد مراسم المولد لكنها أخبرتنا أنها تأسف للحال الذي وصل إليه المشايخ “ممثلو الإسلام” اليوم، وتضيف “لا أدري من يجب علينا أن نتبع، أصحاب عمامات النظام ممن يهزون رؤوسهم على كل كلمة تقال ويقولون إنهم ينفذون تعاليم القرآن، أم شيوخ داعش ولحاها وتكفيرها؟ هل يمكن أن يكون المشايخ بهذا القدر من النفاق الذي نراه اليوم؟”.
“السيدة الأولى” في الحارة الثورية الأولى في الشام
صبيحة المولد جرى حدثان، الأول هو ضرب معضمية الشام من قبل قوات النظام بسلاح يعتقد أنه يحمل مواد سامة وراح ضحيته أكثر من 10 ضحايا وأصيب آخرون.
والحدث الثاني هو إحياء السيدة الأولى للمولد على طريقتها بزيارة لمركز التميز لكفالة اليتيم، في حي الميدان الثائر سابقًا بدمشق.
تصف لنا الآنسة لينا ما رأته على التلفاز، “بغض النظر عن محاولات اكتساب الشعبية المائعة التي اعتدناها، مجددًا أستغرب من هذا الالتفاف الواضح من الملتزمين دينيًا حول العائلة الحاكمة في سوريا”.
وتشرح بأن جميع مديرات وموظفات المركز محجّبات بالطريقة المميزة للقبيسيات، وتضيف “لا أدري ما سرّ هذا النفاق، أنا في الشام أيضًا لكنني لست مجبرة لأنافق لأحد، كيف يمكن استقبال زوجة قاتل الأطفال وسبب يتم الآلاف منهم، في ميتم للأطفال”.
يضيف المهندس نادر حول الأمر ذاته “تتصرف أسماء الأسد كسيدة أولى فعلًا، بلباسها وهيئتها ونشاطاتها، هل تعلم كم تبدو رغم هذا منسلخة عن الواقع كزوجها؟ ألا يبدو اختيارها زيارة ميتم بمنتهى التناقض والاستفزاز؟”.
هكذا ختم السوريون عامهم إذن، بمقتل القنطار الذي يخشون تبعاته عليهم لا على إسرائيل، شيزوفرينيا ما بين العروبة وبين ثورة الحرية من حركات المقاومة والمثقفين العرب، وحالة فصام يبدو أن عائلة الأسد الحاكمة مصرّة على الاستمرار بها، وتمازج بين الدين والسلطة لتحتار أيهما يتستّر بالآخر ويكسبه القوة.
بهذه المشاهد ختم السوريون عامهم، وبها أيضًا يتوقعون أن يبدؤوا عامهم الجديد، دون أيّ تغيير.