“لا مياه طوال اليوم سوى ساعة أو ساعتين، (الكرفانات) غير نظيفة، لم نخرج من بلدنا لنعامَل بهذه الطريقة”، هكذا يصف لاجئون سوريون حالهم في مخيم “كلّس”، الذي يُنقلون إليه حاليًا لتقييم ملفات لجوئهم في تركيا.
في رحلة “عشوائية” و”مبهمة التفاصيل”، نُقل لاجئون سوريون من الولايات التي يسكنونها إلى مخيم “مرعش” الواقع في ولاية كهرمان مرعش، وبعد أيام من التساؤلات حول مصيرهم نُقلوا بحافلات جماعية “عن طريق الخطأ” إلى سوريا عبر معبر “باب السلامة” الحدودي مع ولاية كلّس التركية، ثم أُعيدوا منها إلى مخيم “كلّس” داخل الأراضي التركية مجددًا.
بعد تصريح وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، عن توجه الحكومة التركية لنقل السوريين الوافدين حديثًا والمخالفين المقيمين في تركيا إلى مخيمات ومراكز لتقييم ملفات طلبات اللجوء، بدأت إدارة الهجرة في مختلف الولايات بنقل السوريين إلى مخيمات في عدة ولايات.
وفي 11 من حزيران الحالي، أعلن صويلو عن المخيمات التي سيجري نقل اللاجئين إليها قائلًا، “سنأخذ الوافدين إلى أحد مخيماتنا الموجودة حاليًا في أضنة وعثمانية وكهرمان مرعش وكلّس وهاتاي”.
المخيمات التي أعلن عنها الوزير، هي مخيمات أُنشئت لإيواء اللاجئين السوريين الذين نزحوا إلى الأراضي التركية في الأعوام السابقة، ومنها مخيمات تسكنها بعض العائلات إلى الآن، أما القسم الآخر فكان قد أُفرغ في أوقات سابقة.
في تقرير سابق أعدته عنب بلدي، تحدثت مع أشخاص نُقلوا إلى مخيم “كهرمان مرعش” من ولاية اسطنبول، بعد أن احتجزوا في مركز “توزلا” بالولاية لمدة يوم كامل، دون إعلامهم بأي تفاصيل مسبقًا.
المحطة الأولى.. مخيم “مرعش”
عنب بلدي تواصلت في مكالمة هاتفية مع مجموعة من السوريين الذين نُقلوا في الأسبوع الماضي إلى مخيم “مرعش” بولاية كهرمان مرعش جنوبي البلاد، والتي تبعد نحو 150 كيلومترًا عن الحدود السورية، وأوضحوا أنهم يقيمون كمجموعات في “الكرفانات”، لافتين إلى توفر الماء والكهرباء على مدار الساعة.
“محمد” (19 عامًا) لاجئ سوري قال لعنب بلدي، إن “إدارة المخيم وزعت عليهم سلالًا غذائية تحتوي على المنتجات الأساسية، ولكننا لا نجيد الطبخ، وهذه المواد بدائية ولا تحتوي على مكونات الطبخ الأخرى من بهارات ومستلزمات ثانية”، مشيرًا إلى عدم توفير المخيم لهم أي احتياجات أخرى.
وأوضح “محمد”، وهو اسم مستعار لأسباب أمنية، أن اللاجئين يضطرون إلى طلب احتياجاتهم من الغذاء من خارج المخيم، وهو ما يتم عبر إدارة المخيم دون السماح لأي أحد منهم بالخروج خارجه.
“المبالغ التي بحوزتنا على وشك النفاد، والبعض من المحتجزين لم يعد لديه أي سيولة”، أشار “محمد” إلى أن وضعهم يزداد سوءًا ضمن ضبابية واقعهم الحالي، وتابع، “أغلبنا ليس لديه أقارب أو معارف ليساعدوه، نحن نعمل لنعيل عوائلنا في سوريا”.
وفي 16 من حزيران الحالي، شهد مخيم “مرعش” احتجاجات وأعمال شغب قام بها شبان سوريون، احتجاجًا على الأوضاع التي مروا بها خلال الأيام الماضية، وعلى طريقة احتجازهم في المخيم.
وتطورت هذه الاحتجاجات إلى صدامات غير مباشرة بين هؤلاء الشبان وفرق مكافحة الشغب، التي وصلت إلى محيط المخيم، عقب تمكّن قسم من السوريين المحتجزين من الهروب إلى خارج أسواره.
ونشر ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة تظهر تجمع العشرات من الشبان السوريين مرددين هتافات “غاضبة”، بينما أقدمت فرق مكافحة الشغب على تفريقهم بواسطة خراطيم المياه.
استدعى ذلك إصدار والي كهرمان مرعش بيانًا يوضح فيه أنه “بسبب الجدال، اندلعت اضطرابات بين مجموعة من السوريين الذين تم نقلهم إلى مركز كهرمان مرعش للإيواء المؤقت حوالي الساعة 21:00، وبعد أن قامت وحدات حفظ الأمن بالتدخل تم ضمان الهدوء، ولا يوجد إشكال سلبي كبير”.
سوريا.. محطة محض “خطأ”
قال “محمد”، إن إدارة المخيم طلبت منهم، مساء الخميس 16 من حزيران، ركوب باصات، دون توضيح مسبق عن مكان وجهتهم.
“سألنا المسؤولين عن وجهتنا وهل سينقلوننا إلى مكان آخر، فكان الجواب أن الوجهة هي ولايات جديدة لأخذ بصماتنا لاستخراج بطاقات (الحماية المؤقتة)، الأمر الذي جعلنا نتنفس الصعداء، وتبيّن لنا أن حالة عدم الوضوح التي نعيشها حاليًا على وشك الانتهاء”، كان هذا باعتقاد “محمد”، الذي يشير بذلك إلى فرصة تسمح لهم باستصدار بطاقة “الحماية المؤقتة”، واستكمال حياتهم في تركيا بشكل قانوني، دون الخوف من الترحيل في أي لحظة.
لكن ما كان ينتظر “محمدًا” وأصدقاءه السوريين الذين استقلوا الحافلات لم يكن بالحسبان، “وجدنا أنفسنا فجأة في الأراضي السورية عند معبر (باب السلامة)، لماذا نحن هنا؟ ولماذا لم يجرِ نقلنا إلى الولايات؟ لم نكن نعي أيًا من الأمور التي كانت تحصل معنا ذلك اليوم”، يشير إلى استمرار اقتيادهم من هنا إلى هناك دون أي تصريح أو حتى إجراءات واضحة.
“لم نعلم ماذا يجب علينا القيام به: هل ننتظر؟ وماذا ننتظر؟” يروي “محمد” العجز والحيرة التي أحاطت بهم بشأن اتخاذ قرار حول وضعهم ووجهتهم التالية، مشيرًا إلى أن بعض الأشخاص الذين كانوا معه اختاروا العودة إلى مناطق في الشمال السوري، وأمّنوا مواصلات لتنقلهم إليها من “باب السلامة”، بينما فضّل آخرون الانتظار.
مخيم “كلّس”.. العدول عن “الخطأ”
“بعد انتظارنا حوالي الساعة، طلب منا موظفو المعبر هوياتنا أو أي وثائق تثبت شخصيتنا، لتعود الحافلة ويخبرنا الموظفون أن نقلنا إلى سوريا كان خطأ”، لتعاود الحافلة نقلهم إلى الطرف التركي.
لم يوضح المسؤولون مجددًا لـ”محمد” ورفاقه وجهتهم التالية، ليجدوا أنفسهم في مخيم “كلّس” الذي يبعد نحو 30 كيلومترًا عن الحدود السورية.
وحتى هذه اللحظة لم تعلن أي جهة رسمية في بيان أو تصريح عن تفاصيل نقل اللاجئين السوريين إلى المخيمات أو الإجراءات المتبعة معهم، في ظل تجاهل قضيتهم من قبل المنظمات الحقوقية.
عندما نقلونا إلى مخيم (كلّس) أخذوا بصمات الجميع للتحقق من قيود كل الموجودين في المخيم، ومن ظهر في ملفه أي مخالفة أو مشكلات أو دعاوى أُعيد إلى سوريا، أما من ليس لديه قيد مسبق مثلي، فأبقوا عليه في المخيم. |
مخيم “كلّس” يفتقر للمقوّمات الأساسية
“لا مياه طوال اليوم سوى ساعة أو ساعتين، (الكرفانات) غير نظيفة والحشرات منتشرة”، يصف “محمد” الظروف السيئة في مخيم “كلّس” الذي نُقلت إليه مع مجموعة من السوريين، مضيفًا، “لا يوجد لدينا أي ملابس لنغيّر تلك التي نرتديها”.
وبحسب ما أفاد به “محمد” عنب بلدي، فإن بعض المحتجزين في مخيم “كلّس”، وبسبب الظروف السيئة التي يمرون بها، لا يستطيعون المحافظة على نظافتهم الشخصية، وهذا ما أدى إلى إصابتهم بأمراض جلدية.
وطلب البعض من إدارة المخيم الذهاب إلى الطبيب لتلقي العلاج، لكن الرد من الموظفين جاء بأنه “لا يوجد طبيب يعالجهم ولا علاج”.
إما واقع المخيم وإما العودة إلى سوريا
وفق ما قاله “محمد” لعنب بلدي، فإن الموظفين في المخيم يجتمعون بهم في السابعة صباحًا والسابعة مساء، بهدف إحصاء عدد المحتجزين والتأكد من وجود الجميع.
وأشار إلى أن كل من يطالب بأي توضيح أو يستفسر عن مصيره في المخيم وإلى ماذا سيؤول إليه مصيره، أو يطلب زيارة الطبيب بسبب حالة صحية يمر بها ويرفض طلبه، يقابَل بعبارة تتردد على ألسنة الموظفين في كل مرة، وهي “من لا يعجبه المخيم ليذهب إلى سوريا”.
“علي” (22 عامًا)، لاجئ سوري من حماة، نُقل أيضًا إلى مخيم “كلّس”، أشار إلى أنه لا يستطيع العودة إلى سوريا لكون مدينته واقعة تحت سيطرة قوات النظام السوري.
“أنا الآن مطلوب للخدمة العسكرية، ولا أستطيع العودة إلى حماة، مرّت على فترة إقامتي في تركيا سنتان، أنا هنا أعيل نفسي وعائلتي”، يصف “علي” (اسم مستعار لأسباب أمنية) استحالة عودته إلى مناطق سيطرة النظام التي تشكّل خطرًا على حياته.
ويتابع، “أما بالنسبة لعودتي إلى الشمال السوري، فأنا لا أريد العودة إلى تلك المناطق، لا أحد لي هناك، لا أعرف أحدًا”، لافتًا إلى أنه غريب عن هذه المناطق التي ترحّل تركيا السوريين إليها دون النظر إلى أن بعضهم ليسوا من سكانها.
الحكومة التركية متمثلة بوزارة الداخلية ومديرية إدارة الهجرة، المسؤولتين بشكل مباشر عن ملف اللاجئين في البلاد، أشارت إلى أن قرارات نقل اللاجئين السوريين إلى المخيمات والإجراءات المتعلقة بهذا الموضوع تأتي ضمن الخطة المتبعة من قبلها للحد من الهجرة “غير الشرعية” إلى تركيا.
في تقرير سابق أعدته عنب بلدي، تواصلت مع مركز التواصل للأجانب (YİMER)، التابع لمديرية إدارة الهجرة في تركيا، المخصص للإجابة عن الاستفسارات المتعلقة بالأجانب المقيمين في تركيا، للسؤال عن الإجراءات المتبعة مع اللاجئين السوريين الذين نُقلوا إلى المخيم.
المركز قال إن القرارات عائدة لمديرية إدارة الهجرة، وليست لديهم أي معلومات حول المدة التي سيبقى فيها السوريون في المخيم، أو الإجراءات المتبعة معهم في هذه الفترة.
المخالفون والوافدون حديثًا
بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، فإن الوافدين إلى تركيا حديثًا سيُنقلون إلى المخيمات، ليتم تقييم ملفاتهم.
أما من تحدثت إليهم عنب بلدي، فهم أشخاص لم يدخلوا البلاد حديثًا، إذ قال “محمد” إنه مضى على إقامته في اسطنبول مدة سنة ونصف، ولكنه لا يحمل أي وثائق، وليس لديه أي قيد في إدارة الهجرة.
ووفق ما قالته مديرة الاتصال في “اللجنة السورية- التركية المشتركة”، إيناس نجار، في تقرير سابق أعدته عنب بلدي، فإن “القرار يشمل القادمين من خارج تركيا حديثًا، بالإضافة إلى اللاجئين المخالفين الذين يقيمون في تركيا دون الحصول على بطاقات من قبل”.
وحتى الآن، لم تدلِ إدارة الهجرة أو وزارة الداخلية بأي تصريح حول تفاصيل نقل المخالفين والقادمين حديثًا إلى تركيا، أو عن مدة بقائهم في المخيم لدراسة ملفاتهم.
مصدر في هجرة بورصة قال لعنب بلدي، إن فترة التقييم من الممكن أن تتراوح بين الثلاثة والستة أشهر، مضيفًا أن إدارة الهجرة في أنقرة ستوضح جميع التفاصيل في بداية الشهر المقبل.
وفي 8 من حزيران الحالي، أعلنت السلطات التركية ترحيل 34 ألفًا و112 مهاجرًا، ممن دخلوا تركيا بشكل غير قانوني، منذ بداية العام الحالي.
وتستمر عمليات التفتيش المتعلقة بضبط المهاجرين “غير النظاميين” من قبل وحدات حفظ الأمن، إذ يجري إرسالهم إلى بلدانهم عبر رحلات الطيران، أو عبر الحدود.
ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و763 ألفًا و864 لاجئًا سوريًا، بموجب “الحماية المؤقتة”، بحسب أحدث إحصائيات المديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية.
–