رغم اختيار مسلسل “رقصة مطر” شخصية مميزة ومختلفة مهنيًا بما ينفي انتشارها، فإن الاختيار لا ينفي الحالة التي وقع تحت تأثيرها “بسام القاضي”، بطل العمل، وضحية علاقة عاطفية يُفترض أن تمنحه الأمان بعدما أغدق عليها بالثقة.
يعمل “بسام” ملحنًا ومؤلفًا موسيقيًا وعازف “بيانو”، وقائد فرقة موسيقية، لكنه يجد نفسه بعد أمجاد النجاح والشهرة، فريسة سهلة لنادلة شابة تعمل في “بار”.
والقصة أن “حنين ماضي”، النادلة الشابة المعجبة بـ”المايسترو”، تقنعه دونما عناء بسيل إعجابها الذي لا يقاوَم ومدى تأثرها به، والنتيجة علاقة عاصفة وضع بها الفنان المشهور إيمانه كاملًا، دون أن يتوقع ولو للحظة احتمال أن تكون “حنين” مدفوعة من موسيقي ينافس “بسام” ويرغب بتدميره مهنيًا.
هذا الحب الذي ألّف “بسام” في سبيله وصاغ مقطوعات كثيرة، وفتح لأجله أبوابًا مغلقة في شخصيته المنعزلة، التي تحافظ على عالم هادئ ومرتب بين المقامات الموسيقية، بمعزل عن فوضى الناس، أصابه في مقتل، حين اكتشف أنه رهين صفقة تقوم على سرقة مؤلفاته ومنحها لموسيقي منافس، لكن الاكتشاف جاء متأخرًا، وحين لا يمكن الحيطة منه مقدار التعلم، وربما التأثر أكثر.
استفاق “بسام” على مؤلفات مسروقة، وحبيبة هاربة بعدما سقته إلى جانب حبوب منوّمة لتسهيل السرقة، مرارة الخذلان، والاستغباء ربما، لتعود بعد فترة مؤمنة بصفح جميل من الحبيب المجروح، لكن ما حصل قلب معادلة المسلسل، فهناك جريمة قتل ضحيتها “حنين ماضي”، ومتهم أول ووحيد هو “المايسترو”.
هذه الأشياء كلها يكشفها العمل في أولى حلقاته القليلة نسبيًا (أقل من 15 حلقة)، ليستخدم فيما بعد أسلوب الخطف خلفًا، لتفسير الأسباب والظروف التي قادت للجريمة.
وإذا كان أسلوب الخطف خلفًا يُستخدم على مستوى الحلقات في أعمال مختلفة كتقديم خاتمة الحلقة في بدايتها، ثم سرد المشاهد وفق مبدأ “قبل ساعة من الحادثة” أو “قبل يومين” وغيرهما، فإن “رقصة مطر” يترك الباب مفتوحًا أمام المشاهد، فيمنحه كل ما يرغب معرفته في الحلقة الأولى، ليغوص فيما يليها بالشرح والتفسير.
يقول العمل بصريًا إن الإنسان يسلّم مفاتيحه باسم الحب لمن يحب، ويغمض عينيه بطمأنينة لمصيره في علاقة ينشد صدقها، لكنّ خيبة غير مخطط لها، وخذلانًا غير متوقع أو محسوب العواقب، كفيل بتحويل الحبيب المطمئن إلى وحش تتكسر أمام جرحه الاعتبارات المنطقية التي تلاشت من تلقاء نفسها ساعة الخيبة، فيحاول محو المرارة بأخرى أشد وطأة وأقوى تأثيرًا، تمامًا كمحاولة نسيان ألم باختلاق آخر أكثر إيلامًا.
الانتقام حاضر في المسلسل، لكن ممن، ولأجل من، طالما أن التأثير تبادلي في العلاقات العاطفية، وإيذاء الآخر يعني تأثرًا بهذا الإيذاء، وكثير من التساؤلات التي تفرض نفسها تجعل من ضحية الخذلان والخيانة ضحية للانتقام أيضًا، إلى جانب كونه جانيًا طبعًا.
“رقصة مطر” من تأليف بيار صمعة وإخراج جو بوعيد، وعُرض للمرة الأولى في آذار الماضي، عبر منصة “شاهد”، من بطولة مكسيم خليل وإيميه صباح ورولا بقسماتي.
كما شارك في التمثيل وسام صليبا ويوسف حداد، ومروى خليل، والإنتاج لشركة “الصبّاح”، ما يجعل العمل لبنانيًا أمام الكاميرا، باستثناء بطولة مكسيم خليل، ليتراجع الحضور المشترك إلى الكواليس عبر تنفيذ الإخراج على يد مضر إبراهيم، والمساهمة الدرامية لبشار مارديني.