عنب بلدي- ريف إدلب الغربي
شهدت مناطق ريف إدلب الغربي، خصوصًا سهول حوض نهر “العاصي” الممتدة من بلدة دركوش إلى عزمارين، تحولًا بطرق سقاية المزروعات منذ بداية العام الحالي.
استغنت أغلبية المزارعين عن السقاية بالمحركات التي تحتاج إلى الديزل، بعد التضخم الكبير بأسعار المحروقات، وفرق سعر صرف العملات مع تحول أغلبية التعاملات اليومية في محافظة إدلب إلى الليرة التركية في حزيران عام 2020 من قبل حكومة “الإنقاذ” العاملة هناك.
بدأت أغلبية المزارعين في بلدة دركوش بشراء منظومات الطاقة الشمسية الخاصة بالري، بحسب ما رصدته عنب بلدي، نظرًا إلى انعدام تكلفة الري باستخدامها، بالإضافة إلى أنها تعمل على طاقة طبيعية طوال النهار من شروق الشمس وحتى غروبها.
مشاريع للري توقفت بسبب النزاع
كان السهل الممتد من مزارع دركوش وحتى عزمارين مرويًا بمشروع يغطيه كله، حتى إن المزارعين قبل توقف المشروع لم يعرفوا محركات الضخ مطلقًا بل كان المشروع كافيًا للجميع.
يضخ المشروع المياه من نهر “العاصي” في منطقة الحفرية تحديدًا إلى مكان مرتفع يتم تجميع المياه فيه، ومن ثم يتم توزيعها على السهل بشكل منتظم وبدورة أسبوعية، وبرسوم بسيطة مقارنة بالخدمات التي يقدمها، لكن هذا المشروع توقف في بداية عام 2012، وسُرقت جميع معداته.
“كنا لا نأكل هم السقاية مطلقًا، كان مجرد أن نفتح اللولب الذي برأس أرضنا يأتينا الماء فورًا، لم نكن نحتاج لتشغيل المحرك أو إصلاحه أو تزويده بالمازوت والزيت، لكن اليوم صارت السقاية مكلفة جدًا، وأصبحنا نخفف من السقاية من مرة في الأسبوع إلى مرة كل 15 يومًا، ما أثّر سلبًا على مواسمنا”، وفق ما قاله المزارع غسان أحمد (45 عامًا) لعنب بلدي.
غلاء أسعار منظومات الطاقة الشمسية
الارتفاع المتكرر لأسعار المحروقات، وصعوبة الحصول عليها في بعض الأحيان، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي مع زيادة عدد ساعات التقنين، دفع أغلبية المزارعين للبحث عن بدائل لتأمين الكهرباء كأحد احتياجات السقاية الأساسية.
لكن في نفس الوقت، فإن ارتفاع تكلفة منظومات الطاقة الشمسية يصعّب على أغلبية المزارعين تأمينها، وفق ما قاله المزارع غسان أحمد، فـ”الطاقة الشمسية ممتازة، لكن تكلفتها عند الشراء في المرة الأولى غالية، عدا عن الصيانة الدورية”.
تتراوح أسعار منظومات الطاقة الشمسية بحسب بُعد الأرض عن نهر “العاصي” أو عن بئر الماء، فكلما كان النهر أبعد كانت التكلفة أكبر، ومعظمها تباع بالدولار الأمريكي، وتبدأ الأسعار من ألف دولار وتبلغ في بعض الأوقات 2500 دولار، تُدفع لمرة واحدة، ويتم التشغيل بعدها من دون تكلفة نهائيًا، عدا الأعطال التي قد تحدث في المنظومات.
“صحيح أن تكلفة الطاقة الشمسية عالية، لكنها تُدفع لمرة واحدة، وبالتالي فهي أوفر على المدى البعيد من الاعتماد على البنزين الذي يزداد سعره بشكل متكرر ومتسارع”، وفق ما قاله المزارع الأربعيني.
مبادرات لحل المشكلة
عملت عدة منظمات على مشاريع للري في المنطقة، وذلك بتوزيع منظومات للطاقة الشمسية على المزارعين ضمن فئة الدخل المحدود، فجمعت كل ستة بساتين مع بعضها، وأعطت المزارعين منظومات لتخفف عنهم عبء التكلفة المالية.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي في بلدة دركوش، فإن هناك عددًا كبيرًا من المزارعين الذين اشتركوا مع جيرانهم في شراء منظومات الطاقة الشمسية، للتخفيف من ثمنها المرتفع، “فكما يقولون (الحمل على الجماعة خفيف)”، وفق ما قاله المزارع خالد دركوشي (47 عامًا)، الذي اشترك مع جيرانه الأربعة.
“أشترك أنا وجيراني الأربعة بمنظومة طاقة كبيرة، يصبح الدفع أقل، وتكفينا كلنا، حتى بعد تركيب المنظومة صرنا نزرع خضراوات صيفية، سابقًا لم نكن نستطيع ذلك، كنا نخفف من السقاية كثيرًا توفيرًا للمازوت”، بحسب ما قاله المزارع خالد.
وفي 31 من أيار الماضي، رفعت شركة “وتد” للمحروقات، العاملة في مناطق نفوذ حكومة “الإنقاذ” شمال غربي سوريا، أسعار المحروقات والمشتقات النفطية إلى مستويات غير مسبوقة في محافظة إدلب، مبررة ذلك بارتفاع أسعار النفط عالميًا.
ووصل سعر ليتر البنزين “مستورد أول” إلى دولار و367 سنتًا، وسعر أسطوانة الغاز إلى 13 دولارًا و13 سنتًا، وبلغ سعر المازوت “الأوروبي” 952 سنتًا، والمازوت من النوع “المحسّن” 676 سنتًا، وسعر المازوت “المكرر” 572 سنتًا.
وتحتاج منظومة الطاقة الشمسية إلى لوح وأسلاك وبطاريات وجهاز مسؤول عن عملية تنظيم الكهرباء وإدارة الأحمال، يُعرف بـ”إنفرتر”، وهو ما يزيد من تكلفة اعتماد ألواح الطاقة الشمسية كخيار بديل للمحروقات.