عنب بلدي- دمشق
“يا بقعد بالبيت وبضيع مستقبلي، يا بروح عالجامعة وبضيع عمري بالطرقات”، هذا ما قالته سلمى (22 عامًا)، شارحة ما تعانيه في الطريق من بيتها في إحدى بلدات الغوطة الشرقية إلى جامعتها على طريق المطار.
رغم الظروف القاسية التي عاشتها خلال حصار الغوطة، وظرفها الحالي الذي يجبرها على ترك ابنتها الوحيدة التي فقدت والدها عند إحدى قريباتها، اختارت سلمى أن يضيع وقتها في الطرقات في سبيل الحصول على الشهادة الجامعية التي تحلم بها.
وتشهد العاصمة السورية دمشق ازدحامًا متزايدًا، وأزمة في خطوط النقل، جراء انخفاض أعداد “السرافيس” والباصات العاملة على الخطوط، ما يجعل رحلة الطلاب إلى جامعاتهم مأساة حقيقية، بحسب وصفهم.
“أنت وحظك”
“أنت وحظك”، هي القاعدة الوحيدة الثابتة في مواصلات دمشق، والحظ السيئ حين يكون من نصيب طالب في كلية عملية تتطلب الدوام، يعني المزيد من التغيّب عن الجامعة، وهو ما يتسبب بحرمان الطالب من إحدى المواد الدراسية، بحسب ما قالته سلمى لعنب بلدي.
تحتاج سلمى، وهي طالبة بكلية الهندسة بجامعة “دمشق”، إلى ثلاثة “سرافيس” (حافلة بـ12 مقعدًا) للانتقال بين بيتها والجامعة، وتستغرق مدة زمنية تعتمد على الحظ أيضًا، إذ يمكن أن تصل إلى جامعتها في بعض الأيام خلال ساعة، بينما قد يستغرق الطريق ساعتين في أيام أخرى بحسب توفر “السرافيس”.
“قبل يومين بعد حوالي ساعة من انتظار (السرفيس)، تراجعتُ عن الذهاب إلى الجامعة”، قالت “رنيم”، اسم مستعار لأسباب أمنية، وهي مستاءة من معاناتها اليومية مع المواصلات.
وتلجأ “رنيم” في كثير من الأحيان للسير على أقدامها من منزلها في حي العدوي إلى كلية الإعلام في منطقة المزة، بسبب الازدحام الشديد داخل “السرافيس”، الذي يدفع السائقين لتجاهل طوابير المنتظرين عند المواقف وفي الساحات.
وقت الذروة.. السائقون يفاقمون الأزمة
“في يومي الأحد والخميس، تتفاقم أزمة المواصلات بسبب طلاب المحافظات الأخرى العائدين إلى مدنهم وبلداتهم في عطلة نهاية الأسبوع، والعائدين إلى الجامعات يوم الأحد”، قالت سلمى واصفة وقت الذروة الذي يحتمل ساعات من الانتظار.
وتعتبر الساعة الثامنة صباحًا والخامسة عصرًا من الأوقات التي تجعل خيار الاستغناء عن المحاضرة بالنسبة لسلمى أفضل من ساعات انتظار وسيلة مواصلات في الطريق، بينما تنتظرها طفلتها الوحيدة عند إحدى قريباتها.
وتفاقمت أزمة المواصلات عند ساعات الذروة نتيجة تعاقد سائقي “السرافيس” العامة مع مجموعات من الطلاب لنقلهم بشكل جماعي ضمن اشتراك شهري، وفق ما قالته سلمى.
وليست سلمى الوحيدة التي تضحي بدوامها الجامعي بسبب عجزها عن العثور على وسيلة مواصلات تنقلها إلى جامعتها، إذ قالت “رنيم”، إنها في صباح اليوم الذي تحدثت فيه مع عنب بلدي، وبعد ساعة من الانتظار، قررت العودة إلى منزلها.
وأشارت سلمى إلى أن كليتها الأدبية تعطيها مرونة أكبر بالتغيّب عن محاضرتها، بينما يعاني مئات طلاب الكليات العلمية من احتمالية رسوبهم، بسبب الغيابات المتكررة في جامعات لا تراعي ظروف الطلاب رغم أنها جزء مما يعيشونه، بحسب سلمى.
الطالبات يعانين مرتين
“في حافلات النقل الداخلي نقف بأجساد متلاصقة من فرط الازدحام، ما يكون بوابة لأذى أكبر يمس الطالبات”، قالت “رنيم”، لافتة إلى أن التحرش حدث يتكرر باستمرار في حياة الطالبات اللواتي ينتقلن بالمواصلات العامة.
ودفعت هذه الحوادث العديد من الفتيات إلى تجنب الصعود إلى الحافلة وحدهن، ما خلق أزمة جديدة تقف عائقًا في طريق وصولهن إلى جامعاتهن.
“المشاهد مؤذية لنا جميعًا، وجوه الفتيات اللواتي لا يدركن أن الصمت ليس خيارًا في هذه الحالة مؤلمة، يضاف إلى هذا حقيقة أن الصمت يعطي ضوءًا أخضر للمزيد من مرتكبي هذه الأفعال المشينة”، تابعت “رنيم”.
وتتفق سلمى مع “رنيم”، إذ قالت إن “هذه المواقف في بلد لا قانون يحمي فيه، تتطلّب صوتًا قويًا وإناثًا يدركن الفرق بين أن يكنّ الضحايا أو المذنبات”.
بدائل لا تلبي الحاجة
في ظل الأزمة الممتدة منذ سنوات، يحاول الطلاب العثور على بدائل تهوّن عليهم طريقهم اليومي إلى الجامعة وتقلل من ساعات الانتظار.
وتحاول “رنيم” العثور على مجموعة من الفتيات اللواتي ينتظرن الحافلة، لتستقل معهن سيارة أجرة يتقاسمن أجرتها، لتخفف عن عائلتها عبء تكلفة ركوب سيارة الأجرة، حيث تصل إلى عشرة آلاف ليرة سورية من منزلها إلى كلّيتها، وفق قولها.
وأضافت “رنيم” أن هذا الخيار ليس متاحًا دائمًا، إذ إن سائقي السيارات غالبًا ما يرفضون هذا الخيار باعتباره غير مربح بالنسب لهم.
كما تحاول في بعض الأيام مرافقة أحد أقاربها الذي تملك عائلته سيارة خاصة، لكنّ هذا الخيار يخدمها ليومين شهريًا على الأكثر، بسبب اختلاف مواعيد الدوام وأزمة المحروقات التي تشهدها دمشق.
في المقابل، اختارت سلمى أن تكون قبل أشهر ضمن إحدى مجموعات الطلاب الذين يتعاقدون مع “سرفيس” بأجرة شهرين، وفق ما قالته، مشيرة إلى أن السائق الذي كان يطلب أجورًا غير منطقية ويعدّل الأجر شهريًا حسب رغبته، أخبرها والمجموعة التي كانت تشترك معها في منتصف نيسان الماضي أنه تعاقد مع مجموعة أخرى دفعت ضعف المبلغ، بحسب ما قالته سلمى نقلًا عن السائق.
أزمة مواصلات ومحروقات
تشهد مناطق سيطرة النظام أزمة مواصلات جرّاء قلة كميات المحروقات التي تمنع سائقي وسائل النقل العام من العمل مع ضعف مخصصاتهم من الوقود.
وامتنعت محافظة دمشق، في 9 من حزيران الحالي، عن تزويد “السرافيس” بمادة المازوت يومي العطل الأسبوعية (الجمعة والسبت)، مع استمرار أزمة المحروقات، وسط وعود لم تُنفذ كانت تنص على أن يجري تعويض المواطنين عن غياب “السرافيس”، بـ”تسيير باصات للنقل الداخلي بعدد 200 باص على مدار الساعة خلال يوم السبت، إلى جانب باصات القطاع الخاص”.
في المقابل، قال مدير النقل الداخلي بدمشق، موريس حداد، إن محافظة دمشق تمتلك 100 باص نقل للقطاع العام، و130 باصًا للقطاع الخاص، لكن تم تخفيض هذا العدد يومي الجمعة والسبت إلى 60 باصًا فقط لـ”منع هدر الوقود”.
وأضاف حداد أن هناك أكثر من ستة آلاف و800 “سرفيس” في دمشق، ما اعتبره عددًا “جيدًا”، لافتًا إلى أن المدينة تحتاج إلى حوالي 500 باص نقل داخلي لتخديمها، وفق ما نقلته إذاعة “شام إف إم” المحلية، في 12 من حزيران الحالي.
وأرجع حداد أزمة المواصلات إلى تسرب “السرافيس” عن الخطوط، وبيعها مخصصاتها من المحروقات في السوق السوداء.