"تربية" النظام بررت بتحفيز "مستويات التفكير العليا"
في امتحان “الوطنية”.. “دور القيادة الاستثنائية” يخيف طلاب “البكالوريا”
عنب بلدي- جنى العيسى
“لم أستطع كتابة ولا كلمة واحدة، ليس لأنني لم أستوعب السؤال، بل لأنني خفت ألا يعجبهم ما سأكتبه كإجابة عن السؤال”.
هكذا بررت طالبة من طلاب الصف الثالث الثانوي (البكالوريا) تقيم في محافظة ريف دمشق، لعنب بلدي، عدم قدرتها على الإجابة عن السؤال الأخير (الموضوع)، وعلامته هي الأكبر بين أسئلة “التربية الوطنية” التي جرى امتحانها في 14 من حزيران الحالي.
أضافت الطالبة، التي تحفظت على ذكر اسمها لأسباب أمنية، أنها حفظت محتوى المنهاج جيدًا، وأجابت بشكل جيد عن الأسئلة النموذجية، كاختيار الإجابة الصحيحة من أصل عدة خيارات، أو التعريفات والفروقات الموجودة حرفيًا في الكتاب.
لكنها لم تستطع كتابة الموضوع المطلوب، ويطلب في نصّه الحديث عن “السياسات والإجراءات لتحقيق الأمن الوطني، بالإضافة إلى رأي الطالب بدور القيادة الاستثنائية في المرحلة الصعبة، بعد افتراض أن سوريا استهدفت منذ عام 2011 من قبل التنظيمات الإرهابية التي تعد أدوات جديدة في تنفيذ المشاريع الاستعمارية”.
وقالت الطالبة، “لو كُتب الجواب حرفيًا في الكتاب، كنت سأجيب عنه كما حفظته وكما يريدون تمامًا، لكنني لا أعرف بماذا أجيب في هذا الموضوع الصعب”، مضيفة أنها كانت خائفة من ألا تستطيع كتابة رأيها بالقيادة “الاستثنائية” بشكل يريده مصحح ورقتها الامتحانية، متخوفة من أثر يعود عليها خارج إطار الامتحان، لذا فضّلت عدم الإجابة عن السؤال بالأساس.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، تفاجأ طلاب “البكالوريا” بنوعية الأسئلة، والطريقة التي طُلب منهم فيها كتابة آراء في قضايا تعتمد على قدرتهم على الوصف والفهم للمنهاج ككل.
وتظهر طبيعة الأسئلة المنهاج الذي درسه الطلاب لمدة عام دراسي كامل، والمتضمن تمجيد محاربة النظام لـ”الإرهاب”، وطرقه وأساليبه التي سلكها للوقوف بوجه “المؤامرة الكونية”، مع أقوال لرئيس النظام، بشار الأسد، حول مفهوم الإرهاب.
“التربية”: الأسئلة تحاكي الواقع
بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” الحكومية، استطلعت فيه آراء عدد من الطلاب، فإن أسئلة الامتحان أربكت الطلاب، كونها جاءت على جزأين، أولهما أسئلة اختيارية واختيار إجابة صحيحة، بينما كان الجزء الثاني أسئلة مقالية صعبة إلى حد ما.
وبحسب آراء الطلاب، كانت الأسئلة تحتاج إلى وقت وفهم، كون المنهاج جديدًا ويُدرس لأول مرة، فلم يكونوا معتادين هذا النمط من الأسئلة.
كما تحدث تقرير الصحيفة على لسان الطلاب، عن صعوبة الموضوع الذي جاء حول “الإرهاب والتنظيمات التكفيرية وطرق مكافحة الإرهاب”، وصعوبة سؤال “التدخل الأمريكي في المنطقة العربية” الذي يحتاج إلى حفظ وفهم وإدراك.
وجاء الرد على هذه الانتقادات من قبل وزارة التربية في حكومة النظام، على لسان “مكتب الإشراف الأول في الوزارة”، بأن الأسئلة جاءت “واضحة وشاملة لموضوعات الكتاب، وراعت الأوزان النسبية لمضمون الوحدات الدرسية، ومستويات التفكير العليا”.
كما اعتبر “المكتب” أن الأسئلة “حاكت مجريات الواقع الحالي والإقليمي والدولي، بما يضع الطالب في مواقف تعليمية تستثير تفكيره، وتحفز ما لديه من إمكانات وقدرات فكرية على فهم الواقع وكيفية التعامل معه”.
سياسة “البعث” التعليمية
أستاذ علم الاجتماع في جامعة “دمشق” سابقًا، والباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” حاليًا طلال مصطفى، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن حزب “البعث” منذ وصوله إلى السلطة، خاصة مع تسلّم حافظ الأسد الحكم عام 1970، عمد إلى استخدام التعليم كوسيلة لتدجين الطلبة منذ الطفولة، ليكونوا مواطنين موالين وطائعين لسياسة هذا النظام، بما يعكس أيديولوجيته وفلسفته الاستبدادية، عبر قولبة الأجيال المقبلة في مناهج تعليمية تتماشى مع رؤيته السياسية، وتلائم استمراره في الحكم.
وهذا ما لوحظ تاريخيًا في المناهج بمختلف المراحل التعليمية في سوريا، بحسب الباحث، إلى جانب الفلسفة التعليمية العنفية في فرض اللباس العسكري الموحّد للطلاب، والانتساب الإجباري إلى المنظمات المؤدلجة كـ”طلائع البعث” و”اتحاد شبيبة الثورة”، كإطار أوحد لتنظيم نشاطات الطلاب، بالإضافة إلى معسكرات “الصاعقة”.
“لن تنطلي على السوريين”
أوضح الباحث الاجتماعي طلال مصطفى، أن النظام السوري عمد بعد الثورة السورية عام 2011، إلى تعديل معظم المناهج التعليمية في المستويات التعليمية كافة، بما يلائم فلسفته السياسية الاستبدادية، مضيفًا أن هذا التضليل المتعمد في المناهج الدراسية وغيرها، لا يمكن أن ينطلي على السوريين الذين عايشوا الثورة في أشهرها الأولى، وتحديدًا في المرحلة السلمية (المظاهرات والاحتجاجات الشعبية)، ومن غير المفيد برأيه، حالة الإنكار التي يحاول النظام تعزيزها في المؤسسات المجتمعية السورية كافة، ومنها المؤسسات التعليمية.
منهاج يمثّل رؤية “الدولة”
ويرى الباحث في علم الاجتماع، أن النظام يعدّل المعلومات والمصطلحات ضمن مناهج عدد من المواد، وفقًا لموقفه السياسي من الدول أيضًا، إذ أعاد النظام “لواء إسكندرون” إلى خريطة سوريا، بعد أن حذفه في المرحلة “الودية” بين النظام وتركيا سابقًا، موضحًا أن ذلك جاء ردًا على الموقف التركي الداعم للمعارضة السورية.
كما استبدل النظام أيضًا مصطلح “الاستيلاء على القسطنطينية” بـ”فتح القسطنطينية”، و”محمد الثاني” بالشخصية العثمانية الإسلامية “محمد الفاتح”، وكذلك عمد إلى ترسيخ مفهوم “الاحتلال العثماني” في أذهان الطلاب بدلًا من مفهوم “الحكم العثماني” الذي كان معتمدًا في المناهج قبل عام 2011.
وبحسب الباحث طلال مصطفى، عمد النظام أيضًا إلى تعديل مناهج التربية الإسلامية، لتتضمّن تعليم المذهب الشيعي الاثني عشري (الإيراني) إلى جانب المذهب السني، وإلى افتتاح المدارس الشيعية والجامعات في عدد من المدن السورية، “مكافأة” لوقوف إيران إلى جانب النظام في حربه ضد الشعب وثورته.
كما أدخل اللغة الروسية في المناهج التعليمية السورية إلى جانب اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية، كـ”ردّ جميل” على وقوف روسيا إلى جانبه أيضًا، بحسب الباحث.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :